برغم أن الكلام عن التطرف القومي أوالديني يتركز في العادة حول التطرف الإسلامي والمسيحي فإن أن هناك شكلا أشد وأعنف هو التطرف اليهودي يتم تجاهله وتناسيه عمدا خوفا من إتهام من يتحدث عنه بمعاداة السامية فالحقيقة التي يعرفها كل متابع للشأن الإسرائيلي هي أن المتطرفين اليهود. فوق القانون بل أنهم هم الذين يضعون القانون في إسرائيل. ففي إسرائيل التي تصف نفسها بواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط توجد أحياء كاملة مثل حي نافيه شعاريم بالقدسالمحتلة لاتخضع للقوانين المدنية التي وضعها مؤسسو الدولة مثل ديفيد بن جوريون بل تدار بقوانين الحاخامات وكذلك فأن هيئة سكانها تختلف تماما عن بقية مواطني إسرائيل فالكل فيها سواء كانوا رجالا أم نساء أم اطفالا يرتدون السواد وغطاء الرأس ولايمكن أن تري فيها أثرا لأماكن اللهو وإذا وجدت فهي في الغالب مهجور أو محاصر. وفي الثامن عشر من يوليو الحالي تحدثت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن الحملة التي يشنها المتشددون في إسرائيل ضد المرح. وتقول إن هذا الوقت من العام عادة لا يكون فيه الطلبة المتشددون في المدارس الإسرائيلية, لكن هذا العام قامت شرطة الأخلاق اليهودية بتيسير دوريات للتأكد من أنهم لا يمرحون بشكل مفرط. وقالت الصحيفة أن كبار الحاخامات ورؤساء الكليات والمعاهد الدينية حذروا الطلاب بضرورة مواصلة دراستهم للتوراة وارتداء الزي المناسب وتجنب الخطر الكبير روحيا وعمليا والذي يتمثل في ركوب السيارات. وبينما أوضحت الصحيفة أن الأرثوذكس اليهود يمثلون حوالي10% من المجتمع الإسرائيلي ويعيشون حياة منغلقة, واختاروا طوعا ألا يمتلكوا جهاز تليفزيون أو راديو وهم ممنوعون من استخدام الإنترنت فإن تقارير أخري ترفع نسبة هؤلاء اليهود المنغلقيون المعروفين بأسم الحريديم إلي20% من السكان. وكلمة( حريديم) هي جمع لكلمة حريدي, وتعني( التقي), وهم الذين يرتبطون في أفكارهم ومعتقداتهم الي الأصول الفكرية اليهودية القديمة, باعتبارها الأنقي في فهمهم لكنهم ليسوا طائفة أو حزبا واحدا, بل هم طوائف وأحزاب عديدة, وربما يكون حزب' شاس', رغم وجود قيادات علمانية في صفوفه, هو' ممثلهم الشرعي' وهم يرفضون أيديولوجيا الاعتراف بإسرائيل كدولة. والحريديون أصوليون, يقيمون طقوسهم الدينية, ويعيشون حياتهم اليومية, وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية, ولهؤلاء منظمات ومؤسسات خدماتية تخصهم, في كافة مواقع عيشهم وانتشارهم, ويحافظون بدقة متناهية, بل بصرامة, علي كافة الانظمة والقوانين الواردة في توراتهم, ويعارضون بشدة, أي تغيير فيها, يحاول' الحريديم' فرض شرائع التوراة علي المشهد الحياتي في اسرائيل, وهؤلاء عموما, لا يخدمون في الجيش, وكل محاولات ادخالهم الجيش, باءت بالفشل, مما يجعلهم عبئا عسكريا وأمنيا علي المجتمع الإسرائيلي, وقد أظهرت المواجهات المتزايدة في القدسالغربية بينهم وبين العلمانيين, عمق الصراع العلماني-الديني في إسرائيل. ويتوزع تأييد الحريديم السياسي علي حزبين رئيسيين, هما يهود التوراه وهو حزب الحريديم الأشكناز, اي القادمين من أوروبا الشرقية, أما الحزب الثاني فهو حزب السفارديم( حراس التوراة) الشهير باسم( شاس), وهو حزب الحريديم الشرقيين أو السفارديم الذين قدموا إلي فلسطين من الدول العربية. وهم يختلفون عن المتدينين القوميين, الذين يضمهم الحزب الديني القومي, والمعروف باسم( المفدال), وهو الحزب الأنشط في مجال الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية, ويعبر ايضا عن اليهود القوميين( الأشكناز) جماعة جوش إيمونيم الاستيطانية. وازدادت اهمية الحريديم, بسبب نجاحاتهم المتواصلة في الانتخابات, والتي تأكدت وترسخت في التسعينيات من القرن العشرين, يتركز الثقل السياسي للحريديم في اليهود الشرقيين القادمين من الدول العربية, وقد عمدوا بالسيطرة علي معظم شبكات التعليم في اسرائيل, لاعتقادهم, بانه الأنسب لهم, في نشر سياساتهم وثقافاتهم. كما شجع الإهمال والتمييز العرقي والاضطهاد الممارس ضدهم, من قبل اليهود( الأشكنازيم) أي اليهود الغربيين, لتنظيم صفوفهم, وعلي إنشاء مدارسهم ومعاهدهم الدينية الخاصة بهم, والتي شكلت فيما بعد, قاعدة لحزب شاس. ورغم أن المتطرفين اليهود من الحريديم كانوا يمثلون دائما خطرا علي جيرانهم العرب للدور التحريضي الذي يقومون به في المجتمع الإسرائيلي فإن بقية اليهود باتوا يشتكون منهم مؤخرا ففي الشهر الحالي أيضا نقلت صحيفة الاندبندنت البريطانية تصريحا غير مألوف أطلقه جنرال إسرائيلي حذر فيه بأنه إن لم يكبح' الإرهاب اليهودي' ضد الفلسطينيين في الضفة الغربيةالمحتلة فأنه يهدد بإغراق المنطقة في صراع آخر. وحمل الجنرال, آفي مزراحي, انتقادات علي المستوطنين المتطرفين اليهود قائلا إنه ينبغي إغلاق مستوطنة' يتسهار',التي هي واحدة من معاقل اليهود الأكثر تطرفا في الضفة الغربية, علي حد قول الصحيفة, واصفا إياها بأنها مصدر الإرهاب ضد الفلسطينيين. ويتوقع أن تضع التصريحات الجنرال الإسرائيلي في خلاف مع الحكومة الإسرائيلية الموالية لسياسة الاستيطان, وحذرت دراسة جديدة أصدرتها جامعة' حيفا' من خطورة اليهود المتشددين دينيا علي إسرائيل نفسها, حيث باتت قوتهم تتصاعد هذه الأيام مع سيطرتهم علي مختلف جوانب الحياة بإسرائيل. وأوضحت الدراسة التي وضعها البروفيسور أرنون سوفير أستاذ علم الاجتماع في الجامعة إلي خطورة التكاثر الديموجرافي للمتشددين اليهود, الذي يتزايد بصورة غريبة ويتصاعد بقوة هذه الأيام, خاصة أن معدل الانجاب للأسرة اليهودية المتشددة الواحدة يصل إلي8, في حين يبلغ متوسط العائلات العلمانية أو العادية الأخري بإسرائيل في الغالب2 فقط, الأمر الذي سيدخل إسرائيل في أزمة طاحنة خاصة أن هؤلاء المتشددين يفرضون الكثير من القواعد المتشددة, بداية من حظر خروج الشباب والشابات مع بعضهم البعض بالإضافة إلي تحريم الكثير من الأنشطة الاجتماعية مثل الغناء أو الرقص وفرض الصلاة علي جميع الإسرائيليين وتحريم التعامل مع كل إنسان لا يصلي بانتظام في المعبد. وتوقع سوفير أن تندلع حرب بين الجانبين العلماني والمتشدد بحلول عام2030, موضحا أن جميع الأطروحات العلمية تؤكد هذا الأمر وتشير حتي إلي مبادرة المتشددين بالاعتداء علي العلمانيين, وهو ما سيكون له نتائج سلبية للغاية علي ما أسماه بمستقبل إسرائيل.