أعتقد أن ربيع الثورات العربية- بعيدا عن إنجازاته أو انتكاساته- قد برهن علي حاجة مجتمعاتنا العربية إلي عمليات إصلاح جذرية وشاملة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأن الغالبية العظمي تساند أية خطوات إصلاحية بشرط أن تتم هذه الإصلاحات وفق أجندة ذاتية تراعي ظروف كل قطر عربي علي حدة حسب درجة تطوره ومن خلال آليات واضحة وشفافة تغلق كل منافذ التدخل الأجنبي باسم المنح والمعونات التي تتستر بلافتات نشر الديمقراطية. لقد بات واضحا من الزخم الهائل الذي أحاط بربيع الثورات العربية منذ اندلاعها في معظم أقطار الأمة أن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الشامل أمر لا خلاف عليه وعلي حاجة كافة شعوب أمتنا له ولكن بشرط الانتباه إلي مواكبة خطوات الإصلاح بإجراءات وقائية لتأمين سبل الدفاع عن الثقافة والهوية التي تتجاذبها قوي وتيارات من أجل تغييرها تارة بالارتداد للوراء طلبا للانكفاء والانغلاق.. وتارة أخري بالانزلاق نحو التغريب والفرنجة وتلبية استحقاقات الاختراق الأجنبي. إن أحلام الثورات النبيلة لا تكفي وحدها لصنع التغيير والإصلاح ومن ثم فإن العالم العربي بحاجة إلي ما يمكن تسميته بعملية تأهيل ذاتي لا ينبغي النظر إليه علي أنه دعوة لتأجيل وإرجاء الإصلاح لأنه ذلك ليس واردا علي الإطلاق وإنما هو تأمين ضروري لسد كل المنافذ والثغرات التي يمكن أن تنفذ منها محاولات التدخل الجراحي من الخارج علي غرار ما يحدث في ليبيا وما يجري التلويح به الآن تجاه سوريا. لقد برهنت الحالة الثورية العربية جدية التشوق إلي الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كركائز إصلاحية ولكن صوت الرأي العام العربي يرفض بكل الوضوح أن يحمل الإصلاح المنشود شبهة أي مساس بالسيادة الوطنية أو العقائد الدينية أو الثوابت الأخلاقية والفكرية والاجتماعية التي هي جوهر خصوصية التراث التاريخي لهذه الأمة. وأعتقد أن قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني ليست سوي الجزء الظاهر من غطاء أزمة حقيقية يعكسها بعد المسافة بين أجندة الإصلاح المستوردة وروشتة العلاج الشعبي الذاتية الخالصة. خير الكلام: الزمن لا يترك سرا مدفونا إلي ما لا نهاية! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله