عندما تفكر فى وضع خريطة برامجية لإحدى الفضائيات المصرية، ستترك بكل تأكيد مساحة للبرامج الدينية التى تحظى بنسب مشاهدة عالية، لما لهذه البرامج من آثار إيجابية عديدة، يأتى فى مقدمتها شغل أوقات الفراغ بما يفيد، والإقبال على الأعمال الخيرية، وتحسين العلاقات الاجتماعية خصوصا مع الأرحام، والإقلاع عن بعض العادات السيئة، وكبح الغرائز. اختيار مقدم البرنامج الدينى يعد أمرا فى منتهى الأهمية بالنسبة لصانع القرار فى المحطات الفضائية، فرغم أن المعلومة الدينية والفتوى قد تكون واحدة، فإن طريقة طرحها، تختلف من داعية إلى آخر، ولهذا كان جمهور المشاهدين متواصلا بشكل كبير مع الدعاة الذين ظهروا بشكل ومضمون جديدين.
فالداعية المودرن صنع «نيولوك» جديدا، وارتدى بدلة أنيقة، وهو مهندم، يصفف شعره باعتناء، ليس ملتحيا فى كثير من الأحيان، بشوشا، ليس خطيبا بمقاييس الخطابة العربية الراسخة، بل إن معظم قاموسه يعتمد على العامية المصرية فى أبسط أشكالها، مستخدما كلمات وألفاظا يسهل الوصول بها إلى الجمهور.
والداعية «المودرن» يستخدم كلمات دارجة فى لغة الشباب، ونقل الخطاب الوعظى القائم على التخويف من النار والتبشير بالجنة إلى خطاب يحبب الشباب فى الحياة وفى السعادة وفى إشاعة البهجة والحب والاستماع إلى الموسيقى والتمتع بالفنون.
وبقياس نسب المشاهدة من عام 2005 حتى يناير 2011 نجد أن الشباب أقبلوا على برامج عمرو خالد ومصطفى حسنى ومعز مسعود وغيرهم، لأن بإمكانهم أن يكونوا متدينين دون أن يتخلوا عن حياتهم التقليدية، عملهم، دراستهم، رفاهيتهم، ولذلك كانت الفضائيات تميل أكثر للدعاة الجدد، الذين أصبحوا موضة فى ذلك الوقت، وتعاقدت الوكالات الإعلانية معهم نظرا لشعبيتهم وسط شريحة عريضة من الشباب الباحث عن الأخلاق، ووصلت عقود هؤلاء الدعاة لملايين الجنيهات، ونافسوا كبار مذيعى برامج التوك شو، الذين استثمروا نجوميتهم واتفقوا معهم على الظهور فى حلقات أسبوعية للحديث فى أمور الدين والدنيا.
وكان من الطبيعى أن يتصدر الداعية عمرو خالد قائمة «نجوم الدعاة» التى أصدرتها مجلة «فوربس العربية» التى تضم أعلى دعاة الدين الإسلامى دخلا خلال عام 2007، حيث ذكرت أن صافى دخل عمرو خالد فى عام 2007 بلغ 2.5 مليون دولار، وأن الداعية الكويتى طارق السويدان جاء فى المرتبة الثانية بدخل صاف بلغ مليون دولار، ثم الداعية السعودى عائض القرنى مؤلف كتاب «لا تحزن» بدخل وصل إلى 533 ألف دولار.
وحل فى المرتبة االرابعة الداعية المصرى عمر عبد الكافى المقيم فى الإمارات بدخل صاف بلغ 373 ألف دولار، ثم الداعية السعودى سلمان العودة ب267 ألف دولار. وأوضحت المجلة أن مصادر دخل الدعاة تتركز بالدرجة الأولى فى الإنتاج التليفزيونى والبرامج التى يتم بثها على شاشات العديد من المحطات الفضائية والأرضية فى الوطن العربي، وكذلك فى التسجيلات الصوتية سواء على أقراص مدمجة أو أشرطة دينية، إلى جانب المؤلفات الدينية والأدبية التى عمل هؤلاء الدعاة على وضعها خلال 2007 أو التى بيعت فى نفس العام.
ورغم الانتقادات الكثيرة لمعظم الدعاة الجدد، مثل أنهم غير متخصصين فى العلوم الشرعية، وتجاوزهم الصورة النمطية للداعية الإسلامى وارتداؤهم الزى الغربى بدلا من الإسلامى المعروف فإن نسب المشاهدة والإعلانات كانت سلاح هؤلاء الدعاة فى فرض شروطهم على ملاك الفضائيات الخاصة.
والآن وبعد مرور سنوات من ظهور هؤلاء الدعاة «الكاجوال»، كما يطلق عليهم تغير الوضع داخل الفضائيات الخاصة، التى قل حماسها لهم بعد تراجع نسب مشاهدتهم، وغياب المعلنين عنهم مما أدى لتراجعهم خطوات كثيرة بعد أن قل الإقبال عليهم والثقة فيهم بشكل عام، وهو ما تثبته مراكز قياس نسب المشاهدة. ولأن سياسة «العرض والطلب» تفرض نفسها على أى سوق تجاري، ومنها بالطبع سوق الإعلام التليفزيونى الخاص، كان من الطبيعى أن تتراجع أجور الدعاة الجدد بشكل كبير، وصل إلى ما يقرب من 60% من أجورهم التى كانوا يتقاضونها، وبحثوا عن وسائل جديدة يطلون من خلالها على الجمهور بعيدا عن الفضائيات، فاتجهوا لمواقع التواصل الاجتماعى بحثا عن نجومية ضائعة.