(وقد سارت الدول العظمى في كل حقبات التاريخ إلى حتفها لأنها لا تريد أن تعترف بأن لقوتها حدودا.. وقد رغبت السيطرة على العالم، على دولة بعد دولة استبدت حتى أدت إلى تحطيمها...) – برتراند راسل – الحرية أو الموت. مصادفة وقع َ بينَ يدي كتاب قديم الطباعة، بدون تاريخ، وبعنوان (هَل للإنسان مستقبل) للمفكر والعالم برتراند راسل... مجموعة مقالات، بمثابة الدفاع عن الإنسان.. والوجود.. والحياة.. والمستقبل.يتحدث فيها عن بشاعة القوة التي تلغي خطى الإنسان الحالم بالصباح.. بل رغيفه الحلم و(الحالم يحلم بعمقه الذاتي) كما يقول غاستون باشلار في شاعرية أحلام اليقظة.. وتحيله إلى مسخ .. إلى ظل باهت.. إلى لا وجود بفعل عناصر القوة التي تحكم.. وتتربع على كرسي صدئ.. وتتفاخر ببلاغة خاوية.. وصيغ مترهلة..، ويهزأ الكاتب من قوة البشاعة التي تحول الإنسان إلى رقم ..أو اسم في الهامش أمام السعي إلى السيطرة والحكم والطغيان والتفرد بكرسي ريادة.. وقيادة العالم.. بأبجدية زائفة، دون قراءة واعية للواقع.. ودون أية حسابات دقيقة لخطى الإنسان الممغنطة بسحر الريح.. وقوة العواصف.. ومزاح البراكين، وهو المثقل أبدا بخرائط الأحلام والآمال..، والأمنيات،.. ودون حماية أيضا من مدافع المستقبل الغامضة التي ستكون أوجع وأقسى من الرصاصات المنطلقة من مسدسات اليوم حسب تعبير الكاتب والشاعر –رسول حمزاتوف. يقول برتراند راسل (وحب السلطة دافع قد يكون قويا، أقوى من الخوف، يدفع إلى اتباع سياسة غير واعية)- الكتاب ص34. وما نعيشه اليوم من بشاعة فاقت كل الحدود وهددت سقوف بيوتنا.. وزوارق أحلام أطفالنا في عالمنا المخدر بإكسير أوهام السلطة والسيطرة، غير المبررة، وهو يؤسس لبشاعة فاقت حدود البشاعة نفسها، و هذا يحدث، كل يوم،بفعل ما أسماه راسل: السياسة غير الواعية.. وفرض مفاهيم العولمة التي بدأت أبجديتها المقيتة على إيقاع الأصفاد.. والسجون..والظلام..والاحتلال..، العولمة التي حولت العالم من قرية صغيرة، كما ينظر فقهاؤها إلى سجن صغير رطب وخانق..، الخضوع لقوة واحدة، بل لسجان واحد، وعلى العالم أن يؤدي صلاة الخشوع..والقبول..وأن يحترف الصمت.. والضعف..والتخاذل.. أن يراهن على الليل وهو بلا تاريخ و(الليل ليسَ له مستقبل) كما يعبر غاستون باشلار أيضا.. وعلى الإنسان الذي يعيش على رغيف الأمل أن يموت َ ببطء.(نهاية الأمل بداية الموت)-أندريه مورو.. أن ينسى إنسانيته، ويتنازل عن هويته.. ووجوده.. وأحلامه..وطموحاته..!! (تأكيد الحرية وشيوع الديمقراطية).. فخ نسج في ورشة العولمة.. وخدعة من خدع النظام العالمي الجديد، حيث وجد الإنسان نفسه فيه ضائعا..مغيبا، ممتهنا وصارت المدن أسماء مكتوبة بريشة الدخان، والغبار، والدماء، وبراءة الجثث..تلك هي الحرية الجديدة التي حولتها بشاعة القوة إلى سجن انفرادي..وتلك هي الديمقراطية التي جعل المتشدقون بها لها أنيابا ومخالب وكمائن..!! في عصر بشاعة القوة.. وقوة البشاعة أصبح الحلم عبئا.!! جف ماء الأعين أمام صور البشاعة التي غرست في إنسان العصر،وربما في الأجيال القادمة أمراضا يستعصي علاجها واختراع دواء لها، إلا إذا ابتكر أو اكتشف المتعولمون طرقا لزوال غيوم الكآبة..واليأس..والأحزان.. واللا أمل..، إلا إذا وجدوا وسيلة لرضاء العدالة، وكفكفت دموعها الحجرية..وأعادوا لطيور الحرية حناجرها..وأجنحتها، وزرعوا حقل ورود للحق..، واستبدلوا أثواب الديمقراطية المزخرفة بألوان الأكاذيب،بأثواب نسجت من خيوط المطر الحريرية..وأنغام الربيع..، وقاموا بحفر مقابر للطغاة بأيدي العدالة المنكسرة العينين (فلو أمكن أن نعيش بدون حرب أجيالا قليلة، لأصبحت الحرب عادة بغيضة في نظر الناس، بنفس الطريقة التي صارت إليها المبارزة اليوم)-الكتاب ص35. يقول الكاتب والروائي الأمريكي هنري ميللر (العالم يحكمه القلب).. و(فلنكن مرحين دائما ومشرقين)- روايته- ربيع أسود ص76. إما أنها زلة لسان لهذا العبقري، أو شذرة من شذرات أسلوبه الساخر من بشاعة القوة التي جعلت منه إمبراطورا للساخطين والبذيئين والساخرين حتى المرارة، في هذا العالم، بفعل السياسة غير الواعية، التي تحدث عنها برتراند راسل، وسخط َ عليها هنري ميللر بقوله: (إنني أعد السياسة عالما خبيثا متعفنا إلى أبعد حد..، إننا لا نصل إلى أي تقدم عن طريق السياسة، إنها تفسد كل شيء).. * كاتب و شاعر [email protected]