وقد عرفنا كيف كان المصريون القدماء يقومون بصناعة "الكعك"، حيث وجدنا ذلك فى شكل صور واضحة فى كل من مقابر "طيبة" و"منف" فى مقبرة الوزير "رخمى رع" الذى كان ينتمى إلى الأسرة الثامنة عشرة من عصر الدولة الحديثة، فقد رأينا كيف كان يتم خلط عسل النحل، ثم بعد ذلك يتم تقليبه على النار لكى تتم إضافته على الدقيق ويتم تقليبه مرة ثانية حتى يتحول لعجينة يتم تشكيلها بسهولة، وبعد ذلك يتم رص الكعك على ألواح من "الإردواز" يتم وضعها بعد ذلك داخل الفرن، كما أنه كانت هناك أنواع يتم قليها فى السمن أو الزيت، لكى يتم عمل أشكال أخرى مثل الحيوانات وأوراق الشجر والزهور، كما كان يتم حشو "الكعك" ب "العجوة" أو "التين" ثم يتم زخرفته بالفواكه المجففة ك "النبق"و"الزبيب". عيد الفطر أول أعياد المسلمين والذي يحتفل فيه المسلمون في أول يوم من أيام شهر شوال، الذي يأتي بعد صيام شهر رمضان، ولكن هل هناك عيد بدون كعك؟!
كعك العيد كما يطلق عليه في مصر والسودان أو "المعمول" في دول الخليج وبلاد الشام هو أحد مظاهر الاحتفال الأساسية لدى الجميع على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية سواء يصنعونه بأيديهم أو يشترونه جاهزاً، واعتاد المصريون بشكل خاص على بدء الإعداد له منذ بدء العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان، بحيث تصبح تشتم رائحته الذكية في كل شوارع المحروسة وتراه فوق رؤوس النسوة والفتيات في المناطق الشعبية ذاهباً للمخبز أو عائداً منه.
ويصاحب الكعك العديد من الحلويات والمخبوزات الأخرى كالبسكويت والبيتي فور والغريبة في مصر والسودان بشكل أساسي، بينما في السعودية تتصدر الكليجة والمعمول الاحتفالات، أما فلسطين فتنتشر بها الحلويات الشعبية مثل المعمول، وحلي سنونك، واليحميك، ومن بين أشهر الحلويات المغربية التي تقدم في العيد: الحلويات المصنوعة بالتمر، حلويات "كعب الغزال"، حلويات "الزليجة" وحلويات "المحنشة".
فيما تعتبر البقلاوة هي عروس الحلويات المصنوعة في عيد الفطر في الجزائر يرافقها عدد من الحلويات التقليدية مثل المقروط، الصامصة، الشباكية، الغريبية، صبيعات العروسة، القنيدلات وغيرها، إلى جانب "التْشَاراك" وهو عجين محشو بالتمر أو المكسرات ومطلي باللون الأبيض الناصع.
ويعود أصل الاحتفال بصناعة الكعك إلى المصريين القدماء، وكان ذلك منذ نحو خمسة آلاف عام فقد اعتادت زوجات الملوك فى مصر القديمة تقديم "الكعك" للكهنة القائمين على حراسة هرم خوفو، ويكون ذلك وقت تعامد الشمس على حجرة الملك "خوفو"، وقد اعتاد المصريون القدماء على تقديم "الكعك" على شكل قرص الشمس، وكان وقتها يتم صناعة "الكعك" من الدقيق والسمن وعسل النحل. وقد تم العثور على أقراص "الكعك" محتفظة بأشكالها ومعها قطع من الجبن الأبيض وزجاجة عسل النحل، وقد وصلت صناعة "الكعك" إلى مراحل متقدمة من درجة الإتقان فى عهد المصريين القدماء حيث تنوعت أشكاله منها اللولبي والمخروطي والمستطيل والمستدير وأيضاً على شكل بعض الحيوانات وأوراق الشجر والزهور، وقد وصلت أشكال صناعته وقتها إلى مائة شكل ذات أشكال متنوعة.
أما عن صناعة "الكعك" فنجد أنها من أقدم العادات التى عرفتها المرأة المصرية وكان الهدف من نشأتها هو الاحتفال بأفراح القدماء المصريين، وكانت صناعة "الكعك" لا تختلف كثيراً عن عصرنا الحالى لكنها تطورت بمرور الوقت، فمع التطور الذى مرت به الدولة المصرية نجد أن صناعة "الكعك" من الموروثات الأساسية لدى المرأة المصرية، حيث إننا نجد الفتيات الصغيرات يقمن بمشاركة أمُهاتهن فى صناعة "الكعك".
واعتقد الكثيرون أن "كعك العيد" فى العصور الإسلامية بدأ فى مصر مع بداية العصر الفاطمي ولكن الحقيقة التاريخية، تؤكد أنه بدأ قبل ذلك بكثير، حيث إنه بدأ فى عهد الدولة الطولونية "868-905م" وكانوا يصنعونه في قوالب خاصة مكتوب عليها عبارة "كل هنيئاً واشكر" وكذلك عبارة "كل واشكر مولاك"، وقد احتل مكانة مهمة فى عصرهم، وقد حفظ لنا متحف الفن الإسلامي بالقاهرة العديد من هذه القوالب التى كتبت عليها هذه العبارات، بل وأصبح من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، أما فى عهد الدولة الإخشيدية "935-969م" فكان "أبو بكر محمد بن على المادرانى" وزير الدولة الإخشيدية يصنع كعكاً فى أحد أعياد الفطر وحشاه بالدنانير الذهبية وأطلقوا عليه اسم كعكة "أنطونلة".
أما فى الدولة الفاطمية "969-1171م" فكان الخليفة الفاطمى يخصص مبلغ ما يقرب من 20 ألف دينار لعمل "كعك" عيد الفطر حيث كانت المصانع تتفرغ لصناعته بداية من منتصف شهر رجب إلى رمضان وتملأ مخازن السلطان به وكان يتم إعداد "كعك العيد" فى دار أطلق عليها اسم "دار الفطر"، واعتبرت كأول دار لصناعة "الكعك" وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه، كما كان يتم أيضاً إعداد "سماط العيد" أي الولائم التى سيأتى إليها كبار رجال الدولة وكانت ترصد له ميزانيات ضخمة.
أما فى عهد الدولة الأيوبية "1171-1250م" فقد اختلف الأمر كثيراً فقد حاول صلاح الدين الأيوبى جاهداً القضاء على كل العادات الفاطمية ولكنه فشل فى القضاء على عادة "كعك العيد" وباقى عادات الطعام التي ما زالت موجودة إلى اليوم، وقد استمرت صناعة الكعك فى العصر العثمانى "1261-1517م"، وقد اهتم سلاطين العثمانيين بتوزيع الكعك فى العيد على المتصوفين والتكيات والخانقات المخصصة للطلاب والفقراء ورجال الدين، وظل التراث العربي معبراً عن حاله حتى يومنا هذا خصوصا بمصر وبلاد الشام بحكم الارتباط الجغرافي والتاريخى.