عاطف صقر - المفاوضات حول القدرات النووية الإيرانية وتأثيرها على الدول العربية الخليجية، والجدل فى مصر حول جدوى الطاقة النووية، والاستعدادات الجارية لعقد أول مؤتمر يمهد لانطلاق مسار التفاوض حول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، دفعت إلى حوار مع السفير وائل الأسد، مدير إدارة العلاقات المتعددة الأطراف- المختصة بالأسلحة والقدرات النووية - بالجامعة العربية. ما تقديركم للجدل حول إمكانية توفير الأمان النووى بالدول العربية؟ الحوار حول تأمين المفاعلات النووية حوار إيجابى لكن يجب أن يكون مبنيا على تقييم حقيقى وليس على توجهات سياسية، وهناك البعض يرى أن تدخل دولة –مصر مثلاً – مجال التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية لأن هذا سيرفع من المكانة الوطنية والدور الإقليمى والدولى للدولة، فى حين يعارض البعض الأمر تخوفاً من انعكاسات الأمن والأمان النوويين، وما نحاول أن نقوله إن الخبراء يعلمون تماماً أن مفاعل تشرنوبيل الروسى وما حدث فى اليابان أمران مختلفان عن بعضهما تماماً، كان جيلاً متخلفاً من المفاعلات، فى حين يوجد الآن جيل آمن تماماً من المفاعلات حتى بعد الكارثة النووية التى حدثت فى اليابان لا توجد مشكلة نووية ولا يوجد إشعاع نووى أو انفجار، هناك آثار أخرى ومع ذلك فاليابان مستمرة فى إقامة مفاعلاتها وبرامجها النووية، لذلك علينا أن نعلم أنه إذا اتخذت الإجراءات السليمة المتعلقة بالأمن والأمان النوويين مع وجود الجيل الرابع من المفاعلات النووية، فإن نسبة الخطر تكاد تقترب من الصفر. ومصر كانت من الدول المؤهلة لتطوير قدراتها النووية منذ الثمانينيات ولكن -للأسف- تم استغلال حادث تشرنوبيل وتم اتخاذ قرار سياسي بعدم الدخول فى هذا المجال، مما أراح قوى دولية كانت تقلق من امتلاك مصر هذه القدرات. ومن وجهة نظرى الشخصية، فإنه كان خطأ كبيراً ألا تدخل مصر هذه التجربة وتكون لديها الكوادر وتمتلك التكنولوجيا وتعمل على تطويرها، فمصر من أكثر الدول المؤهلة فى المنطقة للدخول فى هذا المجال بحكم تاريخها وخبراتها والكوادر البشرية لديها. والآن نحن فى أوائل قرن جديد ونبدأ ما كان يجب أن يحدث فى الثمانينيات، فلدينا من الخبرات وما يؤهلنا أن ندخل الآن وفوراً هذا المجال، لكن فى الوقت نفسه لابد أن توفر مصر المطالب اللازمة لذلك من استثمار كبير فى البشر والمال وفى قضية الأمن والأمان، حيث إن الأمن والأمان ثقافة ويجب أن تدار بثقافة غير تلك السائدة فى العالم العربى والتى فيها نوع من «الراحة» فى إجراءات الأمن، لكن القضية النووية ليس فيها «هزار» فى الأمن والأمان، وعلى مصر أن تقيم الأمن والأمان بمستوياته الدولية،مما سيحول دون وجود أى مخاطر أو مخاوف.والخلاف حول منطقة الضبعة الواقعة على الساحل الشمالى المصرى المطل على البحر المتوسط ليست له علاقة بالموضوع النووى. الخلاف يدور ما بين أن نستثمرها سياحياً أو غيره، وتغيير موقع الضبعة سيعيد مصر عشر سنوات إلى الوراء حتى يمكن تحديد موقع مكان آخر وإعداد الدراسات. بالنسبة لتقييم الوضع النووى الإيرانى واحتمالات مخاطره على دول الخليج المجاورة.. ما تقديركم للموقف؟ التقارير متضاربة حول القدرات النووية الإيرانية، حتى إسرائيل نفسها خففت من احتمالات حصول إيران على سلاح نووى خلال فترة قصيرة، وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى الفترة الأخيرة كانت تشوبها شبهة سياسية، وفى الوقت نفسه هناك قلق حقيقى مشروع، خصوصاً من الدول العربية والقريبة من إيران، خشية أن يكون البرنامج النووى الإيرانى متجهاً وجهة عسكرية. لذلك لابد من وجود نوع من الشفافية ولابد من حسم هذه القضية. والمثير للقلق الآن أن الحوار الجارى مع إيران المعروف باسم (5+1 ويضم الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا +ألمانيا) يتم بمعزل عن مشاركة إقليمية ولا توجد دول عربية مشاركة فى هذا الحوار، وهذا خطأ كبير من وجهة نظرى. وأعتقد أنه لابد -على الأقل- أن يكون مجلس التعاون الخليجى طرفاً مستمعاً فى هذه المفاوضات، لأن أى اتفاق سيتم لن يكون حول الملف النووى فقط وإنما سيكون أيضاً حول الدور الإيرانى فى المنطقة. لذلك يجب أن يكون الجانب العربى فى صورة ما سيتم من اتفاق مع إيران بهذا الصدد.أما اتجاه قضية الملف النووى الإيرانى، فنلاحظ أن الآمال ترتفع وتنخفض، وأعتقد أن اللعبة ستطول إلى حد ما ولن تحسم، واحتمالات الضربة العسكرية أعتقد أنها - مؤجلة إلى أمد بعيد. هناك أنباء عن محاولات أمريكية-إسرائيلية لعرقلة عقد مؤتمر عام 2012، حول بدء الاستعداد لنزع الأسلحة النووية، فما معلوماتكم عن الاستعداد لعقد المؤتمر والعراقيل التى يتم وضعها أمامه؟ الدول العربية نجحت فى نقاط مفصلية. ومن بين ذلك أننا دخلنا فى مفاوضات خلال شهر كامل فى مؤتمر 2010، لمراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وحصلنا فى الوثيقة الختامية للمؤتمر على التزام دولى بالتحرك لتنفيذ ما يعرف بقرار منطقة الشرق الأوسط الداعى إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، أى أن الأمر لم يعد مطلباً عربيا كما كان من قبل .هذا الالتزام كلف من خلاله المجتمع الدولى الأمين العام للأمم المتحدة والدول الثلاث لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وروسيا) بتنظيم مؤتمر فى ديسمبر 2012، حول إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. وتشارك فى المؤتمر كل دول المنطقة، أى الدول العربية وإسرائيل وإيران. وسيكون المؤتمر بمثابة بداية مسار يؤدى إلى إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية. وهذه المرة الأولى، بعد مطالبات استمرت عقوداً من الزمن، يتم وضع آلية لتنفيذ هذه المبادرة التى كانت عربية فى أصلها وتحولت إلى التزام دولى. والآن دخلنا فى مرحلة التفاوض حول شكل المؤتمر والحاضرين فيه، والنتائج التى ستخرج منه والخطوات اللاحقة، بما أنه بداية مسار. هذه الأمور تخضع للألعاب السياسية لأن الولاياتالمتحدة وإسرائيل ترغبان فى التخلص من هذه القضية والتملص منها والخروج منها لأنهما لا يرغبان فى أن تدخل إسرائيل فى مسار تفاوضى حول إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، لأنه سيسبب لها إحراجاً دولياً شديداً. ولهذا اعتبر أن الدول العربية تحقق نجاحاً فى التفاوض النووى لأن هناك تنسيقاً كبيراً فى هذا المجال، حيث تتحدث بصوت واحد بعد التنسيق فى الجامعة العربية حول هذه القضية» وأنشأنا آليات تعد الدول العربية للتفاوض بشكل إيجابى». وتتناول هذه الآليات الجوانب الإجرائية بمعنى تحديد الحاضرين وكيفية التصويت وغير ذلك من الأمور.كما تتناول الجوانب الموضوعية مثل تحديد المنطقة الخالية من الأسلحة النووية التى سيتم إنشاؤها وكيفية التحقق من إخلائها وغير ذلك من الأمور. أما المسار السياسى الذى هو مجابهة بين الدول العربية وبين الدول التى لا ترغب فى عقد المؤتمر، فهو مهم جداً. فقد تبين لإسرائيل أن هناك صعوبة شديدة ستواجهها إذا أرادت عدم حضور المؤتمر, حيث ستتعرض للإدانة مثلاً بأنها تعرقل إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل .ولم تحدد إسرائيل موقفاً حتى الآن من حضور المؤتمر، وكذلك لم تحدد إيران موقفاً. ونحن نعتقد أن الموقف الإسرائيلى ومعه الموقف الإيرانى بعدم الإعلان يهدف إلى الحصول على أكبر قدر من المكاسب مقابل حضور كل منهما.وهذه المكاسب –فى إطار اللعبة السياسية- تعنى سياسياً محاولة تغيير بنود جدول الأعمال أو صياغة المؤتمر بحيث لا يسبب إحراجاً لإسرائيل وهكذا. والمفاوضات جارية، والدول العربية تعمل بأطراف متعددة استعداداً لها. فهناك لجنة عالية المستوى داخل الأمانة العامة للجامعة العربية، والاجتماع الوزارى العربى الاستثنائى الأخير ناقش خلاله الوزراء -لأول مرة- بالتفاصيل مدى استعداد الدول العربية لذلك المؤتمر غير العادى، لأنه سيؤدى إلى مسار تفاوضى يتناول قضية مرتبطة بالأمن الإقليمى، فهو ليس مؤتمراً عادياً يتم إلقاء الخطب فيه وينفض. كما ننسق استعداداً للمؤتمر مع المجموعات العربية فى واشنطن وفيينا ونيويورك وجنيف ولاهاى .وهذه الجهود تهدف إلى الاستعداد عربياً. وهدفنا عدم السماح للأطراف التى تريد تأجيل المؤتمر أن تؤجله، بحيث لا يستطيع أحد أن يلوم الدول العربية بأنها كانت السبب فى عدم انعقاد المؤتمر.والمجتمع الدولى عليه مسئوليات محددة، لذلك نسألهم: ماذا فعلتم؟ والوضع الآن يسير بشكل إيجابى فيما يتعلق بالتحضير لعقد المؤتمر.ونأمل أن ينعقد فى موعده، ونبدأ فى مسار تفاوضى منذ الآن وحتى 2015، وننتهى منه بعقد اتفاق أو معاهدة بجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. قرأت أن هناك تنازلات عربية لتشجيع إسرائيل على حضور المؤتمر، فما حقيقة ذلك؟ على العكس تماماُ، نحن نبهنا الدول العربية عندما سمعنا أن هناك محاولات لتعديل جدول الأعمال بإضافة موضوعين عليه. الموضوع الأول يتعلق بإجراءات بناء الثقة وهو مدخل لعمليات التطبيع دون أن يدفعوا - الإسرائيليين- ثمناً له. يقولون: دعونا نقوم بإجراءات لبناء الثقة حتى تثق إسرائيل فى أمنها، ثم بعد ذلك ندخل فى التفاوض. الموضوع الثانى، الذى يطرحونه، هو إدخال ما يتعلق بالأمن الإقليمى بدعوى أنه لا يمكن أن نتحدث عن معاهدة لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية دون أن نعالج ما يتعلق بقضايا الأمن الأخرى، لأن هذه ليست قضية فى فراغ؛ وهو حق يراد به باطل. لذلك كان الموقف العربى واضحاً، وهو أن أى إجراءات لعمليات لبناء الثقة لاتتم قبل مؤتمر 2012، ولكن يمكن أن تخرج بعد المؤتمر بإجراءات لبناء الثقة تتعلق بالمنطقة الخالية وليس بقضايا أخرى مثل التطبيع. ونحن نرفض إدخال الأمن الإقليمى فى المؤتمر ما عدا ما يتعلق بإنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. ويساعدنا على ذلك أن الوثيقة الصادرة عام 2010، تحدد صلاحيات ذلك المؤتمر وإطاره الذى يتعامل مع منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، وليس مع الأمن الإقليمى. وكنا واضحين بشأن أن إدخال قضايا الأمن الإقليمى على جدول الأعمال سيعرقل وسيعطل وسيزيد الملفات المعقدة تعقيداً، وبالتالى هذا الإدخال يهدف إلى إفشال المؤتمر.ومازال الحوار قائماً حول هذه القضايا، فى إطار اللعبة السياسية لمحاولة تفريغ المؤتمر من أى مضمون عملى، ونحن فى المقابل نعمل جماعياً، وهو ما يدعم القوة التفاوضية للدول العربية بدلاً من التفاوض الفردى الذى يضعف قوة الدول ويزيد من الضغط عليها. وأنا متفائل بأن الدول العربية تعمل بحرفية وبرؤية سياسية وتعمل بفهم حقيقى لعملية التفاوض، حتى إن هناك أوراقاً عن كيفية التفاوض حول هذه القضايا. عقدتم اجتماعاً بين مراكز بحثية وبين صناع القرار فى الأمن العربى، فما أهم نتائجه؟ الجامعة العربية رأت أن العلاقة ضعيفة بين مراكز الأبحاث وبين مراكز صناعة القرار، لذلك رأت أن تعقد اجتماعاً تجمع فيه بين أهم مراكز الأبحاث العربية التى تعمل فى مجال الأمن الإقليمى وبين كبار المسئولين صانعى القرار فى المجال النووى للتنسيق والتعاون، وكان الاجتماع إيجابيا. فقد اهتم كبار المسئولين بأن تقوم هذه المراكز بعمل أبحاث تساعدهم فى اتخاذ القرارات بشكل علمى، فى الوقت الذى يتاح فيه لمراكز الأبحاث ألا تعمل فى فراغ، وأن تخدم المصلحة العربية الجماعية بما لديها من حرية التفكير غير المتوافرة لصانع القرار المقيد بسياسات معينة. نتج عن هذا اتفاق مجموعة من المراكز البحثية على تشكيل شبكة فيما بينها تقوم على خدمة صانع القرار بالأبحاث المطلوبة فى هذا المجال سواء للإعداد لمؤتمر 2012، أم فى المراحل التالية له. ونأمل أن ندعم هذه الشبكة لتزيد وتربط ما بين الباحثين وصناع القرار مما يجعل القرارات مبنية على رؤية إستراتيجية.