الكتابة عن محمد صلاح عسيرة جدا، ربما تفوق فى عسرها ما يبذله هو نفسه من جهد فى كل مباراة يشارك فيها، ليضيف لنفسه رصيدا جديدا فى بنك التألق. مصدر العسر أنه من الصعب على أى كاتب مهما كانت براعته أن يجد منفذا صغيرا عن الفرعون المصرى يمكن أن يكتب عنه دون أن يكون قد قتل كتابة وقولا، ولم لا وصلاح أصبح فى الشهور الأخيرة مثل نبات "القات" بالنسبة للمصريين الذى يمضغون إنجازاته فى أفواههم لينسيهم الكثير من مرارات الحياة.
لكن لحسن الحظ أننى وجدت فى كلمات زميله فى ليفربول الدولى الإنجليزى أوكسيليد تشامبرلين، التى صرح بها للموقع الرسمى للنادى قبل أيام، نقطة ضوء فى نفق الكتابة المزدحم عن صلاح، فماذا قال تشامبرلين، صاحب التجربة الطويلة فى الدورى الإنجليزى الأصعب فى العالم؟
يقول لاعب الوسط المنتقل من أرسنال فى الانتقالات الصيفية الأخيرة "يمكننى الحصول على الكثير من شخص مثل محمد صلاح، فقط أنظر له هذا الموسم فهو لاعب عظيم، حينما يتنافس أحد مع أجويرو وهارى كين على صدارة هدافى الدورى يجب عليك أن تتعلم منه".
مع كل مشاعر الفخر التى يمكن لأى مصرى أن يشعر بها، وهو يقرأ كلمات تشامبرلين إلا أنه فى الواقع لم يقل سوى جزء من الحقيقة، لأن صلاح بالأرقام والإحصائيات التى لا تكذب، أفضل من أجويرو وكين، بل إنه بلا مبالغة يمكن أن يكون ثانى أفضل لاعب فى أوروبا حتى الآن بعد ميسي. الأرقام تقول إن صلاح سجل 24 هدفا مثل كين مهاجم توتنهام، الذى يعتبره الإنجليز درة تاج منتخب الأسود الثلاثة، وأكثر بثلاثة أهداف من أجويرو الذى يلعب موسمه السابع فى الدورى الإنجليزي، لكن أقل واحد من الثلاثة سجل أهدافا من ضربات الجزاء، حيث سجل ضربة واحدة مقابل 2 لكين و4 لأجويرو.
الأهم من ذلك، أن صلاح يغزل نجاحه بأظافره تقريبا، وهذا ما يمكن الإقرار به من نظرة واحدة على قائمة أفضل صناع اللعب من أصحاب التمريرات الحاسمة أو "الأسيست" كما يوصفون فى بلاد الفرنجة، لنجد مثلا أن أجويرو وراءه كتيبة يمكنها أن تجعل أى لاعب هداف العالم وليس إنجلترا فقط، فنجد دى بروين الذى يتصدر القائمة بمعدل 14 أسيست وخلفه مباشرة ليروى سانى بمعدل 11 أسيست، ثم ديفيد سيلفا رابعا برصيد 9 أسيست. أما كين، فخلفه فريق كامل يصنع كل شيء من أجل تمهيد الطريق أمامه ليسجل، يتقدمهم ديلى آلى صاحب ال 8 أسيسات، وأريكسون صاحب ال7 تمريرات حاسمة.
عندما نأتى لليفربول سنجد أن صلاح نفسه وليس أى لاعب آخر يتصدر قائمة فريقه فى التمريرات الحاسمة برصيد 7 أسيسات، ما يعنى أن الفرعون يسجل ويصنع لزملائه فى معادلة غريبة على المهاجمين لا يتفوق عليه فيها على مستوى الدوريات الخمسة الكبرى فى أوروبا سوى ميسى وما أدراك ما ميسي..! الذى سجل 24 هدفا وصنع 12 تمريرة حاسمة.
ناهيك بالطبع عن حقيقة فنية مهمة جدا، أن صلاح ليس مهاجما صريحا مثل منافسيه، وإنما جناح مزور بحسب التعبير الكروى، وهو يعنى أن اللاعب على الورق يبدأ جناحا لكنه يتحرك فى عمق الهجوم, أو يعود للخلف لصناعة اللعب مثل ميسى فى برشلونة وكوتينيو فى ليفربول ثم برشلونة ورونالدو فى ريال مدريد، مع فارق مهم أن بنزيمة فى الريال طوّع أداءه للتخديم على رونالدو وإفساح منطقة الجزاء له ليقترب من مرمى المنافسين، وكذلك يفعل سواريز أحيانا، بينما صلاح يتصارع مع مهاجمين متوحشين تهديفيا، هما فيرمينيو ومانى ما يقلل كثيرا من الفرص السهلة التى يتيحونها له للتسجيل، وهذا ما يتضح بسهولة عند النظر لمعظم أهداف صلاح مع ليفربول هذا الموسم، التى تأتى غالبا من جهد فردى أو متابعة جيدة لكرات مرتدة من دفاع المنافس أو حارس مرماه.
خلاصة القول: إن صلاح - فعليا وبعيدا عن مشاعر المصريين المتدفقة تجاهه - أصبح واحدا من أهم المهاجمين فى أوروبا للدرجة التى تجعل رونالدو يطالب الريال بالتعاقد معه، وهو أمر لا أتمنى أن يتم ليس لأن صلاح لا يستحق –لا قدر الله- ولكن لأننى فى هذه الحالة سأكون مضطرا للتخلى عن تشجيع برشلونة والتحول نحو ريال مدريد.