عددهم لا يتعدى العشرين، وعندما يذهبون إلى أماكن صلواتهم يجدونها قد أغلقت أبوابها نظرا لقلة المصلين.. إنهم يهود مصر الذين عادوا للاختفاء مرة أخرى في ظل حالة من اللا مبالاة من الدولة المصرية على حد تعبير مجلة جيوبوليتيك الفرنسية التي أوردت تقريرا في صدر صفحاتها يحمل رجاء خاصا بحماية ما تبقى من تراث اليهود في مصر. استنادا إلى تقرير نشرته «ميدل ايست آي» حول اختفاء اليهود من مصر، أوردت فيه حوارا مع إحدى اليهوديات وهي سارة كوهين التي عادت أخيرا بعد غياب دام 37 عاما لتكتشف التغير الرهيب الذي حل على البلاد سواء الزحام الشديد أم التلوث ووصفت كوهين المصريين بأنهم نجحوا في تحويل المدينة الملكية إلى مدينة أقل ما توصف أنها بشعة. اختفاء اليهود من المجتمع المصري أصبح على حد تعبير المجلة الفرنسية أمرا لا جدال فيه، ولكن السؤال الآن هو كيفية المحافظة على التراث اليهودي. رسميا فإن الحكومة لا تميز بين التراث الفرعوني أو الإسلامي أو القبطي أو اليهودي. وفى عام 2016 تم إنشاء لجنة لتحديد «جميع المعالم الأثرية اليهودية وجميع المجموعات اليهودية في المعابد اليهودية». ولكن هذا التراث مهدد في الإسكندرية، حيث انهار أخيرا سقف أحد المعابد اليهودية هناك، كما أن حال المعابد في القاهرة ليست بأفضل من الإسكندرية فقد تم التخلي عن مقبرة اليهود فى البساتين، كما أن الغالبية العظمى من شواهد القبور الرخامية تمت سرقتها، فضلا عن أن الكلاب الضالة تتجول بين القبور وجبال القمامة التي تملأ المكان. ولا يخفى على أحد ما حدث يوم 18 إبريل 2013 عقب وفاة كارمن وينستن الرئيس السابق للجالية اليهودية في مصر التى استحال دفنها في المربع العائلي الخاص بها حيث كان مرتعا للقمامة وماء المجاري! عدد اليهود في مصر قفز عام 1947 من 75 ألفا إلى 85 ألف شخص وفقا لتقديرات نشرتها جريدة نيويورك تايمز، بينما أكدت وكالة الأنباء الفرنسية أن عدد اليهود في هذه الفترة وصل إلى 120 ألف شخص فيما اعتبر بمثابة العصر الذهبي لليهود في مصر. فمنذ تأسيس الحكم الملكي في البلاد عام 1922 ازداد عدد السكان اليهود بشكل مطرد. فالملك فؤاد كان متسامحا إلى حد كبير ولكن سرعان ما قرروا مغادرة البلاد فور شعورهم بالتهديد وعدم قدرتهم على العيش بسلام في البلاد. عام 1948 وبعدما تمت إقامة إسرائيل شهد المجتمع المصري تراجعا في أعداد اليهود، إذ هاجر 20 ألف يهودي خلال الأربع سنوات التي تلت إقامة إسرائيل. وفى عام 1952 وبعد الإطاحة بالنظام الملكي وتأسيس نظام جمهوري على يد جمال عبد الناصر ازدادت العلاقات بين القاهرة وإسرائيل توترا، ومن ثم ازداد فرار اليهود من مصر لتأتي نهاية الجالية اليهودية بعد تأميم قناة السويس عام 1956. وبعد تحالف إسرائيل مع المملكة المتحدة وفرنسا ومهاجمة مصر في العدوان الثلاثي تم الاشتباه في الجالية اليهودية بأنها تتجسس على مصر لصالح إسرائيل ليزداد وضع اليهود سوءا بعد تأميم ممتلكاتهم واعتقال الكثير منهم واستمرارا لضغط الحكومة هاجر 25 ألف يهودي آخرين من مصر. وفى عام 1967 وخلال حرب الأيام الستة كان لا يزال هناك 12 ألف يهودي يعيشون في القاهرة، ولكن سرعان ما ترك معظمهم البلاد عقب هذا الصراع. وبرغم أن البلدين تجمعهما اتفاقية سلام حاليا، فإن اليهود لم يستطيعوا العودة إلى مصر مرة أخرى. ولكن في عام 2000 سعى بعض اليهود المصريين الذين يعيشون في أوروبا للعودة إلى مصر، ولم يكن الذين عادوا سوى 20 شخصا فقط. والسؤال الأخير هو: هل ستستطيع الدولة في ظل أزمتها الاقتصادية الطاحنة أن تقوم بحماية ممتلكات وثقافة الجالية اليهودية برغم كل ما تحمله من كره ورفض لها؟