بعد سبعة أشهر ولت وانقضت.. تغير فيها الحال.. ولأن دوام الحال دوما من المحال إلا ما كان يسكن القلب ولا يفارقه من مشاعر وأحاسيس وما كان يتربع علي عرش الفؤاد ولا يبارحه من حب ومودة.. وددت لو أخاطب مصر الغالية, تاج العروبة الأشم, عبر بريدكم المحبوب, بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن شريحة عريضة من أبنائها العاملين خارجها, والذين أجبرتهم الحياة علي الاغتراب,عنها إما بحثا عن سبل المعيشة الكريمة لذويهم, أو لغيرها من أسباب السفر والترحال, قبل وأثناء الثورة.. رسالة قد تحمل نبض الملايين من أبناء الوطن الغالي القابعين بعيدا عن دفئها.. همسات حب وعرفان سطرتها الأفئدة قبل الأقلام.. انسابت معانيها عبر عقولهم في صمت وامتزجت بحواسهم وأفكارهم وجري رسمها علي الشفاه وعبرات العيون.. نعم, هي رسالة من ابن مصر المغترب إلي درة الأوطان في أحرج فترات تاريخها الحديث.. فمصر التي ارتوت من نبع نيلها دماؤنا وسري عشقها في وجداننا.. وتنسمت أرواحنا شذي عطرها الآخاذ.. اسمرت وجوهنا شمسها.. وخلبت قلوبنا بضيها وليلها.. عشنا فيها وسنعيش فيها ما مضي وما بقي من أعمارنا.. حملنا حبها في سويداء القلب حتي في بلاد الغربة.. تغنينا بشعبها في كتاباتنا وأشعارنا.. فهي أجمل بقاع العالم قاطبة وأكثرها تأثيرا وثقلا.. الملقبة بأرض الكنانة وأم الدنيا..صاحبة المجد التليد الضارب في عمق الزمن.. نذكر اسمك يا مصر.. ترتفع الرؤوس وتشرئب الأعناق فخرا وعزة, وتعانق القلوب سعادة لا توصف بانتمائنا إليها.. إلي أرضك الطيبة التي اهتزت الدنيا لثورتها ومازالت.. لا أظن أحدا يلومني أو يلوم نفسه أبدا في حبك يا مصر فلا عتب علي طائر رحال يذكر عشقه الجميل الذي احتواه صغيرا وأدرك فيه معني الحياة والحب ودفء الوطن.. مهما أخذته أجنحته القوية بعيدا في الآفاق.. أو رأي في غيره من الأوطان ما يبهر العين ويخلب اللب ويأسر المشاعر.. ومازلت يا مصر صفحة مشرقة من صفحات الحياة لا نستطيع طيها أبدا.. بل نقف عندها ونتأمل سطورها وحروفها.. في جمال تعبيراتها.. تأخذنا إلي عالم مليء بالأمل.. مفعم بالحب والطمأنينة.. انني وكل أبنائك من المغتربين نقبل جبينك مقرين بأخطائنا وزلاتنا.. فمع وجود الفاسدين القلة.. توجد الكثرة الذين يحملون همك, ويأخذون علي عاتقهم سموك ورفعتك.. يحلمون بمصر رائعة خالية من المستغلين وسارقي أقوات الشعوب.. نحلم بك دولة ليس لها نظير علي خارطة الدنيا.. لذا سيعود كل ذي عمل إلي عمله لنبني ونعمر أرضك من جديد.. نحمل الخير والفضل الذي ورثناه منك إلي أجيالنا القادمة.. فقد انتهي وقت الكلام وبدأ العمل الحقيقي الجاد.. مازلنا يا مصر بخير مادام فينا شباب ثوار اجتمعوا تحت رايتك التي كانت تخفق مع دقات قلوبهم وأصوات حناجرهم.. عزموا علي تطهير ثراك من وباء طال أمده وانتشر أثره علي أرضك النبيلة.. سقط بعضهم شهداء نحسبهم كذلك ولا نزكيهم علي الله فتحية إعزاز وإكبار إليهم في دورهم.. ولذويهم الذين صاروا مثالا وفخرا لكل أسرة مصرية أنجبت رجالا شرفاء ازدان بهم حاضر ومستقبل هذا الوطن.. وها هو القدر يبتسم لهم ولنا.. يسجل لهم التاريخ بين مدوناته الخاصة تلك الوقفة التي ستظل تحاكيها الأجيال لقرون تالية.. لم يكن أكثرنا تفاؤلا في الداخل والخارج يحلم بنصف ما حدث ويحدث, ولكنها أقدار الله وسننه في خلقه كان وراءها عزيمة شعب وإرادة جيل ودعوات مظلومين وأمنيات حياري ونفرة مضطهدين.. وقفة ذابت علي أثرها جبال الظلم والقهر وصارت واحة غناء وارفة تغمرنا جميعا وإن أحاطت بها الأشواك والعواصف لفترة.. فعزيمة أبنائها دوما علي قهر المستحيل لا تلين ولا تبيد. تحية عطرة من أبناء مصر العاملين بالخارج لكل من أسهم ولو بكلمة في ارساء رياح التغيير والتي أوقدت الشموع الجميلة وأينعت بها الزهور التي كادت تقتل وتموت في كل الربوع.. فقد عزفت مصر بأبنائها وشعبها لحنا خلابا علي قيثارة الحب والتلاحم أذهل العالم أجمع. وكتبت شهادة ميلاد جديدة لكل المصريين ليتناسوا الشر وسوء الأخلاق فيما بينهم ويبدأوا مرحلة أخري تحمل في طياتها الأمل.. كل الأمل. فلتبق يا مصر قريرة العين والخاطر.. فنحن حراسك وجنودك الأوفياء.. ساهرين علي حماك ما بقي فينا نبض يتردد أو عرق ينبض.. فأنت الأرض والعرض والأمل القادم بإذن الله. محمود سليمان مهندس مدني مقيم بالسعودية [email protected]