أهداف الضربة : تخويف إيرانوكوريا الشمالية.. إعادة الولاياتالمتحدة كقوى عظمى تعمل منفردة.. التقليل من شأن حلف الناتو.. زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية.. محاولة الالتفاف على خيباته الداخلية برغم أنه أخذ الجميع على حين غرة عندما أرسل 59 صاروخا لضرب قاعدة الشعيرات الجوية السورية بعد الهجوم الكيماوى على خان شيخون، فإن دونالد ترامب كان ولا يزال يسعى لهدف واحد وهو محاولة الحد من دور الولاياتالمتحدة فى مختلف المعاهدات سواء العسكرية أم التجارية، بمعنى أدق هو يسعى للانفراد والعودة بالولاياتالمتحدة كقوة أحادية واستعادة مكانتها العظمى فى العالم. من هنا قرر ترامب وضع الولاياتالمتحدة فى حالة تأهب قصوى فيما يعد تحولا سيخدم مصالح الرئيس الأمريكى، ليس فقط على الصعيد الدولى ولكن أيضا على صعيد الشئون السياسية الداخلية، حيث نجح فى ضرب سبعة عصافير بحجر واحد، وأول هذه العصافير أو الأهداف التى نجح ترامب فى تحقيقها هي: 1 - تأكيد مكانته كرئيس لأقوى دولة فى العالم فبقصفه للقاعدة العسكرية السورية، أكد ترامب استقلال قراراته سواء بصفة شخصية أم بصفته رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية التى من الواضح أنها ستتخذ قرارتها بعد ذلك بمعزل عن القوى الدولية. ليس ذلك فقط بل هو أراد التأكيد أن تهديداته يجب أن تؤخذ مأخذ جد، فهى ليست تهديدات فى الهواء كما كان يفعل سابقه، ولا هى تهديدات فى انتظار موافقة أحد لتنفيذها، بل هى تهديدات سرعان ما تم تنفيذها، فى رسالة لدول العالم بأن كلمات ترامب سيف على رقبة الجميع. لكن برغم ذلك لا شئ يضمن استمرار شعبيته أو تزايدها، لأن هذا الرهان سوف يدفع ثمنه غاليا، فالشعب الأمريكى لا يزال يعانى من صدمة الحرب فى العراق وأفغانستان، وبالتالى فإن الدخول فى حرب جديدة هو أمر غير مرغوب فيه على الإطلاق بالنسبة للشعب الأمريكى، وبناء عليه فإن قرار ترامب لا يخلو من مخاطر انخفاض شعبيته التى تشهد بالفعل انخفاضا كبيرا منذ بداية ولايته.
2 - التأثير على كل من الصينوكوريا الشماليةوإيران جاء القصف الأمريكى بالمصادفة إبان زيارة الرئيس الصينى «شي جين بينج» للولايات المتحدة، مما اعتبر توقيتا مثاليا للقصف، حيث سمح لترامب بإظهار قوته أمام الصين التى تربطه بها علاقات دقيقة، حيث اتسمت اللقاءات بين الرئيسين بأنها صعبة للغاية، لأنها ناقشت قضايا جوهرية مثل العجز التجارى وكذلك استخدام كوريا الشمالية للطاقة النووية. ويأتى القرار المفاجئ الذى اتخذه ترامب ليعجل بالأولويات وليبعث برسالة قوية إلى آسيا مفاداها، أن الرئيس على استعداد لاتخاذ جميع الإجراءات الحاسمة إذا تراءى له ذلك. رسالة قوية لآسيا يجب أن تعيها جيدا خصوصا أنه قبيل لقائه بالرئيس الصينى بعدة أيام وجه ترامب تحذيرا لبيونج يانج بأنه إذا لم تستطع الصين حل المشكلة مع كوريا الشمالية فسوف تحلها الولاياتالمتحدة بمعرفتها. دولة أخرى أراد ترامب أن تنظر للهجوم بعناية.. إنها إيران التى تربطها علاقات متوترة بالإدارة الأمريكية الجديدة، حيث يشكل الاتفاق على النووى الإيرانى الذى وقعته إدارة أوباما عام 2015، نقطة توتر رئيسية بين البلدين. لذا أراد ترامب توجيه تهديد مباشر لإيران بعد إطلاقها صاروخاً باليستياً فى 29 يناير الماضي. حيث وصفها بأنها تلعب بالنار. وبقصفه للقاعدة العسكرية فى سوريا جاءت الرسالة واضحة وهو أنه لا يمكن التنبؤ به، وأنه لا يخشى نهائيا من تنفيذ تهديداته.
3 - الابتعاد عن روسيا فور وصوله إلى البيت الابيض شدد ترامب على ضرورة تطوير العلاقات مع روسيا، مما تسبب فى اتهامه بأنه سيصبح دمية فى يد فلاديمير بوتين، لذا قرر التبرؤ من هذه الاتهامات بقصف حليفه روسيا فى الشرق الأوسط عسى أن يخرج بوتين، ليندد ما حدث ويتهم الولاياتالمتحدة بأنها ارتكبت عدوانا على دولة ذات سيادة، ليصبح رد الفعل الرمزى هذا بمثابة تبرئة لترامب من كونه دمية فى يد بوتين. والسؤال هو هل ستكفى هذه الضربات لتهدئة الرأى العام وإخراس ألسنة الشائعات التى تشكك فى التدخل الروسى فى الشأن الأمريكى؟ والإجابة تقول إن مكتب التحقيقات الفيدرالى لا يزال يواصل عمله بهذا الشأن. لكن الشىء المؤكد هو ما قاله ديمترى بيسكوف المتحدث باسم فلاديمير من الضربات الأمريكية من شأنها أن تشكل ضربة قاصمة فى العلاقات الروسية - الأمريكية.
4 – إنه ليس فى حاجة إلى حلفاء منذ انتخابه لم يكف ترامب عن إلقاء اللوم على حلف الناتو، الذى يرى أنه يشكل كارثة مالية واقعة على كاهل الولاياتالمتحدة، واصفا إياه بأنه حلف عفا عليه الزمن، كما اتهم منظمة الدفاع بأنها لا تعمل كما يجب ضد الإرهاب، ومع ضربات قاعدة الشعيرات أعلن ترامب أنه سيعمل منفردا فى مواجهة مجتمع دولى يسعى جاهدا للرد. فمنذ سنوات خلت وكل المحاولات لتغيير سلوك الأسد باءت بالفشل الذريع، كما لا تزال أزمة اللاجئين تزداد سوءا ولا تزال المنطقة تعانى من زعزعة الاستقرار، ما أدى بدوره إلى تهديد الولاياتالمتحدة وحلفائها، لذلك دعا ترامب جميع الدول المتحضرة، على حد وصفه، للانضمام إليه فى محاولة لوقف أعمال القتل وسفك الدماء فى سوريا ووضع حد للإرهاب بجميع أنواعه، وفجأة قرر ترامب أن يصبح هو رأس المجتمع الدولى ذى اليد المرتعشة، وأن تصبح الولاياتالمتحدة هى القدوة التى يحتذى بها لتؤكد من جديد قدراتها العسكرية والدبلوماسية، وكذلك قدراتها الأحادية فى توجيه الضربات. حلف الناتو بدوره لم يدن الضربات الأمريكية، بل على العكس خرج سكرتيره العام ينس شتولتنبرج أن أى استخدام للأسلحة الكيماوية غير مقبول ولا يمكن أن يبقى دون رد، لأن الناتو بدوره يعتبر أن استخدام الأسلحة الكيميائية يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين، وأنه يجب بذل كل الجهود لإيجاد حل سلمى وإحلال السلام فى سوريا.
5 – إنعاش صناعة السلاح الأمريكي لا تزال الولاياتالمتحدةالأمريكية تتربع على عرش صناعة الأسلحة، كما أنها لا تزال تشكل أكبر مصدر للسلاح فى العالم، حيث يحتل 33 % من حصة السوق متقدمة بذلك على روسياوالصين. ومع ذلك فعلى الرغم من هذا المركز المهيمن وهذه الميزانية الضخمة التى بلغت 582.7 هذا العام والمخصصة للدفاع، فإن انسحاب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط والتخفيضات التى فرضتها إدارة أوباما تسببتا فى حالة من الركود فى سوق السلاح الأمريكي. وبوصول ترامب إلى السلطة والذى جعل من أمن الولاياتالمتحدة أهم أولوياته، فقد اتجه عكس أوباما ورفع ميزانية الدفاع. ففى 27 فبراير الماضى اقترح الرئيس الأمريكى «صعود تاريخي» للميزانية العسكرية عام 2018 من أجل «إعادة بناء» الجيش والتعامل مع تهديدات عالم «خطر» حيث من المنتظر أن يصل بميزانية 2018 إلى 603 مليارات دولار. وأدى هذا الإعلان إلى ارتفاع الأسهم والعقود المبرمة مع البنتاجون. ومع إرساله 59 صاروخ توماهوك قيمة الواحد منه 832 ألف دولار، فإن الرئيس الأمريكى يرسل بذلك إشارة إيجابية أخرى لواحدة من أقوى الصناعات فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وإذا كان التفجير استهدف بلا شك خيارا محسوبا بدقة، كما أنه لا يورط الولاياتالمتحدة حتى هذه اللحظة فى حرب على سوريا على المدى الطويل، فإنه يمكن أن يفسر على أنه وعد بمستقبل مشرق لصناعة السلاح الأمريكى.
6 – صناعة السلام مع الجمهوريين بين ترامب والجمهوريين تاريخ معقد، فبعض المسئولين الجمهوريين نندوا فى الواقع مثل الديمقراطيين بالهجوم الذى شنته الولاياتالمتحدة واصفين إياه بأنه عمل مخالف للدستور. لكن اللاعبين الرئيسيين فى الحزب القديم رأوا أن هذا هو أنسب وقت للاصطفاف والتكاتف، بما فى ذلك أولئك الذين سبق وانتقدوا زيادة ميزانية الدفاع. ومن ضمن هؤلاء جون ماكين وليندساى جراهام اللذان باركا اتخاذ هذه الخطوة ضد بشار الأسد وباركا أيضا سرعة رد فعل البيت الأبيض، مقارنة بالإدارة السابقة، حيث رأوا أن الرئيس ترامب واجه لحظة محورية فى سوريا وسرعان ما تصرف حيالها، لهذا فإنه يستحق الدعم من الشعب الأمريكي.
7 – تحويل الانتباه عن الحماقات التى يقترفها بين مسيرات النساء ضده وقراراته بمنع الهجرة وهزيمته المؤلمة فى محاولة إصلاح النظام الصحى الذى كان أقره أوباما، عاش ترامب الأشهر الأولى فى البيت الأبيض وهو بعيد كل البعد عن أى نجاحات سياسية داخلية، حيث تبين ضعفه فى كل محاولات الإصلاح التى قام بها، ولكى يحاول أن يحول الانتباه عن كل هذه الخسائر، قرر أن يقوم بشىء أكبر من خلال مهاجمة سوريا وإثارة غضب روسيا، وقد نجح بالفعل فى جذب أنظار العالم أجمع إلى ما يريده.