د. سعيد صادق: كسرت لديهم حاجز الوحدة بعد أن غابت اللقاءات الأسرية وانشغل الأولاد بأمور حياتهم أسامة مصطفى: بعد خروجى للمعاش وجدت فى الفيس بوك حياة جديدة وأشخاصا أتبادل معهم أطراف الحديث
أحدثت لدى كبار السن طفرة رهيبة فى وظائف الإدراك والذاكرة ونشطت قدرتهم العقلية
إدمان وسائل التواصل الاجتماعى، أمر منتشر ومعروف بين الشباب، فهو حياة أخرى إلكترونية يعيشونها بكل تفاصيلها، ولها تأثيرها على الحياة اليومية.. أما انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعى بين كبار السن وأصحاب المعاشات، فليس إدمانًا، وإنما وسيلة سهلة تمكنهم من التواصل مع من هجروهم وتركوهم فى وحدتهم وشيخوختهم بين أربعة جدران، حيث يمثل “فيس بوك” بالنسبة لهم وسيلة تواصل وحياة، حيث أشار الباحثون فى دراسة كندية إلى أن كبار السن من الرجال والنساء الذين تتعدى أعمارهم خمسة وستون عاما، وحتى واحد وتسعون عاما يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعى، مما أحدث لديهم طفرة رهيبة فى وظائف الإدراك والذاكرة الخاصة بهم قدرتهم العقلية الخاصة بنسبة تصل إلى 25 %، كما تتكون لديهم مهارات جديدة لم تكن موجودة من ذى قبل، وهو ما يراه البعض ظاهرة إيجابية لملئ الفراغ الذى يعيشه المسنون خصوصا بعد خروجهم للمعاش، فى حين نجد آخرين يتعرضون لهزات نفسية تؤدى لكثير من حيث الآثار السلبية والكوارث التى لا تقل عن كوارث المراهقين فيما بينهم. لكن الحقيقة هنا يكشفها أسامة مصطفى - 66 عامًا – أحد مستخدمى “فيس بوك” قائلا: “ هو العالم الوحيد الذى أجد فيه حياة وأشخاصا أتبادل معهم أطراف الحديث خصوصا بعد خروجى إلى المعاش، وقد تزوج أولادى وأصبحت زوجتى بعيدة كل البعد عنى، فلم تعد قادرة على منحى كل المشاعر التى أفتقدها فى الحياة. ومنذ خمس سنوات وتحديدا بعد خروجى إلى المعاش بعام واحد أصبحت عالة على الحياة فى البيت، أولادى تزوجوا وأصبح لكل منهم حياته الخاصة، وزوجتى أصبح همها الأول والأخير، الاهتمام بأولادنا، برغم أن لكل منهم حياته، لكنها تراهم ينفقون على البيت ويأتون إليها بكل ما تحتاج إليه ماديا، وأصبح أحفادنا متعلقين بها، لأن ابنى متزوج فى العمارة المقابلة لنا، إضافة لكونها تشترى كل متطلباتنا الأساسية وهى من تقوم بالطبخ وتنظيف البيت، لذا فهى مشغولة دائما بينما أنا لا أجد ما يشغلنى إلى أن دلنى صديق لى على “فيس بوك” وكيفية التعامل معه وبالفعل قررت الدخول لهذا العالم الذى تعرفت من خلاله على أصدقاء كثيرين ومن هنا أجد الوقت يمضى وأنا مستمتع، بعد أن كنت أعانى فى أوقات كثيرة من الاكتئاب. أما السيدة حمدية إبراهيم - 73 عاما - فتقول: تزوج أولادى ولم يعد لى أهمية فى الحياة فمكالماتهم لم تعدو كونها أداء واجب، للتخلص من عتابى عليهم بعدم سؤالهم على أو لمجرد التخلص من عذاب الضمير، وكنت دائما من خلال مشاهداتى لبرامج التوك شو أسمع عن “فيس بوك” وما يتداوله الشباب عليه وحتى البرامج التى أتابعها فى التليفزيون ينوهون على الشاشة أنهم ينتظرون رسائل المشاهدين على فيس بوك، فطلبت من ابنى المقيم فى الخارج أن يشترى لى “تابلت” حتى أتمكن من متابعة كتابات الشباب بشكل واضح وبالفعل منذ ذلك الحين وأنا أتواصل مع كل أصدقائى وجيرانى عبر “فيس بوك”. أما الحاج موسى بشير - 72 عامًا - والذى قرر اختراق فيس بوك لمراقبة أولاده وأحفاده، إلى أن وجد نفسه يعتزل هذا الحساب الذى يعرفه الجميع، ويتواصلون معه عليه ويبحث عن حساب جديد بمعلومات مستعارة لتكوين علاقات أوسع وأكبرمن الحساب القديم، ويستكمل الحديث قائلا: كشف لى فيس بوك ملامح جديدة للحياة لم أكن أعرف عنها شيئا من قبل، فكنت أكرس اهتمامى لمتابعة أولادى وأحفادى فلم أقابل إلا بكل ضجر وضيق من جانبهم فى الوقت الذى أرى فيه أصغر أولادى وقد تجاوز الثلاثين من عمره، وأنا ما زالت بداخلى طاقات ومشاعر دفنت منذ سنوات طويلة مع زوجتى رحمها الله. أنا لا أبحث عن الزواج، لكن علاقات طيبة وصداقة تملأ فراغى ولدى علاقات كثيرة مرتبط بها عبر فيس بوك لأصدقاء يبادلوننى مشاعر حقيقية. والسؤال هل تنجح مواقع التواصل الاجتماعى فى كسر العزلة التى يعيشها كبار السن؟ بداية يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ الطب النفسى: أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى بمثابة عادة أساسية يستخدمها كبار السن للتعامل والتعايش مع الأحفاد والأبناء، فهى الحل الذى يتبعه الأب أو الجد لفتح حوار خاص مع الأحفاد والأبناء بعد أن غابت اللقاءات الأسرية التى كانت موجودة من قبل، وأصبح الرجل المسن أو السيدة العجوز يعانيان حالة الملل من كل شىء، فأصبح “الفيس بوك” وكيفية تعلم أدواته وسيلة سهلة وبديلة عن التواصل الفعلى، ويعرف من خلاله ما يحدث لأصدقائه، كما أصبح وسيلة لاستكشاف ظواهر وعلاقات كثيرة فى المجتمع فأصبح من خلال الفيس بوك يتابع السياسة وأخبار الجهة التى كان يعمل بها من قبل وما يتعلق بها، هذا بخلاف تمكنه من إقامة علاقاته الاجتماعيه بأناس جدد بشكل أفضل، مما أدى به لبدء حياة وعلاقات جديدة ربما لم تمر عليه من قبل خلال سنوات عمله وحياته، مرورا بتجاربه الشخصية التى كانت وبكل تأكيد بعيدة كل البعد عن الحياة والتجارب التى يعيشها الآن، خصوصا أن مواقع التواصل الاجتماعى واختراق عالم الإنترنت لم يعد رفاهية للجميع الآن، وإنما هى مسألة مهمة جدا عند الكبار والصغار أيضا، خصوصا أن كبير السن أصبح يرى أنها حالة عامة فى المجتمعات التى يعيش بين أفرادها، وأصبحت حياته خاوية بدون علاقات اجتماعية، وقد هرب أولاده وأقاربه كل منهم إلى عالمه. لكن من الناحية الأخرى هناك كثيرون من كبار السن، من لا يملك المال الذى يجعله قادرا على شراء موبايل أوتابلت أو غيره لاختراق عالم التواصل الاجتماعى، فالأمر يتوقف فى كثير من الحالات على الأوضاع المادية، لكن بشكل عام قد نجد فى هذه المواقع حلا لمشكلات كثيرة لهذه الفئة المسنة، وأنا عن نفسى أضرب المثل بجدتى التى تبلغ من العمر 89 عاما وقمنا بشراء جهاز أيباد حتى تتواصل من خلاله مع صديقاتها وأحفادها سواء المقيمين داخل البلد أم خارجها. وبشكل عام أصبح فإن استخدام كبار السن لوسائل التواصل الاجتماعى أبسط كثيرا من الخروج والتعامل مع العالم الخارجى، ويتيح لهم أيضا فرصة متابعة الأحداث الحياتية التى نعيشها. على الجانب الآخر يقول الدكتور حسن الخولى، أستاذ علم الاجتماع: استخدام المسنين لوسائل التواصل الاجتماعى ظاهرة إيجابية، خصوصا أن هذا المسن يشعر بأهميته عندما يجد ما يشغل فراغ أوقاته ويعمل عقله بشكل أفضل، كما يجعله يشعر بأن الخروج إلى المعاش ليس نهاية الحياة. ويؤكد الدكتور الخولى أن كبار السن، تختلف اهتماماتهم فيما بينهم، فمنهم من يفضل القراءة، لكن الأغلب الأعم منهم من يبحث عن التواصل الاجتماعى، بحيث يشغل نفسه بمهمة أساسية فى المجتمع يستطيع من خلالها ملئ وقت الفراغ بحيث لا يستسلم للمجتمع الذى يتركهم بمفردهم بين أربعة جدارن، ويعيش عبر وسائل التواصل الاجتماعى كل يوم أحداث جديدة. وبشكل عام فإن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى سلاح ذو حدين، فهناك شخصيات تدخل عالم الفيس بوك مثلا بأسماء مستعارة، بحيث لا يمكن أن يتعرف عليها أحد، وذلك للحصول على مزيد من الحرية ومن هنا لا تصبح المسألة وعى بقدر ما يكون له خطورة، وكثير من الآثار السلبية، والفروق الفردية النفسية هى التى تفصل فى تلك النقطة، لأن هناك آخرين يلجأون للمواقع الدينية وأيضا للموضوعات السياسية وآخرين يهتمون بالدراما والأفلام والمسلسلات وهكذا. بينما يرى الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى قائلا: إن وسائل التواصل الاجتماعى هى مصيبة المصائب فى المجتمع حاليا، فمعها زادت العزلة بين أفراد الأسرة الواحدة، لكن هناك جانبا إيجابيا لمواقع التواصل وهو أن هناك أشخاصا عادوا للحياة والتواصل الأسرى من خلالها وهم كبار السن، وأنا شخصيا لى صديق، وهو أستاذ فى إحدى الكليات دخل فى حالة اكتئاب بعدما تزوج أولاده وانشغلوا بأمور حياتهم، إلى أن دخل عالم التواصل الاجتماعى، وعاد للتواصل مع أولاده وأصدقائه وكون علاقات وصداقات جديدة ملأت فراغه، ونفس الحال مع زوجته فتجدهما يجلسان وكلاهما يحمل التاب الخاص به ويتواصل على الفيس بوك من خلال الشات، وهناك حالات كثيرة على نفس الشاكلة وسبق أن عرضناها كثيرا فى مؤتمرات لنناقش هذه الحالات التى بدأت تبحث عن العملية التعويضية، ونحن لا نفضل فصلهم عن التكنولوجيا التى تعلقوا بها، ولماذا أحرمهم منها وقد أصبحت حياته مرتبطة بالواتس آب والفيس بوك الذى يحكى من خلاله مع آخرين، ويجد فيها حياة وعالما جديدا افتراضيا هو مستفيد منه. ويمضى دكتور فرويز قائلا: إنها باتت تمثل لهم وسيلة إشباع عاطفى وأسرى تبعد عنهم شبح الإصابة بالأمراض النفسية، فما بين 4 % إلى 6 % من المسنين يواجهون خطر الإصابة باضطرابات نفسية شديدة من جراء العزلة والوحدة التى يعيشونها بعد بلوغهم سن المعاش.