عندما بدأت طرح مصطلح صحافة الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI) Journalism، كانت هناك جهود سابقة منذ عام أو أكثر تناولت ظاهرة "صحافة الروبوت Robot journalism " والتي يُقصد بها قيام الروبوت بأدوار في العمل الإعلامي، وهنا اختلاف كبير بين المصطلحين، فصحافة الروبوت هي جزء بسيط من ثورة صحافة الذكاء الاصطناعي، الروبوت مجرد أداة من أدوات صحافة الذكاء الاصطناعي. يمكن القول إن هناك العديد من الأدوات التي سوف توفرها الثورة الصناعية الرابعة، وتلعب دورا كبيرا في تشكيل مفهوم صحافة الذكاء الاصطناعي، فصحافة الذكاء الاصطناعي لا تعتمد فقط على "الروبوت" فهو جزء ماديا من تلك الأدوات المختلفة، لكن هناك تقنيات عديدة أخرى سوف توفرها الثورة الصناعية الرابعة مثل: (منصات إنترنت الأشياء ، أجهزة الهاتف المحمولة عالية الدقة، تكنولوجيا كشف المواقع، التفاعل المتقدم بين الإنسان والآلة، التوثيق وكشف الاحتيال، الطباعة ثلاثية الأبعاد، أجهزة الاستشعار الذكية، تحليل البيانات الكبيرة والخوارزميات المتقدمة، التفاعل متعدد المستويات مع العملاء وجمع المعلومات، الواقع المعزز/ الأجهزة القابلة للارتداء، تقنية بلوك تشين)، ولكل تقنية من تلك التقنيات أدوار كبيرة في الدفع بصحافة الذكاء الاصطناعي، فلو تحدثت عن بعض منها مثلا:
- أجهزة الهاتف المحمولة عالية الدقة في التصوير والنقل والتواصل بشبكات (G5،G6 ، G7) أو شبكات جديدة تتزايد سرعتها ألف مرة عن السرعات الحالية، علاوة على اتصالها المباشر بعدة أقمار صناعية دوارة، ومتصلة بقنوات إعلامية أو شبكات تواصل مباشرة، والتي سوف تُتيح للصحفي أو الإعلامي أو حتى "الروبوت" ناقل الأخبار والمزود بمثل تلك التقنيات بأن يكون مؤسسة إعلامية مُتنقلة في (الكتابة، التصوير، التحرير، والبث)، وتلك سوف تقود صحافة الذكاء الاصطناعي إلى مستويات عالية ويحدق طفرة كبيرة في صناعة الإعلام.
- منصات إنترنت الأشياء، سوف يكون لها تأثيرا كبيرا أيضا في نمو صحافة الذكاء الاصطناعي، وسوف تعمل على دعم وتوفير التواصل الدائم والسريع بين مختلف الأدوات سواء إعلامية " كاميرات، استوديوهات، أجهزة حاسوبية، هواتف، روبوت، أقمار صناعية وغيرها “أو أدوات تكنولوجية ناقلة للمحتوى والأخبار، كل أداة على حدٍ تتضمن "هوية إلكترونية (RFID)، حيث يستطيع صانع الإعلام أو الصحفي التحكم عن بعد بتلك الأدوات في نقل المحتوى أو التواصل مع الجمهور المستهدف.
- الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتي تفتح أبواب جديدة في رسم وتصوير الأشخاص والأحداث بصورة أقرب للواقع، فقد تُغير تماما من برامج المونتاج وتحرير الفيديوهات، علاوة على صناعة مجسمات حيوية وتخيلية – ثلاثة الأبعاد – لبعض الأحداث التي يصعب الإعلام في الحصول على مواد مصورة خاصة بها، وهي التي سوف تعزز بقوة نمو صحافة الذكاء الاصطناعي.
- منصات البيانات المفتوحة، هي أحد أسس صحافة الذكاء الاصطناعي، حيث توفير كم هائل من البيانات المفتوحة حول العالم، وسوف تُتيح لكل وسائل الإعلام والصحفيين، وحتى "الروبوت" الحصول على المعلومات يوميا دون البحث عنها، بمجرد تحديد اهتمامات الفرد من المعلومات، سوف تتدفق إليك ملايين المواقع والروابط لتنقل لك أدق التفاصيل عن الحكومات، والمؤسسات، الأفراد.
ويُضاف أيضا إلى ذلك الكم الهائل من (البيانات الضخمة) ، التي ينتجها العالم خلال العقد القادم، حيث قدرت شركة إنتل حجم البيانات التي ولدها البشر منذ بداية التاريخ وحتى عام 2003 ما قدره 5 إكسابايت (1 إكسابايت =مليار جيجابايت ، لكن هذا الرقم تضاعف 500 مرة خلال عام 2012 ليصل إلى 2.7 زيتابايت (1 زيتابايت =تريليون جيجابايت).
ووفقا لتقرير حديث صدر في مارس الجاري من (HAL) وصل حجم البيانات التي أنتجها العالم في العام 2016 إلى 16.1 زيتابايت، والمتوقع أن يرتفع إلى 163 زيتابايت في العام 2025، وسوف يكون فقط 3% من هذا الحجم الهائل من المعلومات خاضع للتحليل والتخزين، وتلك البيانات الضخمة سوف تضع تحديات كبيرة على صناعة الإعلام وثورة صحافة الذكاء الاصطناعي في البحث عن أفضل السبل لمعالجتها وتولى كل وسيلة إعلامية (تقليدية أو حديثة) في تصنيف تلك البيانات الضخمة وعرضها وتحليلها والاستفادة منها.
الحوسبة السحابية والتي تعني كافة المصادر والأنظمة الحاسوبية المتوافرة (تحت الطلب) عبر الشبكة والتي تستطيع توفير عدد من الخدمات والمعلومات الحاسوبية المتكاملة، وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي فالحوسبة السحابية هي الموجة التالية من تكنولوجيا المعلومات للأفراد والشركات والحكومات، والتي سوف توفر طفرة كبيرة في تكنولوجيا المعلومات بتكلفة منخفضة العديد من الفرص الجذابة، حيث أصبحت التقنيات السحابية أساسًا للابتكار الجذري في العمل ونماذج الأعمال الجديدة، وعلى مستوى صحافة الذكاء الاصطناعي سوف تُساهم الحوسبة السحابية في توفير أدوات من تكنولوجيا المعلومات الأكثر تطورا، علاوة على وصول أسرع وأفضل لمصادر المعلومات للصحفي، مع توفير وسائل أكثر فاعلية في التأثير على الجمهور المستهدف عبر حدود الدول.
وفي الختام هناك حاجة شديدة إلى العديد من الأبحاث والتقارير لتعرض تفصيلا مستقبل صناعة الإعلام في ظل ثورة صحافة الذكاء الاصطناعي، ولا يمكن تقيد هيكلة الإعلام بمجرد وظائف يقوم بها الروبوت في العمل المهني الإعلامي، ويقوم ببعض مماثل لها في المصانع، والمحلات التجارية، وحقول النفط، ومحطات الفضاء. فصحافة الذكاء الاصطناعي أكبر وأشمل من مجرد "روبوت" مًفيد بعدة وظائف.