قبل ثورة 25 يناير، عاشت مصر عهدين تحت استبداد حكم ملكي دام 150 عامًا، وحكم عسكري دام ما يقرب من 60 عامًا. ولم يكن أي من العهدين حكمًا استبداديًّا عقائديًّا وكان فقط حكمًا استبداديًّا. والعجيب أن استبداد العهد الملكي كان استبدادًا مستنيرًا، ففيه كانت عودة الروح إلى مصر المستقلة برغم الاحتلال البريطاني اللاحق. فيه كان سياسيًّا: محمد علي، وإسماعيل باشا، وكلاهما كان حاكمًا بناء للوطن، مطلقًا لحريات التعبير. وبالإجمال كان هذا العهد مستنيرًا في استبداده، وكانت دساتيره عصرية مدنية، وكان المجتمع يموج بحرية التعبير والاعتراض والوقفات الوطنية الحاسمة، وكان يموج المجتمع بكثير من الكتب الفكرية التي صودرت فيما بعد مع تصاعد التيار الإسلامي وتصاعد نفوذهم بموافقة الحكم العسكري المستبد كسلاح موجه ضد الفكر والثقافة وحرية التعبير. وحسبنا أننا ما زلنا نتحدث بفخر عن النهضة الثقافية في النصف الأول من القرن العشرين، وعن الأعلام الرواد الذين ظهروا فيه خلال جيلين: مشرفة، ومختار، وطه حسين، والعقاد، وأحمد أمين، والمازني، ومصطفى أمين، يحيى حقي وغيرهم كثيرون. وكذلك عن تألق المسرح المصري، والسينما المصرية اللذين لا نزال نتحدث عنهما وعن دورهما في الوطن العربي، ولا نزال نحن إليهما، وعن تألق النشر، وعن تدفق الصحافة والكتب والمجلات التي شكلت ثقافيًّا الوطن العربي بأسره، ومن بين هذه المجلات: الرسالة، والثقافة، والمثقف، والكاتب المصري وغيرها. وكذلك الأعمال الفنية التشكيلية الرائعة كأعمال: محمود سعيد، ومختار. ومع كل ذلك لم يكن الشعب المصري راضيًا، وكان يخوض حروبه ضد الاستبداد ودعمًا لمدنية الدولة والمساواة والعدالة الاجتماعية والحرية. وهي الأسس نفسها التي دعمتها ثورة 25 يناير، ولكن قفزت قوة نائمة تنتظر الفرصة للصعود إلى الحكم منذ أن ظهرت، وهي قوة تنظيم الإخوان المسلمين التي كانت تصر على أنها جمعية دعوية لا غير، لكنها كانت دائمًا تنظيمًا عقائديًّا مستبدًا سريًّا وعلنيًّا في آن واحد، وقد صعدت إلى الحكم في شكل مدني أجوف وتنسل وتتسلل بدستور يخفي بين طياته أن الحكم بالدين، باستخدام ألفاظ ملتوية أو محيلة إلى غيرها أو فضفاضة تستغل بسهولة، ليس ضد غير المسلمين فقط، بل على المسلمين المخالفين لهم أيضًا. وستستمر جماعة الإخوان في محاولة التسلل حتى تسيطر على المجالس المحلية والنيابية، وعندئذ يتربع حكم الاستبداد العقائدي، وتبكي العين ونظل نحن إلى الاستبداد الملكي والعصر الجميل...لم يرق إلى أن يكون حكمًا ديمقراطيًّا عصريًّا. ولكن سيظل دائمًا وسيستمر كفاح الشعب من أجل حلم كامل بعصر جميل ديمقراطي حقيقي عصري، وسيتوهج بجيل جديد قادم رأى ما لم يره غيره من الأجيال.