«تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    المالية تزف بشرى سارة للعاملين بالدولة بشأن مرتبات شهر يونيو    حقيقة تأثر الإنترنت في مصر بانقطاع كابلات البحر الأحمر    عضو بملجس محافظي المركزي الأوروبي يرجح بدء خفض الفائدة في اجتماع الشهر المقبل    مسؤول أمريكي: بايدن في موقف محرج بسبب دعمه إسرائيل في حرب لن تنتصر فيها    اجتياح رفح.. الرصاصة الأخيرة التي لا تزال في "جيب" نتنياهو    وفاة والد سيد نيمار بعد صراع مع المرض    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء بالدوريات الأوروبية والمصري الممتاز والقنوات الناقلة    وليد الحديدي: تصريحات حسام حسن الأخيرة غير موفقة    أفشة: سأحقق البطولة الرابعة إفريقيا في تاريخي مع الأهلي.. واللعب للأحمر نعمة كبيرة    بشير التابعي: جمهور الزمالك سيكون كلمة السر في إياب نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    حصريا جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya الرسمي في محافظة القاهرة    عاجل - مبTHANAWYAاشر.. جدول الثانوية العامة 2024 جميع الشعب "أدبي - علمي"    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    بسبب الخلاف على إصلاح دراجة نارية .. خباز ينهي حياة عامل دليفري في الشرقية    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    مصطفى الفقي: معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة تغيرت لهذا السبب    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأربعاء (تفاصيل)    بوتين: لدى روسيا والصين مواقف متطابقة تجاه القضايا الرئيسية    عبدالمنعم سعيد: مصر هدفها الرئيسي حماية أرواح الفلسطينيين    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    وسيم السيسي: 86.6% من المصريين يحملون جينات توت عنخ آمون    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا ممن تفاءل بخيرك فأكرمته ولجأ إليك فأعطيته    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    تحرير 31 محضرًا تموينيًا خلال حملة مكبرة بشمال سيناء    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    شاهد لحظة استهداف حماس جنود وآليات إسرائيلية شرق رفح (فيديو)    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    وزير الشئون الثقافية التونسي يتابع الاستعدادات الخاصة بالدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    3 فعاليات لمناقشة أقاصيص طارق إمام في الدوحة    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    ريا أبي راشد بإطلالة ساحرة في مهرجان كان السينمائي    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزير الصحة يزور مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.. ويشيد بالدمج بين الخدمات الطبية واستخدام التكنولوجيا المتطورة    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    وزير الأوقاف: نسعى لاستعادة خطابنا الديني ممن يحاول اختطافه    أمين الفتوى يوضح متى يجب على المسلم أداء فريضة الحج؟    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 39 عاما من وفاته.. "الأهرام العربي" تحقق فى السر الغامض: من قتل بومدين؟
نشر في الأهرام العربي يوم 21 - 03 - 2017


كوب لبن مسموم أم كاميرا مشعة قتلت بومدين؟

هل وضع صدام حسين «ليثيوم نووى» فى طعام بومدين؟

لماذا غادر أطباء بومدين الروس الجزائر ليلة وفاته؟

رئيسة الطب الشرعى ببنى سويف: مات بالسم ولا بد من استخراج رفاته لكشف الحقيقة

لغز وفاة «عنتر» كلب الرئيس مسموما ورفض تشريح جثته

رسالة الحسن الثانى الغامضة لبومدين «لن نلتقى مرة أخرى»

قبل 39 عاما، وتحديدا ظهر يوم السبت 30 ديسمبر 1978، وفى مقبرة العالية بقلب العاصمة الجزائرية، رقد جثمان الرئيس الجزائرى «هوارى بومدين» أو «محمد بوخروبة» إلى الأبد حتى قيام الساعة ومعه لغز وفاته، بعد ثلاثة أيام من وفاته فى تمام الساعة الثالثة و22 دقيقة من فجر الأربعاء 27 ديسمبر 1978، دون أن يعرف أحد طوال 38 عاما، هل قتل بومدين؟ أم توفى قضاء وقدرا؟
وهكذا تمر ذكرى رحيل بومدين عاما بعد عام على مدار 38 عاما ماضية، دون إجابة عن السؤال الحائر واللغز الخفى، من قتل بومدين؟
فى أول ديسمبر 1978، دخل بومدين فى حالة غيبوبة كاملة وعميقة بعدما تجلط الدم فى شرايين المخ، وأما جسده الممدد على سرير العلاج كان حوله 62 إستشارى من أعظم أطباء العالم يراقبون جسدة المرتخى، وقلبه الذى لا يزال ينبض، بينما باقى أجهزة الجسم متوقفة عن حركتها الطبيعية، ولكنها تعمل بأجهزة إعاشة حديثة، حيث كانت هناك كهرباء ضعيفة فى المخ، وبحلول يوم 18 ديسمبر، وعلى إثر نزيف داخلى مفاجىء تدهورت حالة بومدين، واختفت كهرباء المخ تدريجيا، وتحولت إلى خط بيانى مستقيم على شاشة جهاز قياس كهرباء المخ المثبت أعلى رأس بومدين، وبرغم المعدات الطبية الهائلة المتطورة وقتها، وبرغم جيش الأطباء من كل أنحاء العالم فإن الحقيقة كانت أن بومدين ميت إكلينكيا منذ أول ديسمبر 1978، حتى فجر يوم 27 ديسمبر حينما توقف كل شىء فى تمام الساعة 3و22 دقيقة فجر الأربعاء 27 ديسمبر أصبح بومدين فى ذمة الله، وفى مقبرة العالية دفن بومدين ومعه لغز وفاته إلى الأبد.

شهادة جديدة للتاريخ
المفاجئة التى تكشفها "الأهرام العربى" بعد 39 سنة من رحيل بومدين تأتى فى شهادة رسمية من الدكتورة شيرين غالب، رئيس قسم الطب الشرعى بكلية طب جامعة بنى سويف، والتى انتهت إلى ضرورة استخراج رفات الرئيس الجزائرى بومدين، رحمه الله، لمعرفة سبب الوفاة بإجراء بعض الفحوصات المعملية الدقيقة باستخدام التقنيات الحديثة واللازمة فى الكشف عن السموم من خلال ما تبقى من العظام والأسنان أو الشعر والأظافر حتى بعد مرور سنين طويلة على وفاته، وذلك لعدم تحللهم أو حتى من ما تبقى من تراب تحت أو حول الجثه التى تمتص آثار من هذا السم، مثلما حدث فى الإمبراطور الفرنسى نابليون بونابارت، والتى أرجعها بعض العلماء لتسممه بمادة الزرنيخ بعد نفيه لجزيرة القديسة هيلانة بعد معركة واترلو، وتشخيص الأطباء حينذاك بوجود مرض فى الكبد، ولكن بعد مرور السنين تم اكتشاف السم بالأجهزة الحديثة.
وبحسب شهادة الدكتورة شيرين غالب، التى أعدتها بناء على كل ما نشر من تقارير طبية عن الرئيس الراحل بومدين، فإنها لا نستبعد شبهة الوفاه السمية، حيث إن الأعراض التى ظهرت على الرئيس الجزائرى، رحمه الله، وإن كانت تتشابه والأعراض المرضيه لمرض والدنستروم، فإنها تتشابه أيضا والأعراض الإكلينيكيه والتسمم المزمن بماده الزرنيخ Arsenic وهو من المعادن الثقيلة، وذلك نظرا لعدم وجود تقارير طبية كافية بحالة الرئيس الجزائرى حينها، فضلا لعدم التعرف على طبيعة المادة السامة التى أرجعها الفريق الطبى السوفيتى، لكونها سبب الوفاة (نظرا لعدم تطور الأجهزة الكاشفة عن السموم فى ذلك الوقت)..فإننا نرى من الوجهة الفنية الطبية الشرعية من أنه لا يمكننا الجزم أو القطع يقينا بسبب الوفاة.
وأضافت د.شيرين، أنه يستخلص القول إن مظاهر المرض بدأت فى غضون آواخر عام 1978، حين عودته من دمشق لحضور قمة عربية، فقد ظهرت الأعراض بحدوث تشنجات ومظاهر إعياء شديدة وإغماءة مفاجئة..وقد اختلف الأطباء حينها فى تشخيص حالة الرئيس..فأرجع البعض ومنهم الفريق الفرنسى بأن بومدين يعانى من سرطان المثانة أو فى الغدة فوق الكلوية، أما الأطباء السوفيت، فأرجعوا بأن الرئيس الجزائرى يعانى من مرض شديد ذى طبيعة فيروسية إلا أنهم لم يستبعدوا تعرضه للتسمم بمادة سامة أدت إلى إلتهابات شاملة بالأوعية الدموية أدت بدورها إلى ظهور جلطات صغيرة وأكثر من نزيف دموى..أما الطبيب السويدى الشهير، فقد قرر أن بومدين يعانى من مرض سمى فيما بعد باسمه ( والدنستروم ) وهو مرض نادر جدا يصيب كبار السن، وهو نوع من أنواع سرطانات الدم يصيب الخلايا الليمفاوية ويسبب تضخماً فى الكبد والطحال، ويؤثر على لزوجة الدم، ويحدث جلطات صغيرة فى الأوعية الدموية.. ومما سبق وتقدم، نستخلص القول إن الأطباء وإن أجمعوا على تحديد الأعراض التى كان يعانى منها الرئيس الجزائرى، وهى وجود جلطات بالأوعية الدموية أدى إلى نزيف بالمخ والرئتين..إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم فى تحديد سبب حدوث تلك الأعراض.

الحقيقة الضائعة فى موسكو
فى سبتمبر 1978، وصل بومدين بطائرة خاصة إلى العاصمة الروسية موسكو بشكل مفاجئ، حيث لم يتم إخطار موسكو بالرحلة إلا قبل ساعات من هبوط طائرته فى مطار موسكو، ومنه إلى مستشفى شارع "ميتشورنسكى فى موسكو حيث يمكن إخفاء شخصية بومدين نظر لقلة عدد المرضى فيها، وبالتالى الحفاظ على سرية الرحلة، وكان التشخيص الأولى للروس أن بومدين يعانى من مرض شديد، قد يكون بسبب طبيعة فيروسية تسببت فى مضاعفاته فى التهاب وتسمم فى الكبد، وتم العلاج وتراجعت حدة المرض واختفت علامات التهاب الكبد، لكن جسد الرئيس لم يتخلص بعد من ضعف وهزال وارتفاع فى درجة الحرارة بين الحين والآخر، وكرات دم بيضاء تزايد ملحوظ، وكان التقرير النهائى للأطباء الروس فى تشخصى حالة بومدين هو "تغيرات طرأت على جهاز المناعة نتيجة تعرضه لعوامل خارجية ذات طبيعة جرثومية أو بسبب التسمم بمواد سمية معينة، تسببت فى اختلال جهاز المناعة فى جسده، وانهيار وظائف الدفاع عن الجسم، بل ظهور التهابات شاملة وعامة فى الأوعية الدموية، ثم تطورها إلى جلطات صغيرة، وأكثر من نزيف فى جسد الرئيس الجزائرى".

من قتل "عنتر " كلب الرئيس؟
قبل ظهور أى من أعراض المرض على الرئيس بومدين، حدث أمران فى غاية الغرابة لم ينتبه أحد لهما إلا بعد وفاته، الأول كان رسالة من الملك الحسن ملك المغرب اختتمها بقوله: ".. إذا لم نلتق مطلع العام فإننا لن نلتقيّ أبدا "، أما الأمر الثانى، فكان كلبه المدلل " عنتر " حيث كان لبومدين كلبان، الأول عنتر، والثانى "كريم " حيث كان بومدين بنفسه يشرف على "العناية بهما"، وقبل ظهور أى أعراض مرضية على بومدين، وبينما كان الرئيس فى طريقه إلى مقر عمله (قصر الشعب) وجد مصادفة كلبه عنتر ملقى على الأرض ميتا، فنادى خادمه (حسين بن خبو) الذى نقل الكلب الميت إلى البيطري، وبعد عملية التشريح يكتشف أن الكلب مات مسموما. وعندما عاد الرئيس فى المساء إلى بيته وجد أخته "يمينة " أمامه فقال لها بالحرف الواحد، (عنتر مات مسموما والذى وضع السم لعنتر سيجعله لى أنا لاحقا).. ولكن أثناء مرض بومدين بدأ "الطاقم الأمنى" والسيدة أنسية "زوجة بومدين" كل يفكر بطريقته فى تشريح "الجثة"، واختلفت الروايتان، فزوجة بومدين السيدة أنسية قالت فيما بعد إنه تم منعها من تشريح "جثة الكلب عنتر"، بينما رواية أخرى تفيد أنه تم تشريح جثته وعرف المرض، وهو المرض نفسه الذى أصاب بومدين.

بداية المرض
فى أوائل عام 1978، وخلال وجوده بمكتبه بالقصر الجمهورى فى اليوم الثانى من عودته من يوغسلافيا، شعر الرئيس بسعال شديد، حيث كان معروف عنه حساسيته ضد الزكام والبرد، وطلب طبيباً بالقصر لفحصه بعدما شعر برعشة شديدة، وعلى الفور حضر الطبيب والذى انتهى إلى نقل بومدين إلى المستشفى العسكرى لإجراء مزيد من الفحوصات، وهو ما تم فعلا على يد كبار الأطباء الجزائريين الذين لم يتوصلوا لطبيعة مرض بومدين، وسافر طبيبه إلى باريس ومعه كل تحاليل الرئيس، ولكن بشكل لا يكشف عن صاحب شخصية صاحب التحاليل، حيث كان رأى الطب الفرنسى أن بومدين مصاب بسرطان فى المثانة، ويجب استئصاله فورا فى أحد المستشفيات الأوروبية، ورفض بومدين تماما فكرة العلاج فى الخارج، وأجل علاجه، ولم يبال بالأمر، وانغمس فى السفر حتى سافر إلى دمشق لحضور قمة عربية مصغرة ضد اتفاقية كامب ديفيد، حيث اشتد عليه المرض ليلة السفر، فاضطر إلى اصطحاب طبيبه الخاص، حيث كان فى دمشق شبه مقيم فى جناحه الخاص، ولم يقم بأى زيارات إلا نادرا جدا، وزاد عليه المرض لدرجة أن مساعديه لحقوا به قبل أن يسقط أرضا بعدما أصيب بإغماءة مفاجئة، وكان يرتعش بين حين وآخر، بالإضافة إلى حالات من عدم التركيز والتوهان، إلا أنه أصر على استمرار حضوره للقمة، حتى فجر يوم عودته للجزائر طلب وزير خارجيته وقتها "عبد العزيز بوتفليقة" وقال له:
لنعد الآن إلى الجزائر.. أريد أن أموت فى فراشى.

.

وبالفعل تحركت الطائرة الرئاسية وبها بومدين، وقد ظهر عليه الإجهاد، وحالة تشنج، وغارت عيناه، واختفى وجهه تماما وتحول إلى أقرب لوجه مريض فى ساعاته الأخيرة، وكان ذلك يوم 24 سبتمبر 1978، وقد ظهر عليه فى الطائرة الإنهاك بصورة واضحة، الأمر الذى على إثره توجهه إلى المستشفى العسكرى، وقد استند على كتف وزير خارجيته "بوتفليقة " وهو ينزل من الطائرة بالعاصمة الجزائر بمجرد أن هبطت الطائرة الرئاسية، حيث كان التشخيص الأولى وجود خلل فى وظائف الكلى، لكن لذلك لم يفسر ظهور شلل خفيف فى وجه بومدين، لذلك اعتقد الأطباء بالمستشفى العسكرى أن هناك سرطاناً فى كلى الرئيس، فتم إدخاله العناية المركزة حيث كانت النتيجة أن التشخيص الأول غير دقيق وهو أنه مصاب بالكلى.

شائعات 38 عاما من الوفاة
على مدار 39 عاما من رحيل بومدين، ومع كل ذكرى لرحيله تتجدد الشائعات حول وفاته، فمثلا وزير الدفاع السورى العماد مصطفى طلاس، فى حوار له مع صحيفة جزائرية فى إبريل 1996، اتهم الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، بتورطه فى قتل بومدين وأكد ثبوت تسميمه، فإن كلامه أخذ وقتها على أنه فى إطار الصراع القائم بين دمشق وبغداد، وفى آواخر ديسمبر 2007، شبه الرئيس الأسبق الشاذلى بن جديد، وفاة بومدين بما جرى للرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، فى نوفمبر 2004، أى أنهما قتلا بالسم، وعبر الجزيرة فى يونيو 2008 تحدث وزير شئون الرئاسة العراقية حامد الجبورى، حيث ذهب إلى تسميم صدام حسين للرئيس الجزائرى، بمادة الليثيوم قائلا: "لقد بدأ بومدين يضعف إلى أن تحول إلى شبح، وتساقط شعره وأصبحت عظام جسمه هينّة إلى الحد الذى باتت تُكسر بسهولة تامة". وواصل الجبورى مؤكّدا "أنا على علم بما أصاب الرئيس بومدين، ربما سُمِّم بنوع فتاك من أنواع السموم اسمه الليثيوم". وأضاف "لقد رأيت حالات مشابهة لحالته فى العراق، والموت كان مصير كل من تناول هذا السم"، وقيل أيضا إن هوارى بومدين شرب لبنا مسموما، حيث كان يدمن شرب اللبن وهذا السم أستقدم من تل أبيب. وقيل أيضا إن العاهل المغربى الراحل الحسن الثاني، كان على علم باختفائه قريبا عن المشهد الدنيوى، وقيل إن المخابرات الأمريكية كانت مستاءة منه جملة وتفصيلا، وقد أسهمت فى اغتياله، وادعى آخرون أن "بومدين قد قتل بطريقة غريبة، وكيفية اغتياله هى بواسطة شعاع تم تركيبه فى آلة تصوير عند تصوير ضرب شعاع فى عينيه، وقد تطور مرضه بالطول"، وقال نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عام 2006: «أعرف أن الرئيس الجزائرى هوارى بومدين مات مسموما بنفس الطريقة (طريقة عرفات)، لكن تم الكشف عن الأمر وهو فى طور التدهور، أى فى وضع المسموم وهو حى، قبل أن يصاب بالغيبوبة، وتم إبلاغ عدد من القيادات الجزائرية بذلك»، وعلى نفس الدرجة من كلمات حواتمة، جاءت شهادة أحد كبار القادة الذين رافقوا بومدين وهو العقيد أحمد بن شريف، الذى اطلع على وصف طبيب رئيسه قائلا: «كان الرئيس مريضا من جهازه البولى الذى كان يخرج دما»، وأضاف: «لقد أهديت الرئيس كلبين من سلالة دانماركية وقد ماتا مسمومين، لكن الغريب فى الأمر، أن الأطباء الروس وجدوا عند الكلبين نفس أعراض المرض الموجود.

.

ما قبل الوداع
فى روسيا لجأ الأطباء لطريقة حديثة للعلاج مع بومدين الذى كان برفقته زوجته السيدة أنيسة وهى طريقة "بلازما فورسيس" لمواجهة تراكم المواد الضارة فى الدم، فإن شبح رحيل بومدين كان قائماً فى أى لحظة بسبب نزيف فى المخ أو جلطة فى القلب، لذلك كان رأى القيادة الروسية أن يستمر علاج بومدين فى الجزائر، خوفا أن تكون وفاته فى موسكو لها رد فعل عدائى فى الوطن العربى والجزائر، واشترط بومدين أن يعود معه للجزائر فريق من الإخصائيين الروس لمواصلة العلاج، وهو ما تم فعلا، حيث عاد بومدين يوم 14 نوفمبر ومعه فريق من كبار الأطباء الروس، حيث تدهورت صحة بومدين فى الجزائر، وجاء أطباء آخرون من فرنسا وأمريكا وكوبا وبريطانيا، واليابان وألمانيا، والصين، والسويد، وكان قرارهم واحداً وهو أنه مرض غامض وكان العلاج واحداً من كل الفريق، فقد وقفوا عاجزين أمام مرض بومدين الغامض، بمن فيهم الطبيب السويدى الشهير "فاالدنستروم" الذى سمى المرض باسمه وهو الذى شخصه لبومدين، وكان القرار تقليص ساعات غسل الكلى يوميا، إلا أنه فى يوم 23 نوفمبر خرج بومدين من الغيبوبة لمدة 5 أيام غاب بعدها مرة أخرى عن الوعى، وهنا تأكد طبيبه السويدى المعالج أن " والدنستروم " فى مرحلته الأخيرة، وأن أى عمليات جراحية لإزالة تجلط الدم بالمخ لن تجدى، ومع أول ديسمبر 1978، دخل بومدين فى حالة غيبوبة كاملة وعميقة بعدما تجلط الدم فى شرايين المخ، وأما جسده الممدد على سرير العلاج كان حوله 62 استشارياً من أعظم أطباء العالم يراقبون جسده المرتخى، وقلبه الذى لا يزال ينبض، بينما باقى أجهزة الجسم متوقفة عن حركتها الطبيعية، ولكنها تعمل بأجهزة إعاشة حديثة، حيث كانت هناك كهرباء ضعيفة فى المخ، وبحلول يوم 18 ديسمبر، وعلى إثر نزيف داخلى مفاجئ تدهورت حالة بومدين، واختفت كهرباء المخ تدريجيا، وتحولت إلى خط بيانى مستقيم على شاشة جهاز قياس كهرباء المخ المثبت أعلى رأس بومدين، إلا أنه وبرغم المعدات الطبية الهائلة المتطورة وقتها، وبرغم جيش الأطباء من كل أنحاء العالم، فإن الحقيقة كانت أن بومدين ميت إكلينكيا منذ أول ديسمبر 1978، حتى فجر يوم 27 ديسمبر حينما توقف كل شىء فى الساعة الثالثة و22 دقيقة من فجر الأربعاء 27 ديسمبر أصبح بومدين فى ذمة الله، وفى مقبرة العالية دفن بومدين ومعه لغز وفاته إلى الأبد.

لغز أرملة بومدين!
أحمد طالب الإبراهيمى، وزير الخارجية الجزائرى الأسبق، كان هو الذى رافق بومدين إلى موسكو لتلقى العلاج، كما أنه هو الذى كان مكلفا بإخبار مجلس الثورة حول تطور مرض رئيس الجمهورية، وبوصفه وزيرا مستشارا بالرئاسة، قال للبعض إن بومدين تبول الدم فترة قصيرة بعد آخر لقاء لى به فى شهر أكتوبر 1978، وقد أكدت التحاليل التى أجريت بفرنسا، فى كنف السرية، خطورة المرض، كما أن الإبراهيمى وبوتفليقة نصحاه بالعلاج بفرنسا غير أنه رفض، لأنه كان شديد الحرص على سرية مرضه، كما قال الإبراهيمى إن الأطباء الروس ارتكبوا أخطاء فى التشخيص كانت لها آثار قاتلة، حيث من الثابت أنه كان مصابا بمرض فالدونستروم، مرض نادر جدا يصيب الجهاز الليمفاوى، وقد مات به بومبيدو قبله· تلك هى المعلومات الوحيدة التى بحوزتى "الإبراهيمى" ويستحيل على التفكير فى سبب آخر لوفاة هوارى بومدين". أما أرملته السيدة أنيسة والتى لا تزال على قيد الحياة، فقد كان تعليقها الوحيد لإحدى الصحف على وفاة زوجها، أن الملف الطبى لزوجها ما زال تحت خانة سرية، وهى لا تستبعد أن يكون قد اغتيل. وهذه أول مرة تؤكد أنيسة بومدين أن زوجها الراحل يكون قد قتل ولم يمت موتة طبيعية وفق التقارير الرسمية المعلن عنها منذ ذلك الحين.

شهادة استشارية المحكمة الجنائية الدولية
سئلت الدكتورة دينا شكرى، أستاذ الطب الشرعى وعضو اللجنة الاستشارية بمكتب المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية، ورئيس الرابطة العربية عن سم "الثاليوم" فقالت:
"بحسب أحدث ما وصل إليه العلم اليوم بعد 38 عاما من رحيل بومدين، فإن السمية الحادة للثاليوم تتمثل فى فقدان الشهية والقئ والإسهال والتغيرات الجلدية، بما فى ذلك فقدان الشعر والاضطرابات العصبية وضيق التنفس وفشل الجهاز التنفسى حتى الموت، كما أن بلع جرعة كبيرة منه تبدأ الأعراض المعوية بعد (1214) ساعة والأعراض العصبية بعد ( 5 – 2 ) أيام بينما فى حالة الجرعات الصغيرة قد تبدأ الأعراض بعد ثلاثة أسابيع والأعراض الأولية هى الغثيان والإسهال، أما الأعراض العصبية التى تبدأ فى الأيام الأولى فيه التنحل والصداع وجزر العصب الدماغى (خمول عصب العين , تحدج العين) والصرع وفقدان الوعى الجزئى والكامل، ويمكن أن يحدث انهيار الدورة الدموية والموت خلال (48 – 24) ساعة، ولكن عادة ما يكون سير الأعراض أطول ويبدأ فقدان الشعر بعد (12 – 10) يوما وهو مؤقت، كما أن الإمساك الشديد هو من الأعراض الشائعة أيضاً.
وتضيف د. دينا، كذلك أعراض فقدان السيطرة وحركات لا شعورية وألم المفاصل والعضلات ومرض الشيخوخة من الكآبة والأعصاب. ومن الممكن أن يحدث أيضا التهاب الأعصاب السيمبثاوية، كذلك من الأعراض الأخرى هو استسقاء الرئة وقرحة معدية والتهاب البنكرياس، وحتى يمكن أن تشبه حالات التسمم حالات الذبحة القلبية، وفى حالات نادرة يظهر خيط رفيع أزرق على اللثة، وفى الأظافر ويمكن أن تضطرب وظائف الكبد، وفى حالات التسمم بالثاليوم هناك الكثير من الأعراض الجلدية التى تتلف الغدد العرقية وما تحت الجلد، ويصبح لذلك الجلد يابساً وعليه قشور وانخفاض درجة الحرارة، ويمكن أيضا أن يرتفع ضغط الدم وتزداد دقات القلب بسبب الضرر الذى يصيب العصب العاشر، وتظهر على جهاز تخطيط القلب تغيرات مشابهة لما يحدث فى حالات انخفاض البوتاسيوم، ويمكن أن تحدث اضطرابات فى دقات القلب نتيجة تلف القلب بسبب الثاليوم ذاته.
سألتها وهل قتل بومدين بمادة "الثاليوم"؟
قالت: عظام جثة بومدين هى القادرة على فك شفرة وفاته بهذه المادة أو بأى مادة سامة أخرى كانت، لأن أملاح السم نفسه تتحلل مع الجثة، ويظل المعدن نفسه "الثاليوم" فى عظام الجثة لمئات السنين، وبالتالى فإن الأمر يتطلب عينة من رفات بومدين لكشف حقيقة وفاته مسموما أم لا، خصوصاً أن التقنيات الحديثة اليوم قادرة بسهولة على كشف ذلك بعكس ما كانت عليه قبل 38 عاماً.
قلت لها ولماذا ارتبط هذا السم بالعراق ونظام صدام حسين؟
قالت: كان نظام صدام حسين فى العراق يستعمل مادة الثاليوم للقضاء على معارضيه السياسيين، وأول عراقى أعلنت وفاته ضحية لهذه المادة القاتلة بلندن عام 1980 هو المرحوم مجدى جهاد صالح، عضو القيادة السرية لحزب البعث المعارض اليسار، كما اهتمت الأوساط الطبية والعلمية البريطانية بهذا السم الجديد، وأطلقوا عليه اسم «السم العراقى!» وتوالت حالات الاغتيال بالثاليوم مثل حالة السيدة سلوى البحرانى، حيث فارقت الحياة ولم تفد معها حالة العلاج بعد انتشار «السم العراقي» فى جسدها، فإن لندن استطاعت بعد ذلك إنقاذ حياة العديد من العراقيين ممن وصلت لهم أجهزة صدام وسقتهم ذلك السم الزعاف، فقد نجحت لندن فى إنقاذ حياة السياسى العراقى الكردى الدكتور محمود عثمان، وكذلك رفيقه السيد عدنان المفتي، والدكتور الجامعى حسين الجبورى، ورفيقه العقيد الركن عادل الجبورى وغيرهم، ممن استطاعت مخابرات صدام الوصول إليهم فى المنطقة الشمالية العراقية، أى ما كان يسمى بالمنطقة الآمنة لكردستان العراق!
39 عاما على وفاة بومدين الغامضة، ولا يزال لغز الوفاة يرقد فى رفات جثته فى قبره بوسط العاصمة الجزائر فى انتظار من يفتح القبر مرة أخرى بعد 39 عاما للكشف عن القاتل الحقيقى لبومدين!
فهل يفعلها أحد؟

.

3 أيام فى النعش
نام جسد بومدين 3 أيام فى قصر الشعب، مسجى دون حراك، فى نعش خشبى، لحين ترتيب أمور الجنازة، فإن خلافاً اشتعل بين قيادات الدولة حول مكان دفنه بعدما رأى البعض دفنه بمسقط رأسه، إلا أنه تم الاتفاق على الدفن بجوار زعماء الجزائر، والأمير عبد القادر محرر الجزائر، فى مقبرة العالية بوسط العاصمة الجزائرية، إلا أنه حدثت عشية الجنازة مفاجأة لم ينتبه إليها أحد، فقد توجه الدكتور محيى الدين عميمور، مساعد بومدين وبصحبته مولود حمروش، مدير التشريفات وقتها إلى مقبرة العالية لمعاينة موقع الدفن، حيث لاحظ عيميور والشمس تغرب أن قبر الأمير عبد القادر عكس اتجاه القبلة، وعلى الفور صدرت تعليمات بتغيير اتجاه دفن بومدين، ليكون تجاه القبلة، فى حين لا تزال كل قبور زعماء الجزائر الذين رحلوا قبل بومدين فى عكس اتجاه القبلة حتى الآن.
وفى صباح السبت 30 ديسمبر 1978، كانت أعداد البشر خارج القصر لتوديع بومدين حتى قبرة تفوق الخيال، كما أن رؤساء العالم الذين وصلوا إلى القصر صباح الجنازة لإلقاء نظرة الوداع على جثمان بومدين، كانوا بأعداد هائلة، حيث كان يقف كل منهم أمام الجثمان للترحم، ثم إلى سجل التعازى لكتابة كلمة، ثم إلى الباب الرسمى ليتجه إلى استراحة مقر إقامته، لحين انطلاق الجنازة الرسمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.