السيد محمود الشريف - نقيب السادة الأشراف : الوقف من أفضل العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلي الله سبحانه وتعالي, وهو مورد اقتصادي مهم في بناء الفرد والمجتمع ومن رحمة الله بالمسلمين أن شرع لهم اعمالا صالحة تستمر بعد موتهم ويصل اليهم ثوابها. كما قال سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له وقد قدم الإسلام للإنسانية هديتين لم يكن العالم يعرف عنهما شيئا وهما مؤسسة الزكاة ومؤسسة الاوقاف, وإذا كان العالم الإسلامي لم يهتم بهاتين المؤسستين الاهتمام الواجب الذي يسهم في نهضه اقتصادية حقيقة, فإن الغرب عرفوا قيمة مؤسسة الزكاة والأوقاف, ونجح أن يجعل من هاتين المؤسستين سببا في تقدمه... الوقف يحقق نهضة الأمة وبناء حضارتها عن طريق أنواع وتقسيمات مختلفة, فهناك الوقف الخيري أي وقف الأموال علي جهات الخير التي تحقق مصالح المجتمع وتهتم بشئونه.. سواء كانت صحية أو تعليمية أو ثقافية أو غيرهم, وهناك الوقف الأهلي, وهو يقصد به نفع الأهل, وليس النفع العام.. التقسيمات الأخري للوقف منها وقف مؤبد, وهو الذي يستمر المال فيه موقوفا إلي ما لا نهاية وهناك الوقف المؤقت, ويكون لمدة زمنية محددة.. الوقف ليس مجرد عمل اقتصادي يفيد المجتمع, فحسب, وإنما هو في الإسلام عبادة من العبادات, بل يعتبر من أحب القربات إلي الله تعالي, وأحب هذه العبادات هو ما اتصف بالاستمرارية والديمومة, فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أحب الأعمال إلي الله تعالي أدومها, وإن قل والذين يطمعون في رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم استثمار أموالهم بما يعود عليهم بالنفع في الحياة, وبعد الممات, ويكفي أن نعلم أن الاوقاف التي خصصها المسلمون علي مدار التاريخ الإسلامي قد مولت وانشأت ورعت المساجد والمدارس والمكتبات ومكاتب تحفيظ القرآن في كل مكان والمستشفيات ومؤسسات رعاية الايتام والمؤسسات التي ترعي المعاقين وتجهيز العرائس الفقيرات واعداد موائد الافطار والسحور في شهر رمضان والكثير من أعمال الخير, من هنا كان الوقف له الدور الفعال في تمويل الجمعيات والمؤسسات الخيرية, وهو ما تنبه له المجتمع الغربي, ففي أوروبا وأمريكا يصل نسبة التبرع إلي الجمعيات الخيرية نحو4% من الأسر والشركات الكبري من دخلها للمنظمات غير الحكومية, حيث إنها قدمت ما يسمي في الاسلام بالزكاة. ولقد كان سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم هو من سبق البشرية في تأسيس نظام الوقف عندما جعل منطقة الربذة وقف لآبل الصدقة.. اننا ننشد أن يعود المسلمون إلي توقيف أموالهم لعمل أعمال الخير خصوصا, أن المسئولية الاقتصادية والاجتماعية في عصرنا الحاضر أصبحت من الثقل, بحيث تنوء الحكومات علي حمله مما يتطلب أن يسهم الاثرياء بأموالهم في تخفيف العبء علي المجتمع الذي يعيشون فيه... ولقد فطن المسلمون في العصور المختلفة إلي أهمية الوقف في الدنيا والآخرة.