وفاء فراج - لكل منا حكاياته وذكرياته التى لا ينساها، خصوصا ما يتعلق منها بشهر رمضان، ولكن بالنسبة لمن عاشوا انتصار العاشر من رمضان الكريم وشاركوا فى ملحمة العبور وهم صائمون فى هذا الشهر، فلا شك ستكون لديهم ذكريات مختلفة تمتزج فيها كل ألوان الطيف، وفى ذكرى هذا اليوم اقتربنا منهم وفتحنا معهم صندوق ذكرياتهم بعد مرور 39 عاما على تلك اللحظات غير العادية. الفنان التشكيلى أحمد نوار، والمعروف بقناص الحرب أو "نوار عين الصقر" يتذكر السنين التى عاشها على الجبهة بسلاح القناصة، منذ نكسة 67 مرورا بحرب الاستنزاف و حتى 73 عام النصر والعبور وتتويج مجهود مئات الآلاف من الجنود بالنصر والعزة .. مشيرا إلى الخمسة عشر جندىا إسرائيليا الذين قام باقتناصهم طوال فترة وجوده على الجبهة، كان لكل واحد منهم قصة مختلفة، فإنه يتوقف طويلا أمام الخمسة جنيهات التى كان يعطيها له اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى، مقابل كل جندى إسرائيلى يتم قنصه، معتبرا شهر رمضان من أفضل الأوقات له على الجبهة فى اصطياد جنود العدو خصوصا ساعة آذان المغرب حيث قتل ثلاثة جنود فى ذلك الوقت واصفا الأجواء الدينية فى ذلك الشهر بأحد أسرار الحرب المقدسة. ويتذكر نوار الحرب بمشاعر مختلطة الأولى كمحارب شارك فى الحرب وضحى من أجل التراب والثانية كمواطن وفنان تشكيلى مصرى تطلع إلى النصر واسترجاع الأرض، ويتساءل أين ذهبت روح الحرب المجيدة مما يحدث الآن من فساد وفوضى وتدنى فى المستوى الأخلاقى والاجتماعى وأين هذه الروح فى التنمية الشاملة للبلاد .. مؤكدا أنه خلال فترة الحرب لم ترصد الداخلية عملية سرقة واحدة وكان الجميع على قلب رجل واحد وليس كما يحدث الآن بعد ثورة 25 يناير المجيدة من انتهازية أسس لها المخلوع طوال ثلاثين عاما وتفضيل المصلحة الخاصة عن المصلحة العامة، مؤكدا أنه فى أوج أوقات الحرب كان الجميع يؤدى دوره، ولم تخرج أبدا أى مطالبات أو احتجاجات بسبب المرتبات أو الظروف الاقتصادية، كما يحدث الآن وكل الاحتجاجات التى خرجت كانت لسبب واحد وهو الحرب واسترجاع أرض سيناء. عزام وهزاع ومن جانبه يقول اللواء مختار الفار، أحد مؤسسى سلاح الصاعقة : كلفنى الرئيس السادات، بمهمة إنشاء مجموعة سميت ب" إعداد وتجهيز مسرح العمليات "والتى أطلق عليها بعد ذلك فرقة " مقاومة الإرهاب " او " 777 " ، ومهمتها مراقبة العدو الإسرائيلى فى المواجهة، وعن طريق زرع أناس ذات مواهب تمكنوا من الاختلاط بالعدو فى جميع جوانبه، استطعنا بما قدمناه من معلومات عن قوة العدو وتحركاته، تسيير حركة الجيش . ولا يمكن أن تأتى ذكرى العاشر من رمضان دون أن أتذكر النقيب " شريف هزاع "، الذى كلفته بمهمة استطلاعية بعد أن علمنا بأن العدو يقوم بإنزال معدات عسكرية وطائرات هليكوبتر على جبل عتاقة، وذلك لمحاصرة المرتفعات والمنخفضات، فاستطاع " هزاع " القيام بمهمته على أكمل وجه وأبلغ القيادة بتحركات العدو، فقمنا بالاستعداد جيدا واتجهنا نحو الكهوف الموجودة بجبل عتاقة ووضعنا الأسلحة والذخيرة بها استعداد لاستخدامها، ولأول مرة فى تاريخ الحروب يتم استخدام الجمال فى حمل الأسلحة والذخيرة حيث لم يكن فى الإمكان حملها بطريقة أخرى، ولكن سرعان ماتحمس " هزاع " وخرج بمهمة أخرى بدون أوامر، ففوجىء ببعض الأعداء فاشتبك معهم فقتل عددا منهم، ثم انتهى به المطاف واستشهد بنيران العدو . وهناك أيضا الشهيد – نقيب " إبراهيم عزام " الذى قام بعبور قناة السويس وعمل على سد منفذ أحد مدافع العدو بجسده وذلك لتسهيل مرور الجيش الثالث فى " بور فؤاد " وكان ذلك فى مده لاتتجاوز 9 ثوان ، فاستطاع الجيش الثالث عبور القناة، وكانت إحدى الخطوات نحو النصر العظيم، بينما تناثرت أشلاؤه من أجل عشقه للوطن مضحيا بأطفاله وأسرته . وممهدا الطريق لخير أجناد الأرض نحو التقدم ، فعلت الهتافات – مرددين " الله أكبر " ، مما زادهم حماس وإيمانا بالنصر، غير عابئين بالتخوفات التى قالت إن عبور القناة محال، لأن المياه ستتحول إلى لهب، فكان النصر . ذكريات لا تمحى ويتذكر الفنان لطفى لبيب، أحد جنود سلاح المشاة فى حرب أكتوبر لحظة فتح النيران والعبور، والتى كانت من أسعد لحظات حياته، برغم صعوبتها وشدتها، كما يتذكر وجوده بالقرب من الشهيد أحمد حمدى خلال استشهاده بقذيفة إسرائيلية على الكوبرى الذى صنعته القوات المصرية للعبور إلى الجهة الثانية من القناة .. مؤكدا أن تلك الذكريات لا تمحى أبدا من الذاكرة، خصوصا الزملاء الذين فقدهم فى الحرب، ومن أجلهم كتب روايته "26 قتال" عن بطولاتهم التى غاب عنها التكريم حتى الآن، موضحا رأيه فى أن سلاح المشاة من أهم الأسلحة التى كان لها الفضل فى النصر وأن هذه الحرب هى حرب مشاة من الدرجة الأولى وليست حرب سلاح الطيران فقط، كما تم الترويج لها وأن الجندى فى هذا السلاح يصنف فى كل دول العالم على أنه أحد معجزات حرب أكتوبر لذلك يتم تدريس بطولاته فى الأكاديميات الحربية حول العالم. ويطالب لبيب فى ذكرى الحرب أن يتم استدعاء كل من شارك فى الحرب فى احتفالية كبيرة "للم الشمل " يختلط فيها المحارب القديم مع الأجيال الجديدة من الجنود والضباط لأخذ العبرة ومشاركتهم حكايات وقصص الحرب، فكل الدول الأوروبية ومنها على سبيل المثال فرنسا التى مازالت تحتفل بذكرى الحرب العالمية الثانية وتدعو كل من على قيد الحياة وشارك فى الحرب ويتم تكريمهم . فعل السحر ويقول مجدى حسين رئيس حزب العمل : النزعة الإيمانية كانت غير عادية وكان لها دور كبير فى انتصارنا، فالصيام مع ترديد "الله أكبر" كان له فعل السحر، وأسهم فى تحقيق ما لم نكن نتوقعه ، فقد كنا نتوقع خسائر كبيرة فى المعدات والأرواح، ولكن بفضل هذه النزعة كانت محدودة جدا، فالروح المعنوية كانت عالية جدا، لأن الحرب جاءت فى وقت كنا نشكك فى قيامها، ونرى أن هناك تباطؤ من السادات، ولكن إحساسنا تبدل قبل الحرب بأسبوع عندما أعلنت حالة الطوارئ، ولأول مرة أشعر من الضابط القائد المباشر لى بأن المناورة التى نحن بصددها ستنقلب لعمليات عسكرية، وهو ما كان . وعن مشاركته فى الحرب يقول: كنت ضمن سلاح المشاة الميكانيكى، بالمنطقة المركزية، لذلك لم أشارك فى العبور، ولكن عندما حدثت الثغرة جاءت لنا الأوامر بالتقدم للأمام لمواجهة العدو، فذهبنا إلى وادى أبو جاموس فى الجفرة، وهناك كنا فى مواجهة مع الإسرائيلين وحصلت اشتباكات بيننا بعد خرقه وقف اطلاق النار، وكانت تساندنا كتيبة جزائرية . ولكن فى النهاية كتب الله لنا النصر فى هذا الشهر الكريم، الذى شهد انتصارات عديدة للمسلمين . روح طاغية الشاعر "حسن طلب " والذى كان ضابط احتياط وقائد فصيلة مدفعية فى حرب أكتوبر يعود بالذاكرة إلى لحظة عبور المدفعية لقناة السويس فجر يوم الرابع عشر من أكتوبر وذلك ضمن خطة تطوير الهجوم المتأخر لتخفيف الضغط على الجبهة السورية ..مؤكدا أنها ذكريات لا تمحى من مخيلته، خصوصا سجدة العبور وهى تلك السجدة التى قام بها كل الجنود والضباط لحظة لمس أرجلهم تراب الضفة الشرقية على أرض سيناء، بالإضافة لذكرى نقل الجنود الجرحى والشهداء التى اضطرتهم ظروف الحرب إلى دفنهم بأيديهم فى الصحراء لاستكمال القتال . ويرى طلب أن روحانية شهر رمضان كانت طاغية على الجنود فى القتال، فكانوا يقاتلون ببسالة ونفس راضية وخاشعة، فجميعهم من مسلمين ومسيحيين كانوا يسعون إلى الاستشهاد والتضحية بكل ما هو عزيز وغال من أجل تراب الوطن دون خوف أو تعب .. واصفا ذلك الشهر بأنه كان أفضل رمضان عاشه فى حياته وأن الصيام فى تلك الأيام والذى كان يمتد أحيانا ليومين لعدم وجود وقت للإفطار، كأنه الطاقة التى تمد الجسد ليستمر فى القتال وذلك على الرغم من أوامر القائد الأعلى بالإفطار ولكن الجميع لم يمتثلوا وفضلوا خوض المعارك صائمين .