كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أريل شارون من أوائل من فكروا في التخلص من عبئ قطاع غزة ومستوطناته, بعد أن أدرك يقينا استحالة البقاء هناك. لكنه لم يكن يتوقع أبدا أن يستمر القطاع شوكة في خاصرة إسرائيل منذ الانسحاب منه في منتصف أغسطس 2005. لكن العدوان هذه المرة الذي يحمل اسم "عامود السحاب" في إسرائيل يأتي في سياق مختلف, يكاد يختصر الأمر في مجموعة من بالونات الاختبار لعل أولها مصر الجديدة.. بعد ثورة 25 يناير, ومدى استعداد الجانبين حماس وإسرائيل لجولة أخرى بنكهة الربيع العربي. هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي حاصرتها عوامل الجغرافيا والسياسة وجعلت منها سجنا كبيرا لما يقرب من مليوني فلسطيني, ليست هي غزة الأمس. كما أن المعادلة والتوازنات الإقليمية يبدو أنها تغيرت كثيرا بفعل رياح التغيير التي هبت على العالم العربي, لتقلب حسابات إسرائيل وتغير قائمة الأولويات لديها وتدفعها مجددا لإعادة النظر في مفهومها للأمن, بعد أن تجاوز الصراع بعض الخطوط الحمراء, لعل أبرزها وصول صواريخ حماس إلى تل أبيب. ويأتي تغير أنظمة الحكم في بلدان الربيع العربي وتحديدا في مصر ليضيف بعدا جديدا للوضع الذي بات أكثر تعقيدا. فإسرائيل تفتقد للمرة الأولى الدعم الرسمي المصري الذي جسده نظام الرئيس السابق حسني مبارك, والذي حقق لها التهدئة المطلوبة في بعض الأوقات, وسمح بتشديد الحصار على قطاع غزة وتضييق الخناق على حركة حماس, في أوقات أخرى, على خلفية الربط بين جذور الحركة وتركيبتها السياسية والدينية وعلاقتها بجماعة الإخوان المسلمين في مصر. أما الأن, فرئيس وزراء مصر يزور القطاع, ليس من أجل لجم حماس وغيرها من الفصائل, ولكن للتضامن أولا وإمكانية التهدئة بشروط تمليها المقاومة لأول مرة, الأمر الذي انعكس في حالة التحدي المتزايد من حماس التي ظهرت وكأنها تريد أن تختبر هي الأخرى رياح التغيير الأخيرة. في هذا السياق, تقول صحيفة نيويورك تايمز إن القوات الإسرائيلية تقاتل الآن حماس الأكثر جرأة والمدعومة من قبل قوى جديدة في المنطقة مثل قطر وتركيا ومصر، مقارنة بالسلطة الفلسطينية المأزومة. في هذا السياق, جاء رد حماس غير المسبوق والنوعي بإطلاق صواريخ تجاوزت المدى السابق لتصل إلى أطراف تل أبيب للمرة الأولى, وتدفع الإسرائيليين مجددا للعيش في المخابئ. أما منظومة القبة الحديدية الصاروخية التي تنتشر على حدود غزة, وتترقب الصواريخ لاصطيادها فقد حققت نجاحا جزئيا, لكنها لم تفلح في إشعار الإسرائيليين بالأمن المطلوب. فقد أطلقت حماس مثلا أكثر من ثلاثمائة صاروخ خلال 24 ساعة فقط على البلدات الإسرائيلية، وقتلت ثلاثة إسرائيليين وأصابت ثلاثة جنود, في اليوم الثالث للعدوان. لهذا يستبعد إخماد النار المشتعلة في غزة أو احتواء آثارها بشكل سريع بسبب ارتفاع الإصابات في الجانبين، واستخدام حماس صواريخ طويلة المدى، وهو ما كان حتى وقت قريب خطا أحمرا لدى إسرائيل التي تستعد لانتخابات عامة خلال الشهور القليلة المقبلة, الأمر الذي يفتح ساحة المزايدات السياسية والعسكرية على مصراعيها, ويجعل غزة ورقة انتخابية مؤثرة. وتشير صحيفة الجارديان البريطانية هنا إلى أن الحروب الإسرائيلية على لبنان عام 1996 وغزة 2008 و2009 وقعت قبيل الانتخابات العامة, وتحولت إلى لعنة سببت هزيمة انتخابية لدعاة ومنفذي تلك الحروب. وتبدو صحيفة ها آرتس الإسرائيلية أكثر وضوحا فتقول إن الهدف هو تسخين الأجواء العامة في إسرائيل والحصول على أكبر عدد من الاصوات في الانتخابات للكنيست, وعليه فإن الاسم المناسب للحرب على غزة كما تقول الصحيفة الإسرائيلية هو "حرب سلامة نتنياهو"، وإن شئتم – حرب سلامة نتنياهو وباراك". اختبار مصر من جهة ثانية, تبدو إسرائيل أيضا وكأنها تهدف من وراء العدوان على غزة إلى اختبار مصر الجديدة, على خلفية ما تراه من هشاشة للوضع الأمني في سيناء. ويبدو أن سيناريو دفع الأمور إلى مرحلة "الأزمة الكبرى" في غزة ما زال قائما لدى إسرائيل, انطلاقا من توجهات متجددة بإلقاء عبئ القطاع في حجر مصر. ولا مانع هنا لدى قطاعات من الإسرائيليين لدفع سكان القطاع تحت وطأة القصف والحصار للهروب إلى سيناء وخلق أمر واقع جديد. ويدور السيناريو الذي تكشف عنه جهات استخباراتية إسرائيلية لإشعال التوتر والضغط على مصر, حول صاروخ من هنا أو من هناك يطلق من سيناء على أهداف إسرائيلية بمساعدة جماعات تقول إنها جهادية, لتحصل إسرائيل على الذريعة المناسبة. كما تدرك إسرائيل جيدا صعوبة الوضع الداخلي في مصر بعد الثورة, الأمر الذي يقتضي اختبار وتحسس المدى الذي يمكن أن يصل إليه نظام مصر الجديد في دعم غزة, حيث يسعى الإسلاميون في مصر لتأكيد معارضتهم لإسرائيل لكن مع موازنة ذلك مع واقع إدارة دولة جديدة من خلال تجنب تصعيد التوتر على الحدود أو إغضاب الولاياتالمتحدة التي تقدم مساعدات سنوية كبيرة للجيش المصري قدرها 1.3 مليار دولار. ويمكن لمصر أن تمارس المزيد من الضغط على إسرائيل من خلال تخفيف القيود على السفر من غزة وإليها, تحت شعار "مجرد إجراءات لا قطع علاقات", حسب ما يتمنى تيار عريض من الإسرائيليين. ويبدو أن إسرائيل التي تحاول فهم وقياس توجهات وقدرات مصر الجديدة, تريد في الوقت نفسه, قياس قدرات حماس الصاروخية, مع التأكد من متانة منظومة الصواريخ المضادة للصواريخ المعروفة باسم القبة الحديدية, والتي نشرت مؤخرا على حدود غزة. وربما كانت عملية جس النبض المتبادل, مقدمة لمواجهة أخرى, تكون أوسع نطاقا, بعد فترة أو هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس وتجهيز أطراف وساحات أخرى قد تمتد إليها النار التي تشتعل تحت الرماد, وليست مصر وتحديدا سيناء من ذلك كله ببعيد. غزة.. السجن الكبير - غزة هي ثاني أكبر مدينة فلسطينية بعد القدس, وهي على شكل شريط ضيق شمال شرق شبه جزيرة سيناء يشكل تقريبا 1.33% من مساحة فلسطين التاريخية الممتدة من النهر إلى البحر. تحد قطاع غزة إسرائيل شمالا وشرقا، بينما تحدها مصر من الجنوب الغربي. - عدد سكان قطاع غزة يقترب من مليوني نسمة, معظمهم من لاجئي 1948. ويعتبر القطاع إحدى أكثر المناطق كثافة سكانية بالعالم. وتبلغ نسبة الكثافة وفقا لأرقام حديثة 26 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد. - يضم القطاع عدة مخيمات للاجئين أبرزها رفح وخان يونس ودير البلح والنصيرات والشاطئ والمغازي والبريج وجباليا. - يمتد القطاع على مساحة 360 كلم مربعا، ويبلغ طوله 41 كلم، أما عرضه فيتراوح بين 6 و12 كلم. - تحيط بغزة سبعة معابر لا يدخل القطاع ولا يخرج منه شيء دون المرور بأحدها، وتخضع ستة منها لسيطرة إسرائيل، والمعبر الوحيد الخارج عن سيطرة الاحتلال هو معبر رفح مع مصر. - حتى عام 1948 تاريخ إعلان قيام إسرائيل, كان قطاع غزة تحت سلطة الانتداب البريطاني على فلسطين, ثم خضع لحكم عسكري مصري بين 1948 و1956، ثم احتلته إسرائيل لمدة خمسة أشهر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. - في مارس 1957 انسحب الجيش الإسرائيلي فعاد القطاع مجددا تحت الحكم المصري. وفي حرب 1967 احتلت إسرائيلي القطاع مرة أخرى وظل تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر حتى سبتمبر 2005 تاريخ الانسحاب الإسرائيلي الذي شمل إخلاء المستوطنات التي كانت قائمة على أرض غزة. - كان القطاع قد أصبح مشمولا بالحكم الذاتي بموجب اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993. - سيطرت حماس على القطاع يوم 14 يونيو 2007 في إطار الصراع الداخلي الفلسطيني مع حركة فتح. - تعرض القطاع ولا يزال لحصار مشدد وهجمات إسرائيلية شاملة ومتكررة. حماس.. امتداد للإخوان المسلمين - حماس.. الاسم المختصر لحركة المقاومة الإسلامية.. أسسها الشيخ أحمد ياسين مع بعض عناصر الإخوان المسلمين العاملين في الساحة الفلسطينية مثل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والدكتور محمود الزهار. - تعتبر الحركة التي ظهر الإعلان الأول لها عام 1987، امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928. وقبل إعلان الحركة عن نفسها عام 1987 كانت تعمل على الساحة الفلسطينية تحت اسم "المرابطون على أرض الإسراء" و"حركة الكفاح الإسلامي". - لا تؤمن حماس بأي حق لليهود في فلسطين، ولا تمانع في القبول مؤقتا وعلى سبيل الهدنة بحدود 1967 ولكن دون الاعتراف لليهود الوافدين بأي حق لهم في فلسطين التاريخية. - ترى أن المسيرة السلمية التي سار فيها العرب بعد مؤتمر مدريد عام 1991، كانت خطأ. - يمثل العمل العسكري لدى حماس توجها أساسيا لمواجهة "المشروع الصهيوني. وتؤكد الحركة أنها ليست على خلاف مع اليهود لأنهم مخالفون لها في العقيدة ولكنها على خلاف معهم لأنهم يحتلون فلسطين. - نفذت حماس العديد من العمليات عن طريق جناحها العسكري المسمى "كتائب عز الدين القسَّام". - حماس موضوعة ضمن القائمة الأميركية للإرهاب. - فازت حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006بأغلبية كبيرة، لتقصى حركة فتح عن تصدر المشهد الفلسطيني, حيث واجهت ضغوطا داخلية وخارجية ودخلت في صراعات داخلية ومواجهات مسلحة مع حركة فتح وانتهت بسيطرتها على قطاع غزة.