بارزانى كان يستقبل فى قصر الإليزيه كرئيس دولة اتخذت فرنسا طريقا مشابها لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية وروسيا، وذلك عندما وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إعلان استقلال إقليم كردستان بأنه قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، داعيا بغداد إلى منح الإقليم حكما ذاتيا أوسع وإلي إدماج (إقليم) كردستان في عملية المصالحة وحصوله على أكبر قدر من الحكم الذاتي، داعيا كذلك إلي حماية وحدة العراق وسلامة أراضيه وتجنب أي أنشطة من شأنها أن تزيد التوتر في المنطقة باعتبار أن الاستقلال سيؤدي إلى نشوب أزمات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، في وقت يواجه فيه داعش هزائم بالعراق.
المثير.. أنه وفى نفس الوقت الذي تم فيه الإعلان عن كل ذلك، أفاد ممثل حكومة إقليم كردستان لدى فرنسا، أن موقف باريس حيال استفتاء الاستقلال بإقليم كردستان يبعث على الارتياح، لافتا النظر إلى أن باريس لم تعبر عن معارضتها للاستفتاء ولم تتطرق للموضوع. لافتا النظر إلى أن هذا الموقف من الناحية الدبلوماسية يبعث على الارتياح.
ولعل هذا التذبذب في الرأي يقودنا إلى إلقاء نظرة على الماضي نسلط بها الضوء على العلاقات القوية جدا التي تربط فرنسا بإقليم كردستان، حيث سبق وأن زار الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إقليم كردستان بعد بدء عدوان داعش على الإقليم كتعبير عن دعم بلاده لهذا الإقليم وقبيل وصوله إلي أربيل عاصمة الإقليم تم توجيه الشكر له من قبل الأكراد هو وكل الفرنسيين على مواقفهم الإيجابية تجاه ثورة السوريين على نظام البعث وكذلك تم شكرهم على ما قدموه لللاجئين السوريين بوجهٍ عام والأكراد بشكل خاص بل وشكروا فرنسا واحتفوا بها على دورها التنويري وهو ما رد عليه هولاند بإشادته بجهود ودور البيشمركة واصفا إياهم بأنه لم يكن بالإمكان مواجهة تنظيم داعش من دون بسالة قوات البيشمركة على حد تعبيره وقد تلا ذلك زيارة لإقليم كردستان قام بها وفد فرنسي رفيع المستوى ضم كلاً من وزيري الخارجية والدفاع، حيث اجتمعا برئيس الإقليم مسعود بارزاني وقد شجع كل ذلك وزير الخارجية الفرنسي للتأكيد على مساندة فرنسا لكردستان في وقت الحرب تماما كما في وقت السلم.
ولعل القاء المزيد من الضوء على الماضي تكشف لنا عن الكثير من المواقف البارزة للحكومة الفرنسية تجاه القضية الكردية ما جعل الزعيم الكردستاني مسعود بارزاني يذكرها إبان المراسم التي أقامتها القنصلية الفرنسية في أربيل إحياءً لذكرى الثورة الفرنسية والذي قال فيها إنه في عام 1967 أبرمت الحكومة العراقية اتفاقا مع الحكومة الفرنسية لبيعها سربين من الطائرات الحربية من نوع الميراج ووقتها كان الجنرال ديجول موجودا وكان شخصية سياسية فرنسية عالمية مؤثرة، فأرسل له ملا مصطفى البارزاني رسالة يقول فيها إنه يعلم جيدا أن لفرنسا مصالح في العراق ولكن في نفس الوقت يجب أن يعلم أن هذه الطائرات هي من أجل قتل نساء وأطفال الأكراد وإحراق القرى الكردستانية، فقام الجنرال ديجول آنذاك فورا بإلغاء العقد مع الحكومة العراقية.
أما السيدة دانيال ميتران التي كانت بحق من أعز صديقات الشعب الكردي في أوروبا والتي أطلق عليها الأكراد لقب (أم الأكراد) نظرا لتعاطفها مع القضية الكردية هي التي وضعت لبنة العلاقة بين الفرنسيين خصوصا الاشتراكيين وبين أكراد جنوب كردستان والتي باتت تاريخية فيما بعد، خصوصا بعد هجرة الأكراد المليونية عام 1991 كما كان لزوجها فرانسوا ميتران دور بارز في إصدار قرار المنطقة الآمنة في كردستان العراق عام 1992، حيث طلب وقتها من بارزاني إبلاغ الشعب الكردي بأن لديهم صديقاً فرنسياً وهو فرانسوا ميتران وأنه مادام في الحكم فانه سيدعمهم وحتى إن رحل فسوف يدعمهم الشعب الفرنسي.
وإلى ذلك يكفي استقبال رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني عدة مرات في قصر الإليزيه كاستقبال رؤساء الدول ما ترك لدى الأكراد أثرا طيباً وكذلك الأمر عند استقبال الرئيس الفرنسي لممثلين عن قوات البشمركة ووحدات حماية الشعب لشكرهم كمقاتلين أكراد ضد الإرهاب والذي كان له أيضا وقع إيجابي لدى الفرنسيين من أصول كردية، وبالتالي ظهرت بعض علامات الرضى تجاه الحكومة الفرنسية فيما يخص الملف الكردي وهو ما جعل الفرنسيين من أصول كردية يصوتون لصالح فرانسوا ماكرون في الانتخابات الرئاسية التي جاءت به إلي قصر الإليزية فالجيل الجديد من الفرنسيين من أصول كردية والذي نشأ وترعرع في فرنسا أصبح ينظر إلى ما يمكن أن يقدمه صوته الانتخابي لقضية الأكراد.
وهنا نأتى إلى استحالة تجاهل اتفاقية «سايكس بيكو» ذلك الاتفاق التاريخي المشؤوم خصوصا مع دور فرنسا البارز والقوي فيه لتقسيم جغرافية كردستان في ظل جهل النخبة الكردية السياسية وقتها.