منذ سنوات طويلة كان صوتها يطل عذبا عبر ميكروفون القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، كان ل"هنا لندن" بصوتها وقع خاص. في زمن كان أثير الإذاعة رفيقي الأول، كان لعفاف جلال حضور خاص بلا شك. في تلك الأيام من أوائل التسعينات من القرن الماضي كان القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية يضم مجموعة من الأساتذة الكبار، بأدائهم الإعلامي الراقي، وكانت القديرة عفاف جلال واحدة من هذه النخبة، أذكر أنني كنت أستمع لأحد البرامج التي تشارك آخرين في تقديمها، وربما كان ذلك في بدايات التحاقها بالقسم العربي؛ إذ كان من تقاليد نطق اللغة العربية التي اعتمدها القسم "تعطيش الجيم"، ووشت لكنة عفاف - مع خالص التقدير وحفظ الألقاب- بمصريتها، وهي القادمة من "صوت العرب" الإذاعة المصرية العربية العريقة، فنطقت الجيم دون تعطيش كعادة كثير من المصريين واليمنيين، فبادرت زميلتها في تقديم الفترة ونبهتها، فأعادت الجملة بتعطيش الجيم، وتكرر المشهد مرتين تقريبا قبل أن ينتقل البرنامج لعرض الصحف البريطانية، وكانت البداية مع صحيفة الجارديان، فنطقتها عفاف بتعطيش الجيم، لتتعالى الضحكات في الاستديو، وتنضم عفاف نفسها إلى الضاحكين، لتنبه بعدها الجميع، وبرشاقة لافتة ودون تصريح إلى أن هناك خللا في "أسلوب" (بي بي سي) في التعامل مع العربية، ففي حين يتم تعطيش كل "جيم" في العربية بغض النظر عن المسمى المنطوق المتداول، كأن تنطق أهرامات الجيزة مثلا بتعطيش الجيم، فيما ينطقها معظم قاطني القاهرة دون تعطيش؛ يسمح بإدخال الجيم غير المعطشة في الكلمات المستعارة من الإنجليزية كما في حالة اسم صحيفة الجارديان، ربما خففت (بي بي سي) من قيودها في هذا الشأن فيما بعد، إلا أن الواقعة لا تزال حاضرة في ذاكرتي بعد كل هذه السنوات. المشهد الثاني الذي لازال عالقا في ذاكرتي كان الحوار الذي أجرته عفاف جلال مع الصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، وطالعته هذه المرة مطبوعا على صفحات مجلة "المشاهد" التي أصدرها القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية ربما في العام 1995، وكان من أكثر الحوارات التي قرأتها أو ترجمتها -فيما بعد- مع هيكل امتناعا، وربما كانت تلك المرة الأولى التي أشاهد فيها صورة للمذيعة القديرة. مرت سنوات وسنوات، وقابلت من "رموز" الإعلام أساتذة كثيرين، وكنت أرجو أن تكون منهم، إلا أن القدر لم يحقق رجائي لأقرأ اليوم نعي الأستاذ والصديق خليل فهمي، للراحلة الكبيرة، رحم الله عفاف جلال.