إن سمعت فذلك مما يسر القلب...وإن رأيت قد وقعت فى أسر القبة الفضية.. وإن زرت فأنت فى قلب النفحات وعلى أعتاب النور.. تقف قدماك هناك.. وما أدراك ما هناك.. مملكة المحبين ومحراب العاشقين، محاسيب المقام الزينبى، وزوار الديوان، من اجتباهم الله ليقفوا على باب حبها، حبيبة جدها وقرة عين أبيها. اقترب أيها الزائر وانهل من أضواء القرب، وتشمم رائحة الطيب المحمدى، والزم الأدب وسمت بيت الطالبيين، فأنت الآن فى حضرة عقيلة بنى هاشم، السيدة زينب. فى حى له طبيعة خاصة لبيوته وساكنيه ومتاجره بل وأرصفته، يقع ضريح السيدة زينب بنت الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه وبنت السيدة فاطمة الزهراء وأخواها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ...فهل هناك أشرف من هذا النسب الوضاء، والجناب الطاهر؟!
يقع مسجدها ذو القبة الفضية على مساحة 7800 متر مربع بعد أن كانت 4500 متر مربع قبل آخر زيادة عام 1964. ويزوره كل يوم من مطلع الفجر حتى الساعة الثانية عشرة آلاف المحبين، والمكلومين والمحرومين لتشملهم (أم هاشم) بعطفها وحنانها فتطيب الجراح، وترفع الآلام بأمر الله.
بناء الضريح
أول تأريخ لهذا الضريح يبدأ من العصر العثمانى حيث بنى الضريح الوالى العثمانى على باشا الوزير سنة 951 هج / 1547 م، وجدده الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1174 ه / 1761 م. ثم جدده سعيد باشا عام 1275 ه / 1859 م .
ولكن البناء الحالى بنى فى عهد الخديوى توفيق وانتهى عام 1305 ه / 1888م
وتشرفت مصر بوطأة قدمها الشريفة، عام 61 ه، بعد مقتل أخيها الحسين فى موقعة كربلاء، ومكثت بها عام واحد، ثم وافتها المنية ودفنت بمصر على أرجح الأقوال.
ميلادها الأغر
خرج النور الزينبى من الرحم الفاطمى الطاهر سنة 6 هجرية، ويكبرها الحسن والحسين، ويصغرها أختها أم كلثوم. وبعد ولادتها الغراء منحها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم ابنته الكبرى زينب، التى كانت قد توفيت قبل مولدها بقليل. ولأنها من بضعة رسول الله، فلم تكن زيجتها من شخص عادى، فقد تزوجت من ابن عمها عبد الله بن جعفر (الطيار) بن أبى طالب، وأنجبت أربعة بنين هم: محمد وعون وعليٌ وعباس، وبنتين هما: أم كلثوم وأم عبد الله.
توفى الرسول صلى الله عليه وسلم وهى فى الخامسة من عمرها، ثم لحقت به أمها فاطمة بعد وفاته بستة أشهر.
مِحَن وآلام
عاصرت السيدة زينب حوادث كبيرة، وخطوب جلل، عصفت بالخلافة الراشدة بعد مقتل أبيها كرم الله وجهه عام 40 ه، بطعنة عبد الرحمن بن ملجم (أحد الخوارج). وبعد وفاة أخيها الحسن بن على، وإصرار يزيد بن معاوية على أخذ البيعة من الحسين، خرج الحسين وأهله ومنهم أخته زينب من المدينة سراً متجهين إلى الكوفة بعد أن وصلتهم رسائل أهل الكوفة تدعوهم إلى القدوم وتتعهد بنصرتهم ضد الأمويين.
شهدت السيدة زينب كربلاء عام 61 ه، وشهدت استشهاد أخيها الإمام الحسين وابنها عون فى المعركة ومعه ثلاثة وسبعون من عترة آل البيت والصحابة وأبناء الصحابة.
وفى مشهد مأساوى حزين سيقت سيدتنا الجليلة ومعها سكينة وفاطمة بنتا الإمام الحسين وبقية نساء آل البيت إلى حاكم الكوفة الأموى عبيد الله بن زياد، وقد وضعوا رأس الأمام الحسين فى مقدمة الركب.
هكذا دخلت السيدة زينب الكوفة فى ركب السبايا والأسيرات، وقد وقفت الجموع محتشدة تشهد هذا الركب الرهيب، آل البيت الأطهار سبايا على رؤوس الأشهاد!!
عندئذ نظرت إليهم السيدة زينب وألقت عليهم عبارات خالدة سجلها التاريخ حيث قالت : " أما بعد يا أهل الكوفة، أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة! إنما مثلكم مثل التى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا ساء ما تزرون".
موكب الشوق فى مصر
سألها الخليفة يزيد بن معاوية عن المكان الذى تفضله لإقامتها فاختارت المدينةالمنورة، ولكن وجودها فى المدينة أجج نيران الثورة ضد الخلافة الأموية، فأمرها والى المدينة بالرحيل عنها، فاختارت مصر لتقيم فيها.
وصلت السيدة زينب بنت على إلى مصر فى شعبان عام 61 ه، وخرج لاستقبالها جموع المسلمين فى مواكب البهجة والسرور، وعلى رأسهم والى مصر الأموى مسلمة بن مخلد الأنصاري.
وأقامت السيدة زينب فى بيت الوالى حتى وافتها المنية بعد عام واحد من قدومها إلى مصر يوم 14 رجب 62 ه، ودفنت فى بيت الوالي، الذى تحول إلى ضريح لها.
رئيسة الديوان
لعله من أهم ألقابها التى لقبها به المصريون الذين يتميزون بحب آل البيت الأطهار، فهذا اللقب سموه بها، لأن الوالى ورجاله كانوا يعقدون جلساتهم بدارها، وتحت رئاستها، وينظرون فى حضرتها أحوال الرعية، ويقضون حاجات المساكين .
ومن ألقابها أيضا (أم العجائز) حين كانت دارها مأوى لكل ضعيف ومريض ومحتاج فيلجأ لها ليجد الطعام والعلاج والمأوى والراحة والدعوات المباركات.
فيوضات النبى
بقيت سيدتنا زينب الكبرى تعيش فى فيض من الأنوار المحمدية، وقد رزقها الله إدراكاً واعياً وفهماً تاماً لكل ما كان يدور حولها فأكتسبت كثيراً من الحقائق الإيمانية، فلما لقى سيدنا رسول الله ربه أوت سيدتنا زينب الكبرى إلى أحضان أمها وكانت تقتدى بها فى كل شيئ فكانت تصلى بصلاتها وتتهجد بتهجدها وتناجى الله مثلها. وعندما شارفت سيدتنا فاطمة الزهراء لملاقاة ربها، وكان ذلك بعد وفاة أبيها بستة أشهر، أوصت ابنتها زينب بأن تفطن إلى ما هى مقبلة عليه من أمور عظام، فستكون بعد اليوم بمثابة الأم لأخويها الإمام الحسن والإمام الحسين ولأختها الصغرى أم كلثوم.