المسلمون الأمريكان يؤمنون بالحلم الأمريكى.. ومع ذلك يتعرضون للارتياب جدل فى المجتمع الأمريكى حول أموال دعم التطرف الإسلامى
الصورة السلبية عن الإسلام ازدادت مع وصول ترامب لمقعد الرئاسة
مع حلول الذكرى السادسة عشرة لأحداث سبتمبر 2011 التى شهدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأثرت كثيرا على مجريات السياسة وخريطة التحالفات العالمية، نشر مركز «بيو» الأمريكى للأبحاث، فى 26 يوليو الماضي، دراسة تناولت أوضاع الأمريكيين المسلمين فى الولاياتالمتحدة، استهل فريق الباحثين المشارك الدراسة بالقول إن الأيام الأولى لرئاسة دونالد ترامب مثلت "وقت قلق" للعديد من المسلمين، ووفقا لمسح أجراه المركز، فإن المسلمين فى الولاياتالمتحدة بشكل عام، يرون أن هناك الكثير من التمييز ضدهم كمجموعة دينية، وأن أقرانهم الأمريكيين لا يرون الإسلام جزءا من المجتمع الأمريكى.
فى بداية الاستطلاع أجاب 75% من المستطلعة آراؤهم من المسلمين الأمريكيين أنهم يتعرضون لتفرقة عنصرية، فيما أجاب 23% فقط بأنهم لا يتعرضون لمثل هذه التفرقة، وقال نحو 68% إن دونالد ترمب يشعرهم بالقلق، وقال نحو 62% إن باقى الأمريكيين لا يعتقدون أن الإسلام مكون أساسى من روافد المجتمع الأمريكي. فيما قال 50% إن كونهم مسلمون تسبب فى ازدياد صعوبة وضعهم، وقال 44% إن الوضع لم يتغير كثيرا.
وتشى النسب السابقة بأن غالبية المسلمين الأمريكيين يرون أنهم يعانون فى المجتمع الأمريكي، وأن أوضاعهم قد ازدادت سوءا فى الأيام الأخيرة، خصوصا مع تولى الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترمب. وليس خافيا أن جانبا لا باس به من شعارات الحملة الانتخابية لترمب كانت مثار قلق للمسلمين فى الداخل الأمريكي، وخارج الحدود. وكشفت الدراسة عن أن ما يقرب من ثلثى الأمريكيين المسلمين غير راضين عن طريقة إدارة الأمور فى الولاياتالمتحدة اليوم. وأن ثلاثة أرباع المستطلعة آراؤهم، يرون أن دونالد ترامب لا ينظر "بود" تجاه المسلمين فى أمريكا.
بينما يقول المسلمون إنهم يواجهون العديد من التحديات والعقبات فى الولاياتالمتحدة، وهو أمر ليس جديدا، إذ تحوم نسبة المسلمين فى الولاياتالمتحدة، الذين يقولون إنه من الصعب أن تكون مسلما فى أمريكا حول 50٪ على مدى السنوات ال 10 الماضية.
دعم التطرف
وعلى الرغم من أن القلق إزاء التطرف قد ارتفع فى أوساط المسلمين الأمريكيين، فإن هناك تغيرا طفيفا فى التصورات حول كم دعم التطرف بين المسلمين فى الولاياتالمتحدة. فما يقرب من ثلاثة أرباع المسلمين فى الولاياتالمتحدة - نحو 73٪- يقولون إن هناك القليل أو لا يوجد أصلا دعم للتطرف بين المسلمين الأمريكيين، فى حين يقول واحد من كل ستة أن هناك إما "مبالغ معقولة" (11٪) أو "كبيرة" (6٪) يتم توجيهها لدعم التطرف داخل المجتمع الإسلامى الأمريكي. والدعم فى هذه الحالة وكما هو واضح من مفردات الدراسة دعم مالي، وهو الأسلوب الأكثر انتشارا لإبداء الدعم والتأييد فى المجتمع الأمريكى بشكل عام
والجمهور الأمريكى بشكل عام أكثر انقساما حول هذه المسألة. ففى حين يقول 54٪ من البالغين فى الولاياتالمتحدة إن هناك دعما قليلا أو معدوما للتطرف بين الأمريكيين المسلمين، فإن ما يقرب من الثلث (35٪) يقولون إن هناك "دعما معقولا" لتأييد التطرف بين المسلمين فى الولاياتالمتحدة، بما فى ذلك 11٪ الذين يعتقدون أن هناك "قدرا كبيرا" من الدعم للتطرف. ولم تكشف الدراسة ما إذا كان "دعم التطرف" يتم بشكل فردي، أو من خلال انتماءات لجمعيات أو تنظيمات مختلفة.
أثناء إجراء الدراسة طلب من المسلمين الأمريكيين المستطلعة آراؤهم أن يقولوا ما إذا كانوا قد شهدوا أنماطا محددة من التمييز ضدهم فى الماضي، سواء بشكل شخصي، أو بالنسبة لدائرة معارفهم، وتم رصد ارتفاع نسبة المسلمين فى الولاياتالمتحدة الذين يقولون إنهم واجهوا على الأقل نمطا واحدا من أنماط التمييز ضدهم، وعلى سبيل المثال قال نحو ثلث المسلمين الأمريكيين إنهم تعرضوا للارتياب، أو كانوا محل شك، فقط بسبب انتمائهم الدينى خلال ال12 شهرا الماضية، فيما قال واحد تقريبا من كل خمسة، إنهم تم اختيارهم للفحص العشوائى من قبل أمن المطارات، وقال 10% إنهم تعرضوا لاستهداف رجال الشرطة، فيما قال 6% إنهم تعرضوا لاعتداءات جسدية، أو كانوا هدفا للهجوم.
وإجمالا، يقول ما يقرب من نصف المسلمين (48٪) أنهم عانوا من واحد على الأقل من أنماط التمييز ضدهم، فيما كانت النسبة عام 2007 (40٪). ويقول ما يقرب من واحد من كل خمسة مسلمين أمريكيين (18٪) أنهم شاهدوا كتابات معادية للمسلمين فى مجتمعاتهم المحلية خلال الأشهر ال 12 الماضية.
وبشكل عام يعد الاتهام بالتطرف أو دعم الإرهاب، هو الاتهام الأكثر شيوعا الذى يواجهه المسلمون فى الولاياتالمتحدة، سواء فى ذلك الأمريكيون الذين اعتنقوا الإسلام، أو أؤلئك المنحدرين من أصول إسلامية، وتشى النسب التى عرضتها الدراسة بأنه، رغم جهود عديد مؤسسات المجتمع المدنى الأمريكى التى سعت لتغيير الصورة النمطية السلبية التى وسم بها الغالبية العظمى من المسلمين، وتزايدت بشكل كبير بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر؛ فإنه مع وصول اليمين الأمريكى ممثلا فى ترمب إلى كرسى الرئاسة، وسيطرة الجمهوريين على الكونجرس، فإن هذه الصورة ازدادت انتشارا، وازدادت الحوادث التى تستهدف المسلمين فى الولاياتالمتحدة خطورة كما وكيفا.
الهوية والاستيعاب
تتنوع انتماءات وولاءات المسلمين الأمريكيين بشكل عام، ففيما نجد أن 55٪ من المسلمين فى الولاياتالمتحدة هم من السنة، ونحو 16٪ من الشيعة، فيما لا يفصح 14٪ عن انتماء طائفى محدد. ولم تشر الدراسة بوضوح ما إذا كان الانتماء الطائفى ينعكس على اندماج المسلمين فى المجتمع الأمريكي، أو يؤثر فى مستوى تعرضهم للتمييز ضدهم. وترى الغالبية العظمى من المسلمين الأمريكيين أنهم فخورون بكونهم أمريكيين (92٪)، فى حين يقول الجميع تقريبا إنهم فخورون بكونهم مسلمين (97٪). بينما يقول (89٪) إنهم فخورون بأن يكونوا مسلمين وأمريكيين فى نفس الوقت.
ويشعر 40٪ من المسلمين فى أمريكا أن هناك شيئا مميزا فى مظهرهم أو صوتهم أو ملابسهم يربطه الناس بالإسلام. ويشمل هذا معظم النساء اللواتى يرتدين الحجاب، على الرغم من أن 25٪ من المسلمات الأمريكيات لا يرتدين الحجاب بانتظام.
ويقول 75٪ من الأمريكيين المسلمين إنهم يشعرون بالانتماء إلى الأمة أو المجتمع الإسلامي، و80٪ يقولون إنهم يشعرون بارتباط قوى بالمجتمعات الإسلامية فى الولاياتالمتحدة - على الرغم من أن مقابلات المتابعة تسلط الضوء على الغموض من هذه المفاهيم، حتى بالنسبة للمسلمين الذين يقولون هذا. أظهرت الدراسة أن 60% من الأمريكيين المسلمين يرون أن لديهم "الكثير" من القواسم المشتركة مع باقى الأمريكيين، فيما يرى 28% إن لديهم "بعض" القواسم المشتركة، ونحو 8% يقولون إن لديهم قليلا من القواسم المشتركة مع الأمريكيين غير المسلمين، ويرى 3% فقط أنه لا توجد لديهم قواسم مشتركة مع الأمريكيين غير المسلمين.
كما هو الحال فى السنوات الماضية، معظم المسلمين المتزوجين فى الولاياتالمتحدة لديهم زوج مسلم أيضا (87٪). و9% فقط لديهم زوج مسيحي، و1% متزوجون من شخص ليس له انتماء ديني، و 3% لم يفصحوا عن الهوية الدينية لشريك حياتهم، وهذه الأرقام لم تتغير كثيرا منذ عام 2011. ولم يوضح ملخص الدراسة فروق النوع فى حالات الزواج، أو ما إذا كان الطرف غير المسلم فى العلاقة ذكرا أو أنثى.
وينسجم هذا مع ما تؤكده الدراسات الاستقصائية، من أن لدى الجماعات الدينية الأخرى ميلا إلى الزواج من نفس الديانة. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أخرى لمركز "بيو" أجريت عام 2014 أن 90٪ من المسيحيين متزوجون من مسيحيين، ووجدت دراسة أخرى أجراها المركز ذاته فى عام 2013 أن 64٪ من اليهود الأمريكيين متزوجون من زوج يهودي. وبشكل عام تؤكد الدراسة أن المسلمين الأمريكيين يتعرضون لتمييز متزايد، خصوصا بعد وصول ترامب إلى سدة الرئاسة، وأنه برغم سعى النسبة الأكبر منهم إلى الاندماج فى المجتمع الأمريكي؛ فإن الصورة النمطية التى تربط المسلمين بالإرهاب أو التطرف ما زالت واسعة الانتشار، وبرغم أن الملخص الإجمالى للدراسة بلغ نحو 200 صفحة إلا أنها لم تجب على أسئلة بالغة الأهمية فى نظر مراقبين، منها على سبيل المثال: دور الهيئات والمنظمات "الإسلامية" فى دعم الأمريكيين المسلمين، وقضاياهم، ورؤية المسلمين الأمريكيين وتقييمهم لهذا الدور، ما إذا كان هناك تأثير للانتماء الطائفى لمسلمى أمريكا على اندماجهم فى المجتمع، وما هو دور التنظيمات الإسلامية، خصوصا تلك الموجودة بشكل أساسى فى دول إسلامية، وتعتمد بشكل كبير على تمويل منتسبيها فى الخارج، ورغم ذلك تبقى الدراسة كاشفة وهامة، وإن كنا نعتقد أن القضية تحتاج المزيد من الدراسات الموضوعية.