فى التاسع والعشرين من الشهر الجارى، ستحتضن منقطة البحر الميت بالأردن، أعمال القمة العربية العادية الثامنة والعشرين، التى ستنطلق أعمالها التحضيرية فى الثالث والعشرين من الشهر ذاته بداية بانعقاد كبار المسئولين والمندوبين الدائمين لدى الجامعة العربية، واجتماعات المجلس الاقتصادى والاجتماعى، ثم وزراء الخارجية وصولا إلى القمة ذاتها، وقد أنهت الحكومة الأردنية استعداداتها لاحتضان هذه القمة، بالتعاون والتنسيق مع الأمانة العامة للجامعة العربية وقد أعلنت مبكرا عن الإجراءات الأمنية المشددة التى ستصاحب انعقادها، وفى مقدمتها أنه سيكون هناك غلق أمني للمنطقة التي تُعقَد فيها يبدأ في الساعة الثانية من ظهر يوم الثلاثاء 21 مارس وينتهي في الساعة الثانية عشرة من ليلة يوم الخميس 30 مارس، و يشمل الأفراد والمركبات، ولن يسمح دخول هذه المنطقة خلال الفترة المذكورة إلّا لحاملي التصاريح الأمنية فقط. وفى سياق الإعداد لملفات القمة فقد عقدت خلال الفترة الماضية سلسلة من الاجتماعات لكل من المجلس الاقتصادى والاجتماعى للجامعة العربية على مستوى كبار المسئولين قبل ثلاثة أسابيع، وعلى المستوى الوزارى ثم مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين يوم الأحد الماضى، وعلى مستوى وزراء الخارجية يوم الثلاثاء الماضى، وفى ضوء هذه الاجتماعات، فإن ملامح الملفات والموضوعات التى ستطرح على القمة باتت واضحة المعالم، بيد أن الأردنيين يريدونها قمة غير تقليدية،وأن تكون قادرة على اقتحام المعضلات والأزمات العربية الملتهبة والتى لم تحقق أى مقاربة باتجاه التجاوز والحل، على الرغم من كل المساعى التى بذلت وما زالت إقليميا وعربيا، وللأسف غاب عنها الجهد العربى أو بمعنى أدق فرض عليه الغياب نتيجة عوامل تتعلق ببنية النظام الإقليمى العربى أو عوامل من خارج الإقليم.
30 بندا ووفقا للسفير أحمد بن حلى نائب الأمين العام للجامعة العربية، فإن مجلس الجامعة فى اجتماعات دورته الأخيرة (147 ) سواء على مستوى المندوبين الدائمين أم على المستوى الوزارى أقر 30 بندا، سيتم إدراجها على جدول أعمال قمة عمان تتنوع بين السياسى والأمنى والاقتصادى والاجتماعى، تتصدرها القضية الفلسطينية وتطوراتها والأزمات العربية في سوريا وليبيا واليمن والعراق ومكافحة الإرهاب، إلى جانب التدخل الإيراني والتركي في الشئون الداخلية للدول العربية والعلاقات العربية مع التجمعات الإقليمية إلى جانب ملف تطوير وإصلاح الجامعة العربية. وفيما يتعلق بتفاصيل الأزمات العربية، فإن الأزمة السورية ستطرح بجميع تطوراتها، لاسيما أن نائب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السفير عز الدين رمزيا كان قد قدم عرضا خلال لقائه أخيرا بمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين، وهناك تواصل دائم بين الجامعة العربية والجهود التي تقوم بها الأممالمتحدة عبر مبعوثها، وأيضا من خلال ما تقوم به روسيا ومبعوثها والذي التقى أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية الأسبوع قبل الماضى، وأطلعه على الصورة الكاملة للجهود سواء في الأستانة أم في "جنيف 4" والتى ستكون بدون شك موضعا للتقييم خلال القمة. فضلا عن ذلك فإن جميع معطيات الأزمة اليمنية ستطرح على القادة العرب ولن يخرج قرارهم بشأنها عن تأكيد الحل السياسي والسلمي والعودة إلى المفاوضات بحسبانها الأساس لحل الأزمة وضرورة العودة إلى الشرعية وتقدم المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة اليمنيين إلى جانب موضوع إعادة الإعمار في اليمن.
تقدير لمصر وتونس والجزائر وفيما يتعلق بالأزمة الليبية، فإنها ستحظى بالاهتمام، لاسيما أن ثلاثا من الدول العربية هى مصر والجزائر وتونس تقوم بجهود للمساهمة فى إيجاد حل سياسى لها، هى موضع تقديرالجامعة العربية، وقد تلقت الأمانة العامة للجامعة أخيرا البيان الذى صدر عن اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث بتونس قبل أسبوعين باعتباره إحدى الوثائق المهمة، بالإضافة إلى جهود المبعوث الخاص الذى عينه أبو الغيط لليبيا وهو الدبلوماسى التونسى صلاح الدين الجمالى وهنا تشير مصادر الجامعة إلى أنه يجرى العمل حاليا لإدخال بعض الصياغات التوافقية على "اتفاق الصخيرات" باتجاه بناء توافق وطنى حقيقي يحافظ على وحدة ليبيا وسلامتها، ويحول دون أي تدخل خارجي وفي الوقت نفسه يهيئ البيئة المواتية لمؤسسات الدولة للعمل بشكل طبيعي. وعلى صعيد الوضع فى العراق، فإن معركة تحرير الموصل وتقديم الإسناد له فى التصدى للإرهاب سيكون مطروحا بقوة على قمة عمان، وفى هذا السياق فإن الجامعة العربية ترى على لسان نائب أمينها العام السفير أحمد بن حلى، أن عودة العراق إلى التحكم في كل أراضيه وانتصاره العراق في هذه المعركة سيؤدي إلى تغيير الكثير من المفاهيم لدحر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في المنطقة، وأن معركة الموصل كانت نقطة مضيئة لتوحيد وتضامن الشعب العراقي والسير في مسار المصالحة وبناء الدولة العراقية.
ملف الإرهاب وبالتأكيد فإن ملف الإرهاب سيتصدر ملفات القمة العربية من خلال عنوانين: الأول يتناول محاربة الإرهاب على المستوى الدولي والتنسيق مع الأممالمتحدة وجميع المؤسسات والأطراف الأخرى للتصدي للإرهاب، باعتباره آفة، والعنوان الثاني بحكم أن الإرهاب خطر يهدد الأمن القومي العربي، حيث أصبحت التنظيمات الإرهابية تمس صميم الوحدة والنسيج الوطني للدول العربية والثقافة والتراث العربي، وهو ما جعله يمثل خطرا على الأمن الوطني لكل دولة وعلى الأمن القومي العربي. والمأمول من قمة عمان أن تعيد حساباتها، باتجاه تفعيل الدور العربى فى التعاطى مع هذه الأزمات، خصوصا أن القضايا العربية غابت عن الحسم العربي أو الموقف العربي، والتعبير للسفير بن حلى، والذى كشف - نتيجة إدراك مخاطر هذا الغياب - عن أنه تجرى حاليا إعادة النظر في كل هذه الأمور، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بالأزمة السورية، فإن عقد اجتماعات في الآستانة لقضية عربية ودولة محورية، مثل سوريا في ظل غياب عربي واضح هو أمر لايستقيم، مؤكدا أن دخول الدول العربية بجدية وقوة في هذه المسائل سيساعد على حلها، بينما الاتكاء في حل مشاكل المنطقة على الأطراف الخارجية يخرج عن التقدير السليم، والذى يكمن فى "أن تكون زمام الأمور بأيدينا كدول عربية وأن نحاول بلورة مواقف، وحتى لو كانت هناك خلافات، فإنه لابد أن يكون هناك قاسم مشترك وحد أدنى، للتعامل مع هذه القضايا التي تهم أمننا وحياتنا وكياناتنا. وهنا يحذر بن حلي قائلا:«إن انهيار سوريا أو بقاءها على هذه الحال يؤثر بشكل كبير على كل الدول العربية وعلى الجامعة العربية» متابعا القول: إن تلك الأزمات في سوريا وليبيا واليمن كلها تؤثر سلبا على مسيرة العمل العربي المشترك وعلى الموقف العربي وعلى الصورة العربية أمام العالم، وهو ما يستوجب أن يكون زمام القضايا العربية بأيدى الدول العربية. ويشدد بن حلي على أن الجامعة العربية ما زالت هى البيت الذي من الممكن في إطاره أن نصل إلى شيء حتى لو كان بسيطا، وذلك بالنسبة للتوافق وللتحرك المشترك وبالنسبة لصيانة أمن الدول العربية ،موضحا أن أمن أي دولة عربية على المستوى الوطني لاينفصل عن الأمن الجماعي "والجميع يدرك هذا.
الحسم العربى ويدعو نائب الأمين العام للجامعة العربية، إلى ضرورة إعادة الحركة وإعادة التفاعل والجدية والحسم للعمل العربي المشترك، وذلك للمساعدة في معالجة هذه الأزمات التي أصبحت عبئا ثقيلا على المنطقة، كونها خلفت وراءها أزمات كثيرة مثل المهاجرين والنازحين السوريين ومعاناة كل من الاْردن ولبنان جراء هذا التهجير. ويضيف بن حلي في هذا الشأن أنه على الرغم من أن بعض الدول العربية تقدم مساعدات لدعم اللاجئين السوريين، فإن هذا لايكفي بينما الأهم هو السعي لحل تلك الأزمات حلا سياسيا، ويؤكد مجددا أن الحل السياسي لهذه الأزمات هو الأنسب، مشددا على أنه لن تحسم أي أزمة في العالم العربي عسكريا، فالأزمات بدأت سياسيا ولابد أن تنتهي سياسيا، وبالتالى فإن الحل السياسي لهذه الأزمات سيساعد أيضا على تجفيف البؤر التي يحاول الإرهاب أن يتغذى عليها ويستفيد منها. والمؤكد أن القضية الفلسطينية ستكون على رأس جدول أعمال قمة عمان بحسبانها القضية المركزية العربية، على الرغم من التراجع الذى طالها من جراء تفاقم الأزمات الأخرى فى سوريا وليبيا واليمن والعراق، ولاشك أن ثمة تحديات جديدة فرضها وصول دونالد ترامب اليمينى، إلى رأس السلطة فى الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خصوصا فى ضوء ما نتج عن قمته الأخيرة مع بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء الكيان الصهيونى فى واشنطن، بالذات حيال القفز على حل الدولتين والانحياز لأطروحات الدولة العبرية فيما يتعلق بمشروعها للتمدد الاستيطانى الاستعمارى فى الضفة والقدس . القوة المشتركة ومن غير المتوقع أن تتم مناقشة ملف القوة العربية المشتركة، وهو المشروع الذى أقره القادة العرب فى قمة شرم الشيخ فى مارس 2015 لكنه تعرض للإجهاض المبكر، بعد أن بات قاب قوسين أو أدنى من التبلور، إثر سلسلة من الاجتماعات التى عقدها رؤساء أركان الجيوش العربية بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية والتبرير الوحيد الذى يقدمه مسئولو الجامعة هو أن الملف مازال محل دراسة وتشاور لأنه كبير وواسع وله أبعاد كثيرة ولكن ثمة خشية أن تكون هذه الدراسة والتشاور هما البوابة التى يتم من خلالها إخراج المشروع عن دائرة التنفيذ.
مساع كويتية وفيما يتعلق بالخلافات العربية العربية فهى إشكالية قائمة فى النظام الإقليمى العربى لم تخل منها مرحلة أو قمة وثمة جهود ومساع حميدة تبذلها الكويت، قبيل قمة عمان لإنهاء الخلافات العربية العربية وفقا لما أعلنه السفير عزيز الديحانى مساعد وزير خارجيتها للشئون العربية الأسبوع الماضى بالجامعة العربية، والذى كشف عن أن بلاده تسعى إلى تسوية الخلافات العربية – العربية وذلك فى إطار الجهود الذى يبذلها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لتنقية الأجواء العربية، ونبذ الخلافات بهدف تحقيق وحدة الصف العربى، مذكرا بالمواقف التى تبنتها القيادة السياسية الكويتية فيما مضى فى هذا الاتجاه وأفضت إلى خلق أجواء عربية مواتية خلال اجتماعات قمم سابقة خصوصاً التى عقدت فى الكويت.
ملفات الاقتصاد إلى جانب ذلك، هناك ملف الاستثمار في الدول العربية والدعوة إلى حث المجلس الدول العربية غير المصادقة على الاتفاقية الموحدة لاستثمار رءوس الأموال العربية المعدلة، إلى سرعة التصديق على الاتفاقية لوضعها موضع التنفيذ. والمرتقب من قمة عمان أن تشكل قوة دفع إضافية باتجاه تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، وتفعيل التنسيق بين المؤسسات في مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تقع ضمن أولويات الدول العربية، سعياً لتسهيل التبادل التجاري البيني وتنشيط الاستثمار في المنطقة العربية، والنهوض بالاقتصادات والمجتمعات العربية لتتبوأ مكانتها المستحقة عالميا.