رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 15-5-2024 في البنوك    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 15 مايو    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 15 مايو 2024    وزارة المالية تعلن تبكير صرف مرتبات يونيو 2024 وإجازة عيد الأضحى تصل إلى 8 أيام    اليوم.. مترو الانفاق يبدأ تشغل عدد من المحطات الجديدة بالخط الثالث    ارتفاع عدد قتلي الجيش الإسرائيلي إلى 621 بعد مقتل جندي في غزة    «وزراء العمل» يطالب المنظمة العربية بالتعاون لتنمية قدرات الكوادر العاملة في دول التعاون الخليجي    فلسطينيون في إسرائيل يطالبون بحق العودة في ذكرى النكبة    عاجل.. وفاة والد نجم الزمالك قبل أيام من نهائي الكونفدرالية    «التعليم»: ضرورة تسجيل طلبة الثانوية العامة بياناتهم على ورقة البابل شيت    الطقس اليوم الأربعاء حار نهارا بأغلب الأنحاء وشبورة والعظمى بالقاهرة 30    مواعيد القطارات على خطوط السكك الحديد الأربعاء 15    وسيم السيسي: 86.6% من المصريين لديهم جينات من أسرة توت عنخ أمون.    «تغيير تاريخي واستعداد للحرب».. صواريخ زعيم كوريا الشمالية تثير الرعب    حكم طواف بطفل يرتدي «حفاضة»    بسبب الدولار.. شعبة الأدوية: نطالب بزيادة أسعار 1500 صنف 50%    مرصد الأزهر يستقبل وزير الشؤون السياسية لجمهورية سيراليون للتعرف على جهود مكافحة التطرف    تقسيم الأضحية حسب الشرع.. وسنن الذبح    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    الإعلان عن أول سيارة كهربائية MG في مصر خلال ساعات    امرأة ترفع دعوى قضائية ضد شركة أسترازينيكا: اللقاح جعلها مشلولة    عرض فيلم Le Deuxième Acte بافتتاح مهرجان كان السينمائي    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15 مايو في محافظات مصر    اجتياح رفح.. الرصاصة الأخيرة التي لا تزال في "جيب" نتنياهو    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    نانسي صلاح تروج لأحدث أعمالها السينمائية الجديدة "جبل الحريم"    سمسم شهاب يترك وصيته ل شقيقه في حال وفاته    «تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    أفشة: سأحقق البطولة الرابعة إفريقيا في تاريخي مع الأهلي.. واللعب للأحمر نعمة كبيرة    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    بسبب الخلاف على إصلاح دراجة نارية .. خباز ينهي حياة عامل دليفري في الشرقية    وليد الحديدي: تصريحات حسام حسن الأخيرة غير موفقة    شوبير: الزمالك أعلى فنيا من نهضة بركان وهو الأقرب لحصد الكونفدرالية    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    الأزهر يعلق على رفع مستوطنين العلم الصهيوني في ساحات المسجد الأقصى    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    كاف يهدد الأهلي والزمالك بغرامة نصف مليون دولار قبل نهائي أفريقيا | عاجل    بوتين: لدى روسيا والصين مواقف متطابقة تجاه القضايا الرئيسية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    تحرير 31 محضرًا تموينيًا خلال حملة مكبرة بشمال سيناء    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    «أفريقية النواب» تستقبل وفد دولة سيراليون في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطرق الصوفية‏ هل تصبح فرس رهان في السياسة
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 08 - 2011

سواء نجحت الطرق الصوفية في تنظيم مليونية الجمعة اليوم أو تراجعت عنها أو لم تنجح في تنظيمها‏,‏ فإن أصداء الرسالة التي تركتها دعوة عدد من الطرق الصوفية لعقد مليونية في ميدان التحرير تحت شعار في حب مصر المدنيةس() سوف تتفاعل في الواقع السياسي المصري لفترة ليست بقصيرة, لما نبهت إليه إمكانية عقد هذه المليونية من أهمية هذا الجسد الصوفي المترهل الزاهد في الحياة فيما لو قرر دخول معترك العمل السياسي, وذلك يدق أجراس إنذار علي أبواب مختلف القوي السياسية في مصر, ويمثل اختبارا للجميع بشأن مدي القبول بقواعد الديمقراطية.
فهل يمكن للطرق الصوفية أن تمثل فعلا فرس رهان في السياسة المصرية في ظل ثورة25 يناير, في تناقض تام مع ماضي الصوفية المعتكف الزاهد الهائم في العشق الإلهي, أم أن الحديث عن تعاظم الدور السياسي للطرق الصوفية هو أمر مبالغ فيه, ولا يمكن تحققه بالنظر إلي خصوصية المعتقدات الصوفية التي تهدد السياسة بإخراجها إلي الحياة وهجرانها عالم المناجاة الغيبية والروحية؟ وهل من الأفضل مشاركة الطرق الصوفية في السياسة؟, وكيف يمكن أن تشارك وأن تؤثر إيجابيا؟, وكيف سيكون شكل السياسة في مصر في ظل مشاركة الطرق الصوفية؟.
لقد فتحت أصداء دعوة المليونية الصوفية آفاقا جديدة للتفكير والخيال بشأن مستقبل علاقة: الديني بالديني, والديني بالسياسي, والسياسي بالسياسي في مصر, وأكدت ملابسات الدعوة ومساجلاتها بين الطرق الصوفية ومشايخها أن الأوضاع بعد25 يناير تتجه لإفراز معادلات ضبط جديدة بين القوي السياسية والمدنية, هي في أساسها إيجابية تماما, حيث تضبط القوي والمصالح المختلفة ذاتها بذاتها علي نحو تلقائي, دون دور سلطوي من الدولة; فعندما تختل كفة الميزان بين القوي المتنافسة علي نحو يضر بالحياة السياسية, يفرز المجتمع تلقائيا من القوي من يتصدي للتيارات الجامحة التي تغتر بالقوة, أو تسعي لاختطاف الدولة بمعزل عن باقي الشركاء في الجماعة الوطنية. ويبدو أن هذه الحالة لإفرازات القوي الجديدة سوف تستمر حتي تنضبط التوازنات المدنية والسياسية وتستقر, وحتي تتوصل القوي المدنية إلي قناعات راسخة بأنه في مصر الجديدة لا مجال إلا للقبول بالآخر والتعايش معه, مهما كانت درجة الاختلاف, هكذا كان البعث السياسي الراهن للصوفية رد فعل تلقائيا تاما علي غزوة السلفية علي الواقع المصري وعلي ميدان التحرير, وإسنادا للقوي والتيارات الليبرالية والقبطية, وذلك أمر لم يكن متخيلا في مجمله قبل سنوات.
فخلال العقود الستة الماضية ظلت جماعات الإسلام السياسي في صدارة التعبير عن التمثيل الديني والهوية الدينية لمصر, دخلت لأجله في صراع ممتد مع النظام, وذلك حصر علاقة الإسلاميين بالسياسة في أركان وزوايا خاصة انعكست بالسلب علي الدولة المدنية. بينما نبه مجرد تلويح الطرق الصوفية بالدعوة للمليونية إلي حقائق جديدة ظلت غائبة طيلة عقود. فالطرق الصوفية التي تبلغ77 طريقة وبحجم أعضاء يتجاوز10 ملايين طبقا للمصادر الصوفية , تشير إلي كتلة بشرية وسياسية مهولة, لا تزال مجهولة من ناحية: الفكر السياسي, وأنماط السلوك المحتمل, وأدوات التفاعل البيني, ومن شأنها نظريا إن قررت دخول عالم السياسة بعد الثورة أن تقلب معادلات القوي المستقرة وغير المستقرة في مصر. لقد بقيت الطرق الصوفية مستكينة راضية بما سمح لها به النظام السابق من حرية ممارسة الطقوس الخاصة, ومستغنية عن السياسة والاهتمام بها والتثقيف فيها, وعلي مدي السنين جسدت الموالد الشعبية للطرق الصوفية والارتماء في أحضان أضرحة الأولياء والأوراد الليلية الجماعية, بدائل روحية لها عن الانغماس في السياسة والحياة, وفجرت ينابيع للصفاء الروحي في الذاكرة الجمعية لأتباعها في القري والريف وفي الدلتا والصعيد.
من هنا يعد تفكير بعض الطرق الصوفية في عقد مليونية بالتحرير خروجا علي الإرث الصوفي في التعامل مع الدنيا, وهو أمر يرسي لقاعدة جديدة في الحياة السياسية, وهي أنه من الآن فصاعدا قد تتجه الطرق الصوفية إلي دخول معترك السياسة أو علي أقل تقدير تقف قريبة منه ترقب الأوضاع وتؤثر في معادلات السياسة وموازين القوي; إنها من الآن لن تكتفي بالاعتماد علي ما بينها وبين الدولة من عقد ضمني يضمن لها حرية معتقداتها وممارسة طقوسها ويصون المقامات الرفيعة لمشايخها, وإنما ستتجه في هذا الشأن إلي تأمين حريتها من خلال التحالف مع القوي المدنية والسياسية. وفي ظل ما بدا من خطر كامن علي العقائد والممارسات الصوفية من جانب السلفية, يبدو أن هذه الطرق والجماعات تقترب من الإبحار في محيط السياسة الآسن.
ولكن يعترض الصوفية في عالم السياسة الكثير من العراقيل, التي تبعدها عن أن يصبح لها وزن سياسي حركي فاعل; فالطرق الصوفية مختلفة, وتصل الاختلافات بينها أحيانا حد التشهير المتبادل, واتهام بعضها بعضا بالتشيع وتلقي الدعم من إيران, وهناك دلائل علي تزعزع الثقة بثنائية الشيخ المريد من جانب الأجيال الأصغر عمرا في بعض الطرق الصوفية. وفيما عدا البيعة وعلاقة التابع والمريد بالشيخ لا تعرف الطرق الصوفية التنظيم والانضباط الحزبي, ولا تعرف نظاما لانسياب الأوامر والتوجيهات وتسلسلا هيراركيا في القيادة علي غرار جماعة الإخوان المسلمين مثلا. ويلعب عامل الثقافة السياسية دورا مهما; فالكثرة من أتباع الطرق الصوفية هم أقل تعليما وثقافة, يلجأون للصوفية طلبا للسعادة الروحية, وينتظمون في مجموعات وحلقات متعددة المستوي التعليمي والفكري والثقافي, وهم في الأغلب من كل شرائح المجتمع, عمال وفلاحين وموظفين وعلي المعاش. ووارد جدا مع الاختلافات البينية للطرق الصوفية ونقص الثقافة السياسية أن تتوزع أصوات أتباعها ومريديها علي كل أطياف القوي السياسية في مصر, ووارد أيضا أن تقابل دعوات المشايخ للمشاركة في الحياة السياسية بانقسامات داخل هذه الطرق وممانعة من جانب الأتباع. والأهم أن الصوفية أبعد ما تكون عن تقديم رؤية ونموذج في السياسة والحكم والتنمية, وهي أمور لا تراث فيها للصوفية, وهو أمر يخالف رؤاهم الروحية والدينية, وتهدد المشاركة السياسية للطرق الصوفية بالإخلال التام بمنظومة القيم والفكر الصوفي, ومن ثم ففي أفضل الأحوال سيظل توظيفهم واستغلالهم من القوي الأخري أمرا قائما في الحياة السياسية المصرية, وقد يقتصر هدفهم علي حماية مصالحهم وضمان حرية ممارستهم لطقوسهم دون هدف وطني أكبر, هكذا فإن إضافتهم في الإطار المدني والسياسي بعد الثورة هو أمر محل جدل.
هذا لا يعني أنه لا مجال للعمل المدني والأهلي للصوفية في رؤي وفكر التنمية; فهم يمكن أن يكونوا بمثابة قوي ناعمةس والانحراف بالدولة المدنية عن أهدافها, وتقف حجر عثرة أمام هيمنة رؤية أيديولوجية شمولية علي السياسة والحكم, في الوقت الذي تحجم أيضا من جنوح الليبرالية في مجتمع يمثل الدين له أولوية, وفي هذه النقطة يمكن للصوفية أن تقدم الكثير إلي ميراث الاعتدال في الدين والدولة في مصر, إن التفكير بمستقبل الدور التنموي والسياسي للطرق الصوفية هو أمر ينبغي أن يشغل جانبا من اهتمام الدولة والقوي السياسية في الفترة المقبلة, فلا يجب ترك الجماعات الصوفية محايدة ومستكينة فقط إلي البحث عن ترفيه وإسعاد الروح بالذوبان في محبة الأولياء والعارفين والأضرحة, وإنما من المهم السعي نحو توجيه هذه الطاقة الروحية الجبارة نحو هدف الارتقاء بالحياة, والانخراط في فكر تنموي ومشروع للنهضة, من خلال توثيق صلاتها بعشرات الآلاف من جمعيات المجتمع المدني, والارتقاء بالفكر الصوفي نحو الاستنارة ليخرج نموذجا للصوفي الحقيقي وللصوفية في تفاعلها مع العصر والعلم, ويسهم ذلك في إزالة ما علق بالصوفية من شعوذة وجهالات لحقت بكثير من أتباعها ومريديها ومجاذيبها. وهو أمر يمكن أن يكون مجالا لاجتهاد من جانب الدولة ومن جانب الطرق الصوفية نفسها. بذلك يقدم الصوفيون شحنات دامغة للحياة بالعمل والإنجاز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.