كنت في قلب الحدث عندما أعلن الرئيس أنور السادات في2 أكتوبر8791 تأسيس حزب برئاسته علي انقاض حزب مصر العربي الاشتراكي برياسة رئيس الوزراء ممدوح سالم والذي أقاله الرئيس السادات في نفس يوم اعلان حزبه الجديد الذي اختار له اسما قديما وهو الحزب الوطني ليتحول اسم حزب مصطفي كامل الذي كان يمثل الأقلية قبل الثورة إلي حزب حاكم يمثل الأغلبية في عهد السادات والحقيقة للتاريخ أن السبب الحقيقي الذي دفع السادات إلي تأسيس حزب برياسته ليس كما قيل من أنه لدعم الرئيس في اتفاقيات السلام, وليس بسبب عدم سماع ممدوح سالم لنصيحة السادات لبناء خلايا الحزب علي غرار النموذج الذي اتبعه الأخوان المسلمون والذي يعطي للحزب كما قال السادات ميزة كونه ضاربا بجذوره في المجتمع. السبب الحقيقي وراء انقلاب السادات علي حزب مصر ورئيسه هو شعبية ممدوح سالم التي فتحت عليه أبواب جهنم. لكن الشرارة التي اشعلت الفتيل هي خروج الجماهير الي الشوارع والميادين.. وقد شاهدتها بنفسي وهي تهتف: ممدوح سالم ثائر مايو.. عندما كان وزيرا للداخلية أعطي الأولوية للأمن السياسي لتعيش مصر في عهده أزهي عصور الأمن العام.. هو الذي أجري أنزه انتخابات شهدتها مصر في تاريخها الطويل وهو في الأصل ضابط رفيع الرتبة في جهاز مباحث أمن الدولة, وكان غالبا ما يرافق الرئيس عبدالناصر في رحلاته خارج البلاد لتوفير الأمن له.وسوف يسجل له التاريخ أنه لم يك رئيس الوزراء سكرتيرا لرئيس الجمهورية. كان يجري التشكيل الوزاري في مقر الحزب, ويختار وزراءه قدر الأمكان حسب المعايير السياسية والحزبية التي تعطي الأولوية للسياسيين من غير التكنوقراط القادرين علي تنفيذ سياسة حكومة الحزب ومن عجائب ومفارقات السياسة أن ممدوح سالم الذي تقرر ذبحه وذبح حزبه هو الذي استدعاه السادات من الاسكندرية, ووصل إلي منزل الرئيس يوم31 مايو أي قبل قيام الثورة بيومين وعلي الفور أقسم اليمين كوزير للداخلية قبل أن يقدم شعراوي جمعة وزير الداخلية استقالته, وقد كان هذا الاختيار خروجا علي ما كان يفعله عبدالناصر الذي كان يعين ضابطا من الجيش في منصب وزير الداخلية.. وبعد سنوات من النسيان مات ممدوح سالم أشهر عازب سياسي أكتشفوا بعد وفاته أنه لم يكن يملك سوي شقة في ممر بهلر في وسط البلد تسلمت الحكومة مفاتيحها باعتبارها الوارث الوحيد. صناعة القرار في حزب مصر كان يتصارع عليها جبهتان الأولي تضم صهري الرئيس عثمان أحمد عثمان ومحمود أبو وافية وصديق السادات الوزير محمد حامد محمود, أما الجبهة الثانية فكان يتزعمها وزير الري المهندس عبدالعظيم أبو العطا وهو من أشرف وزراء مصر إن لم يكن الأشرف فقد مات علي البرش في زنزانة اختارها له السادات كما تضم جبهة المعارضة بالحزب الدكتور فؤاد محيي الدين الذي لم يكن يستريح إليه السادات, وكان يحذر نائبه حسني مبارك من الوقوع في حبائله وللتاريخ فإن فؤاد محيي الدين هو المدني الوحيد في مصر الذي طمع وسعي يوما لأن يكون رئيسا للجمهورية لكن القدر لم يمهله.. فقد مات صباحا في مكتبه بمجلس الوزراء.. وهناك من يقول أنه أميت ولم يمت.. وتضم الجبهة أيضا اللواء سعدالدين الشريف وهو لواء عسكري متدين ضرب المثل في الشعبية الجارفة بين كل الأطياف. كانت المفاجأة التي عكست تدهور علاقة السادات بحزب مصر هي موافقة حكومة الحزب علي مناقشة استجواب قدمه المعارض عادل عيد ضد صديق السادات المقرب إليه جدا وهو محمد توفيق عويضة رئيس المجلس الأعلي للشئون الاسلامية.. وكان الاستجواب أشبه بمحاكمة علنية علي توجيهات سرية للرئيس كان ينفذها توفيق عويضة في الداخل والخارج.وفي سابقة برلمانية أعلنت الحكومة من خلال وزير الأوقاف المسئول وهو فضيلة الشيخ متولي الشعراوي أنها تؤيد كل الاتهامات التي وجهها المستجوب الي الحكومة. أما الواقعة المؤلمة للرئيس السادات فهي فضيحة هضبة الأهرام التي كشفت عنها الدكتورة نعمات فؤاد وقدمها في استجواب المستشار ممتاز نصار زعيم المعارضة الذي قدم الدليل الذي أقنع به قادة حزب مصر علي أن أرض مصر تباع علنا, وقد بيعت فعلا للصوص الدوليين حسبما جاء في الاستجواب.. وخضع السادات لرأي المعارضة لكن علي مضض عبرت عن كلماته حينما قال مادام قادة حزب مصر وهو الحزب الحاكم يؤيدون كلام المعارضة إذن ماذا أقول.. لكنه قال وبالفعل كلمته الأخيرة خلال سلسلة المشاورات التي كانت علي جانب كبير من السرية والتي عقدت في الاسماعيلية في صيف.8791 تم الاتفاق علي تحديد موعد اعلان الحزب دون أعلان, وبالفعل لم تكن الصحافة تعلم الموعد بالضبط.. ألا أنها حصلت علي الضوء الأخضر للتبشير بالحزب الجديد.. وأعلنت بالفعل أن برنامجه سوف يعتمد علي مبادئ ثورتي يوليو ومايو.. وكان رد الفعل عنيفا وعصيبا علي قادة حزب مصر الذين استشعروا أنهم تم عزلهم حزبيا دون اخطار رسمي من رئيس الجمهورية.. نستكمل في مقال قادم. ملحوظة أتوقع أن أهم شئ مستقبلا أن يبدأ الشعب في محاكمة النخبة الحاكمة تلك هي آخر كلمة قالها الدكتور عبدالوهاب المسيري منسق حركة كفاية قبل وفاته في فجر الثالث من يوليو8002 وكانت قوات الأمن قد اختطفته هو وزوجته من ميدان السيدة زينب وهو يرفع شعار الوطن حتي الموت. الاعلاميات عندنا يتأرجحن من التزلف والتهجم أزمة دينا عبدالرحمن أنها اعلامية مصرية نقية001% لا تعرف اللعب مع الكبار مثل بعض أخواتها الباقيات اللائي يحاولن الظهور في موقف التهجم وهن في الحقيقة متزلفات. قلت لصاحبي وهو حكيم متي تنتهي ثورة ما؟ قال ليس بضربة ضخمة أو دوي, وانما بمكالمة تليفونية في الاتجاه الخاطئ والشعور العميق بأن أصحاب أحسن النوايا من السياسيين يمكن أن ترهقهم الاستقامة ويبيعوا المبادئ بالسعر المناسب. المزيد من مقالات محمود معوض