ذكرى النكبة ال 70 (15 مايو) تتزامن هذا العام للأسف الشديد مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وهو الذى يعد اعترافا أمريكيا بالقدس عاصمة لإسرائيل.. ذكرى النكبة تأتى فى اليوم التالى لذكرى إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلى 1948م وما قامت به المجموعات المُسلحة الصهيونية فى حق الشعب الفلسطينى من مجازر وحرق وتشريد لملايين الفلسطينيين وذلك من أجل التمهيد لقيام دولة إسرائيل.. «الأهرام العربي» أجرت هذا الحوار عبر الهاتف مع الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للحديث حول الأوضاع فى فلسطين فى ظل التجاوزات الإسرائيلية والموقف الأمريكي..
فى البداية نود أن نطمئن على صحة الرئيس عباس؟ الرئيس عباس خضع لفحوصات إضافية يوم السبت الماضى فى المستشفى الاستشارى فى رام الله، وكانت النتائج مطمئنة للغاية وهو بصحة جيدة جدا، حيث كان سيادته قد خضع لعملية جراحية للأذن الوسطى يوم الثلاثاء الماضي، وتحدثت معه هاتفيا، وطلب منى مازحا عدم المجيء إلى المستشفى حرصا على صحتي، وأنتهز هذه الفرصة لتوجيه خالص الشكر والتقدير والاعتزاز للطواقم الطبية الفلسطينية، وإن شاء الله الأخ الرئيس أبو مازن سيغادر المستشفى قريبا جدا، بعد أن جاءت جميع التحاليل والفحوصات الطبية التى أجريت له مُطمئنة للغاية.
هل الخطوة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها مشروعة؟ قطعا لا.. هذه الخطوة هى خطوة أحادية الجانب وغير قانونية، وتنتهك قواعد القانون الدولى وقرارات مجلس الأمن التى تنص على أن أى تغيير على الوضع الراهن للقدس هو «باطل» و»لاغ»، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، والفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية حول جدار الضم والتوسع. من جهة أخرى، يحظر قرار مجلس الأمن رقم 478 على الدول إنشاء أية بعثات دبلوماسية فى القدس، ولا يوجد أى صبغة قانونية لقرار نقل السفارة أو الاعتراف بعاصمة دولة أخرى على أرض محتلة، بموجب القواعد القانونية الآمرة فى القانون الدولي، وهى خطوة تناقض التزامات الإدارات الأمريكية السابقة حول وضع القدس بما فى ذلك رسالة التطمينات الأمريكية التى وجهها وزير الخارجية الأمريكى جيمس بيكر إلى الجانب الفلسطينى عام 1991.
ماذا يعنى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها؟ يعنى اعتراف الإدارة الأمريكية بالضم الإسرائيلى غير الشرعى للقدس المحتلة، وتشريع الاحتلال غير القانونى ومنظومة الاستيطان الاستعمارى وتعزيز نظام «الأبارتايد»، ويعنى أن ترامب يعتقد أنه يمكنه تحت عنوان «الواقعية» بعد خمسين عاماً على الاحتلال، أن يفرض على الشعب الفلسطينى القبول بنظام «الأبارتهايد». كما يعنى انقلاب الإدارة الأمريكية على الشرعية الدولية وضرب القانون الدولى بعرض الحائط.. وبالنسبة للشعب الفلسطينى والإجماع الدولى الساحق، فلا أثر قانونى لاعتراف ترامب الأحادى الذى لن يغير من المكانة التاريخية والقانونية للقدس التى كفلتها الشرعية الدولية، وهذه الخطوة تعنى تقويض جهود تحقيق السلام، وتحويل الصراع إلى صراع ديني، ويدفع المنطقة إلى المزيد من العنف والفوضى الدولية وإراقة الدماء وعدم الاستقرار.
لماذا اختارت الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع إسرائيل هذا اليوم تحديداً لنقل سفارتها للقدس؟ لقد تم اختيار هذا التاريخ بشكل مدروس لتزوير الرواية التاريخية وتبنّى الرواية الإسرائيلية الكاذبة وترويج القدس باعتبارها «العاصمة الموحدة للشعب اليهودي»، من خلال فرض الأمر الواقع بالقوة المساندة للاستعمار، وبرسالة إلى العالم أن منطق القوة والهيمنة واستبدال لغة القانون بشريعة الغاب هو شكل المرحلة المقبلة، ومن أجل استفزاز مشاعر المسلمين والمسيحيين فى جميع أنحاء العالم، وتوجيه إهانة مزودجة إلى الشعب الفلسطينى ولمنظومة القانون الدولى السائدة منذ عقود، ولدول العالم المساندة لحق شعبنا فى تقرير مصيره وعاصمته السيادية.
ماذا يعنى لكم افتتاح السفارة الأمريكية فى مدينة القدس؟ وضع سفارة فى قلب أرض محتلة وفقاً للقانون الدولى يعنى بالنسبة لنا وضع حجر الأساس لمقر بؤرة استيطانية غير شرعية، بؤرة استيطانية أمريكية لا تختلف عن المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية مثل «بيت أيل» و»معاليه أدوميم» وغيرها من المستوطنات الاستعمارية المرفوضة دولياً التى تشكل العقبة الرئيسية فى وجه تحقيق السلام، ويعتبر شعبنا ومعه العالم الحر أن نقل السفارة إلى القدس بمثابة «نكبة» جديدة لمبادئ القانون الدولى وقيم العدالة الدولية.
لماذا خرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين فى غزة والضفة والقدس وأراضى ال 48 فى مظاهرات احتجاجية واسعة يومى نقل السفارة وذكرى إحياء النكبة؟ خرج الفلسطينيون العزل من الشباب والنساء والشيوخ والأطفال فى احتجاجات أسبوعية سلمية لإحياء الذكرى السبعين للنكبة التى تتزامن هذا العام مع نقل السفارة غير القانونى للقدس، من أجل توجيه رسالة واضحة إلى إسرائيل والمجتمع الدولى أن شعبنا يرفض الذل والاستعباد، وليطالب سلمياً برفع الحصار الجائر عليه، ونيل حقوقه غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقه فى تقرير المصير والحرية واستقلال دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، خصوصا حقه بالعودة وفقاً للقرار 194. خرج شعبنا ليقول إنه لا يعترف بالقرار الأمريكى ولا بنقل السفارة، وإنه يرفض الحلول والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، ولن يقبل بها، وليطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وليعلن أنه قادر على مواجهة وإسقاط المشاريع التصفوية التى تستهدف قضيته العادلة ووجوده.
هل اخترق المتظاهرون الفلسطينيون الحدود مع إسرائيل؟ إسرائيل الدولة الوحيدة فى العالم التى لم تحدد حدودها، وهذه المنطقة غير الشرعية سمتها إسرائيل سلطة الاحتلال ب»المنطقة العازلة» التى فرضتها بقوة الأمر الواقع وبشكل أحادى، التى ضمت بشكل غير قانونى 16 % من قطاع غزة. وتفرض إسرائيل قيوداً على وصول الفلسطينيين إلى الأراضى الواقعة فى «المنطقة العازلة»، وأحيانًا عن طريق استخدام الرصاص الحي، ومنذ كانون الثانى إلى آيار 2011 فقط، قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 19 مدنياً، من بينهم سبعة أطفال وإصابة 252 آخرين، من بينهم 73 طفلاً والذى يشكل انتهاكاً صارخاً وأساسياً لقواعد القانون الإنسانى الدولى فيما يتعلق بحماية المدنيين».
بالتزامن مع نقل السفارة الأمريكية. ما الثمن الذى دفعه الفلسطينيون الأبرياء مقابل تظاهرهم السلمى ضد الاحتلال؟ ارتكبت إسرائيل، سلطة الاحتلال، مجزرة مروعة بحق المدنيين الفلسطينيين وقتلت بشكل متعمد 62 فلسطينياً مدنياً، منهم 8 أطفال ومسعف، وإصابة أكثر من 3188 بجروح مختلفة، وأكدت منظمة أطباء بلا حدود الدولية أن «الجيش الإسرائيلى يستخدم بعض الأسلحة المجهولة التى تؤدى فاعليتها إلى إعاقة دائمة»، كما استهدفت سلطة الاحتلال الطواقم الصحفية والطبية، وحسب منظمة الأممالمتحدة للطفولة «اليونيسيف»، فإنه منذ 30 مارس 2018 أصيب أكثر من ألف طفل بنيران الاحتلال، خلال مسيرات العودة «إصابات الكثير منهم شديدة، كالحاجة إلى عمليات بتر»، علما بأنه منذ ذلك التاريخ حتى صباح 15 مايو سجلت وزارة الصحة الفلسطينية أن قوة الاحتلال قتلت 111 شهيدا فى قطاع غزة لوحده، هذا فى الوقت الذى لم يصب فيه أى جندى إسرائيلى بأى أذى، ولم تسجل أية إصابات أو حالات قتل فى صفوف جيش الاحتلال.
هل تظاهرات الفلسطينيين السلمية هى المشكلة كما يردد البعض مثل جيراد كوشنير وغيره؟ يتلخص هذا الطرح العنصرى بلعبة «إلقاء اللوم» على الضحية للتملص من الاستحقاقات السياسية والأخلاقية لإنهاء الاحتلال وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني، دائما كانت اللعبة أن يثبت الفلسطينيون أنهم يستحقون نيل حقوقهم، ويثبتون جدارتهم واستحقاقهم بالاعتراف الإنسانى بوجودهم، فى الوقت الذى اعترفت فيه منظمة التحرير بإسرائيل، وبعد أن خاضت 25 عاماً من مفاوضات مفرغة من مضمونها استخدمتها إسرائيل من أجل تثبيت استعمارها، أفشلت إسرائيل، سلطة الاحتلال، كل جهود السلام من أجل إيجاد حل سياسى عادل ودائم من خلال رؤية حل الدولتين، وأصبح المطلوب اليوم من الفلسطينيين التوقف عن الاحتجاج والمطالبة بحريتهم، والتطبيع مع الاحتلال، والقبول بالفرض والاملاءات والحلول الإسرائيلية والأمريكية التى تستهدف تصفية قضيتهم وحقوقهم لصالح تحقيق حلم إسرائيل ومخططها التوسعى بالسيطرة على فلسطين التاريخية، وهذا لن يحصل.. المشكلة تكمن فى وجود الاحتلال غير القانونى الذى استمر لأكثر من خمسين عاما ويجب انهاؤه.
ما الموقف الرسمى الفلسطينى والخطوات التى ستتخذونها رداً على هذه الخطوات غير القانونية؟ الموقف الرسمى الفلسطينى ثابت لم يتغير، منذ إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، باعتبار الإدارة الأمريكية قد عزلت نفسها عن عملية السلام ولم تعد شريكاً فيها، وأنها جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل، ورفض القرار الأمريكى وعدم الاعتراف به، واعتبار افتتاح السفارة فى مدينة القدس احتفالاً بدفن عملية السلام ومبدأ حل الدولتين واستبداله بمبدأ الدولة بنظامين أى «الأبارتايد». ونتابع انضمام دولة فلسطين إلى المنظمات الدولية، ووقعنا صك انضمام فلسطين إلى بعض الوكالات الدولية المتخصصة، وإحالة ملف منظومة الاستيطان الاستعمارى إلى المحكمة الجنائية الدولية، وحثثنا المدعية العامة (فاتو بنسودا) على فتح التحقيق الجنائى فوراً دون مماطلة، وطلبنا من مجلس حقوق الإنسان الإسراع فى إرسال لجنة تقصى حقائق دولية فى الجرائم التى ترتكبها سلطات الاحتلال بحق شعبنا ودعوة مجلس الأمن لتوفير الحماية الدولية العاجلة لشعبنا، كما اتخذنا الإجراءات القانونية الواجبة الإتباع بإرسال رسائل للإدارة الأمريكية للاستفسار منها باعتباره شرطاً رئيسياً، وسنتوجه إلى محكمة العدل الدولية لوضع قرارات الرئيس ترامب غير القانونية أمامها، وسيقوم شعبنا بمواصلة المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية وتوسيع امتدادها، وسنعمل على تكثيف الجهود لإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وتعزيز صمود الشعب الفلسطينى وخصوصاً فى القدس وقطاع غزة..
ما تعليقكم على المحاولات الإسرائيلية - الأمريكية لإسقاط ملف القدس من الطاولة ثم محاولة إسقاط قضية اللاجئين، وهل من الممكن أن تعودوا للتفاوض مرة أخرى؟ فلسطين لن تقبل بإجراء مفاوضات مع الجانب الإسرائيلى إلاّ على أساس القانون الدولى والشرعية الدولية وليس بالشروط والإملاءات القائمة على جرائم الحرب، وللأسف فإن دعم الولاياتالمتحدة لسياسات إسرائيل المنافية لقواعد القانون الدولى سيدمر حل الدولتين المجمع عليه دولياً ويشجع أكثر على سياسة «الأبارتهايد» التى تمارسها سلطات الاحتلال على الأرض.