بدء الدراسة في درجة البكالوريوس لكلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة أسيوط الأهلية    تعرف على تكليفات الرئيس السيسي للحكومة الجديدة    هاني عنتر: إدارة تعليم بني سويف أول الإعدادية بنسبة نجاح 85.81%    بالأسماء، أوائل نتيجة الشهادة الإعدادية ببني سويف    الأمن القومي والاقتصاد وبناء الإنسان.. السيسي يضع خارطة طريق لتشكيل حكومة مدبولي الثالثة    «ابتعدوا عن الميكروفون».. رئيس «النواب» يطالب الأعضاء باستخدام أجهزة القاعة بشكل صحيح    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي داخل المحكمة بعد تأييد حبسه    مجلس النواب يوافق على الموازنة العامة للدولة للعام المالى الجديد    وزارة الزراعة تعلن الطوارئ لاستقبال عيد الأضحى    رئيس «شباب النواب»: الموازنة تأتي في ظروف صعبة ولابد من إصلاح التشوهات وأوجه الخلل    «الإسكان»: 220 ألف مواطن تقدم للحصول على شقق «الاجتماعي»    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم الإثنين    محافظ المنيا: توريد 346 ألف طن قمح منذ بدء الموسم    السكة الحديد تُطلق خدمات جديدة لركاب القطارات.. تعرف عليها    السيسي يوجه مدبولي بتشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة    شكري: الممارسات الإسرائيلية تفتقر إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي    سلطنة عُمان: ندين تصنيف الأونروا منظمة إرهابية    الخارجية الصينية: من الصعب على بكين المشاركة في قمة سويسرا بشأن أوكرانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصا    أفشة: الجلوس على الدكة يحزنني.. وأبو علي هيكسر الدنيا مع الأهلي    هل تلقى الزمالك خطابا بموعد ومكان مباراة السوبر الأفريقي؟    "مش عايزه".. مدرب ليفربول الجديد يصدم صلاح    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    رئيس الإدارة المركزية للمنطقة الأزهرية تتابع امتحانات القرآن الكريم في الإسكندرية    المستندات المطلوبة للتقديم في وظائف المعلمين بالمدارس اليابانية.. اعرف الشروط    رئيس بعثة الحج الرسمية: استقرار الحالة الصحية لزوار بيت الله الحرام دون ظهور أمراض وبائية    السكة الحديد تعلن إجراء تعديلات على تركيب بعض القطارات بالوجه البحري    انهيار منزل ونشوب حريق في حادثين متفرقين دون إصابات بقنا    محافظ المنوفية: تحرير 94 محضر انتاج خبز غير مطابق للمواصفات لمخابز بلدية    تخرج دفعة جديدة من ورشة الدراسات السينمائية بقصر السينما    28 يونيو الجاري .. جورج وسوف يقدم حفله الغنائي في دبي    فيديو.. «العيال فهمت» على مسرح ميامي بعيد الأضحى المبارك    اتفاق تعاون بين الجامعة الفرنسية وباريس 1 بانتيون سوربون لإطلاق برامج جديدة في مجال السياحة    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    5 خدمات تقدمها عيادة أبحاث الألم بالمركز القومي للبحوث، اعرف المواعيد    «صيادلة الإسكندرية» تطلق 5 قوافل طبية وتوزع الدواء مجانا    التشكيل المتوقع لودية ألمانيا وأوكرانيا ضمن استعدادات يورو 2024    الموسم الثاني من سلسلة "الأعيان" على شاشة الوثائقية قريبًا    لماذا رفض الروائى العالمى ماركيز تقديم انتوني كوين لشخصية الكولونيل أورليانو في رواية "100 عام من العزلة"؟ اعرف القصة    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    محافظ القاهرة: 1.5 مليار جنيه لرفع كفاءة الخدمات المقدمة إلى المواطنين    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    باحثة ل"إكسترا نيوز": مصر لديها موقف صارم تجاه مخططات إسرائيل ضد غزة    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أفشة: ظُلمت بسبب هدفي في نهائي القرن.. و95% لا يفقهون ما يدور داخل الملعب    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هو وهى
ربنا يستر

آخر كلامنا الآن مهما قصر أو طال فخاتمته علي الجانبين أصبحت لا تخرج عن الدعاء ربنا يستر‏..‏ وكانت إلي وقت قريب تتراوح ما بين سلم لي علي اللي عندك وبوس لي روحك وخلينا نشوفك وسمعنا صوتك وفوت علينا بكرة‏. واتفضلي اقفلي انت الأول ومحمد رسول الله وبخاطرك, ويعطيك العافية... وياللا باي.. وتلك وغيرها كانت تحمل نبرة أمل في لقاء قريب ووداع إلي حين.. كانت كلها تتخللها روح المداعبة والمحبة والهزار والتواصل والوصال وإطار وسقف وحضن من راحة البال.. أما لفظة ربنا يستر الحالية فبالرغم من التسليم والإيمان بأن الستر من عند ربنا وحده إلا أنها تعكس وأنت سيد العارفين حالة من التوجس والخوف مما سيحمله الغد خاصة لو كان بكرة جمعة بل تخوين اللحظة القادمة, بل توقع ما لا تحمد عقباه مع كل هبدة وخبطة وسارينة وهتاف وتجمع وحاجز ومطواة وزجاجة ملقاة ولافتة وميكروفون ومنصة وخيمة.. وتغيير النظام..
ولأنه علي الأبواب وباقي علي مدفع الرفع فيه ساعات.. شهر الرحمة رمضان.. فربنا يستر علينا في الميدان وعلي ثوار الجوار من هول الهتاف في عز نقحة الحر مع جفاف ريق الصيام.. ربنا يستر وتأتي العواقب سلمية سليمة ويحبس مع الشياطين في الشهر الكريم بلطجية مصر وشبيحة بر الشام.. ولتكن آيات الله البينات في شهر هبوط الوحي بالقرآن ترديدا وقراءة وحفظا بما فيها من الجرس والوقع والتأثير تعبيرا عن الثورات العربية وأحداثها التي نعيشها لحظة بلحظة, وقتيلا قتيلا, وجمعة بجمعة, وتأجيلا بتأجيل والتي أبدا لن تمحوها الذاكرة, فنهاية خروج مبارك بطائرته من القصر الجمهوري قبل قفص3 أغسطس تتبعها الآية الكريمة فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية, ونهاية الرئيس التونسي تلاحقها الآية ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود, وللقذافي الاستشهاد بالآية واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد, وعندما نجا الرئيس اليمني بصعوبة من محاولة الاغتيال فآيته فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وعن سوريا فقد وجدناها مشهدا مؤسفا في الآية الكريمة ملئت حرسا شديدا وشهبا.. و..ربنا يستر.
أسأل الصديقة الكاتبة مني الدروبي العائدة من زيارة أهلها في سوريا عن حالهم هناك فتكتفي بإجابة سطور الدمع والتمتمة ربنا يستر.. الفسيفساء الدمشقية في سطور الأديبة السورية غادة السمان تبكي.. بصمات الأجداد علي كل شيء وأجداد أجدادهم قبل العصور تبكي.. الفسقية الرخامية تبكي.. الماء الذي ينفجر فيها ويسيل علي جدران السلسبيل يسمع عبر الباب المفتوح يبكي.. أقواس الإيوان الثلاثة تبكي.. تبكي الزخارف.. يبكي المشقف والأبلق والعجمي والمجزع. تبكي النقوش كلها بألوانها الزرقاء والصفراء المغطاة بتلك الطبقة الزجاجية الشفافة كمآقي العين.. تبكي.. الشراشف والنوافير والعناقيد والصفصاف.. كل ذلك يبكي.. المساند البروكار والكنبات المصدفة والخزانة العتيقة وتاجها المنقوش كل ذلك يبكي.. الماء في البحرة يبكي.. الليل الموغل ظلمة يبكي.. الحجر في بيوت الشام كلها والآجر والخشب والطين والكلس تبكي.. بردي والسبع أنهار كلها تبكي.. بردي.. شلال الأسي في دمشق جفف الدمع فيه, والعاصي بقي عاصي عليه الماء وآثار الدموع تحاريق, والربوة ركعت علي الركب جدباء تبكي.. بوابات الشام كلها تنتحب الآن.. بوابة الصالحية وباب توما وباب الجابية وباب السلام وباب مصلي وكيسان كل تلك الأماكن تبكي.. كل شيء يبكي كما يجهش السنونو في القلب ومن جناحيه تهب رائحة اليانسون والقرفة والمشمش والتفاح والعنب والتوت والليمون والنارنج والفل والمانوليا والبنفسج وبقية روائح الحدائق الطليقة والمعتقة في المطابخ تبكي.. كل صغيرة وكبيرة تنتحب.. أشباح الأجداد المقيمة تبكي.. تحت الشوارع ترقد مدينة رومانية وتحتها مدينة آرامية تبكيان.. قبر صلاح الدين يبكي.. الكنز العتيق المدفون تحت رخام الديار يبكي.. ريشة الطاووس داخل المصحف تبكي.. تبكي السطوح التي كان يطيب فيها السهر ويتحلق الجيران وتبدو دمشق مدينة شوارعها الأثير, مفتوحة للقمر والسهر والحب.. دمشق الآن تبكي..
وعن دمشق الآن تروي الكاتبة السورية سمر يزبك في تجربتها المريرة للمرور بين العسكر والشبيحة في جمعة ثوار دمشق: خرج الناس يتجمعون في الساحات والجوامع.. كل متظاهر هو مشروع موت.. حافلات نقل داخلي تابعة للحكومة بلون أخضر ومقاعد صفراء تقف وتعطل حركة السير يهبط منها شباب يتوزعون علي جانبي الشارع يحركهم ويقودهم بعض الرجال.. وجوه الشباب قاسية لكنها متعبة, وغالبيتهم حليقو الرؤوس ويبدو الفقر واضحا عليهم.. كانوا بالمئات, وربما أكثر, وانتشروا علي الجانبين وشكلوا جيشا صغيرا, وعلي الجانب الآخر كان هناك الكثير من رجال الأمن يفتشون الشاحنات ويدققون في الهويات, ولم أكن أعلم أن هناك طوقا أمنيا حول دمشق وضواحيها.. وقال لي رجل أمن: وين رايحة؟ وأمرني بالهبوط وإبراز هويتي, وبعد أن قلبها قال: مدام, المكان هون فيه زعران ياريت ما تدخلي فسألته مدعية السذاجة: شو في؟ قال: ولا شي أبدا ما في شي والله ما في شي وبين الحواجز المتوالية فتح ضابط آخر باب السيارة وقال بلهجة صارمة: انزلي وبين ضغط الملتفين من حولي لم أعد أري شيئا وخنقتني الروائح: يا أستاذ أنا كاتبة وواجبك تحميني مو تخوفني بعدين خبروني شو في علي الأقل؟ خرجوا بصوت واحد: ما في شي ما في شي, قلت: وليش كل ها العسكر؟, قالوا: ما في شي.. ما في شي, قلت للرجل الذي يبدو أنه كبيرهم: طيب خليني أطلع من هون علي الأقل هز رأسه وصمت بينما شعرت بالاختناق من شدة إحاطتهم بي, لكن يدي كانت في حقيبتي علي السكين الذي أحمله أينما تحركت في هذه المدينة.. ومرت دقائق طويلة صرخ بي بعدها: انقلعي من هون فانفك الحصار من حولي, وقبل عودتي للسيارة قال والله إذا بترجعي لهون لأعمل من جلدك طبل وأطبقت عيوني حتي لا يلمح دموعي, وتخيلت كيف يصير الجلد البشري طبلا يدق عليه لتهتز الخصور.. وتجاوزنا حواجز جديدة.. ما كل هؤلاء الجنود ورجال الأمن؟ أين ناس البلدة.. هل صارت بلدة أشباح.. حاولت الاتصال بصديقتي.. لا توجد اتصالات, فالبلدة محاصرة من الخارج ومن الداخل.. ومع كل حاجز لم تختلف الكثير من التفاصيل, والباصات الضخمة للحكومة أكثر عددا ينزل منها الشباب.. شعرت بالرثاء علي هؤلاء الجوعي الذين ينحشرون حيث يختبئ داخل كل منهم وحش صغير.. هنا دمشق.. الجملة التي اعتدنا سماعها في المذياع لم تعد هنا الآن فقد توزعت دمشق علي الجغرافيا السورية دفعة واحدة.
ويرسم لنا الكاتب الأديب سمير عطاالله لوحة الفسيفساء السورية للتركيبة السكانية في سوريا التي أصبح فيها كل شيء علي الحافة.. وتبعا لشغفي بالمقارنة في المسألة السكانية, أجد علي الدوام للغرابة أن تعداد سكان سوريا يعادل سكان القاهرة.. وقاهرتي الآن يسكنها نحو23 مليونا... هناك نحو مليون لاجئ عراقي عبروا الحدود ظنا أن الجوار السوري أمن دائم واستقرار لا يهتز, إلي جانب وجود فلسطيني متداخل في الحياة الاجتماعية والسياسية والحزبية, ونسب من الأرمن والتركمان, وأقلية درزية لها مكانة تاريخية وسياسية شديدة الأهمية يمكمن أن تشكل ثقلا وازنا في الصراع, وللدروز امتداد في لبنان وفلسطين خاصة في الجولان المحتل, والإخوان المسلمين, وأقلية مسيحية تحاول تجنب الصراعات السياسية, وهناك الأكراد الذين يبلغون المليونين وهم علي صلة بكرد العراق وتركيا.
ولأنني عاشقة للهجة السورية, ولفن الأرابيسك الدمشقي والكبة والشاورما وفتة المكدوس والمطبخ السوري والتجول في سوق الحميدية وحارة الورد وسوق البزورية, والزيتون والجبنة واللبنة, ورقصة الدبكة, وأناشيد العتابا والميجانا وترجمات سامي الدروبي لدوستوفسكي والحب من الوريد إلي الوريد لغادة والجامع الأموي وأكواز الصنوبر في الغابة قرب اللاذقية, وعلي أوف مشعلاني مع السلامة يا بعد خلاني. مع السلامة والدرب سلطاني, وأشعار نزار قباني: ويا شام إن كنت أخفي ما أكابده فأجمل الحب حب بعد ما قيلا.. أجدني في أيامي هذه كما الطائر لا أستطيع التحليق إلا بجناحين هما مصر وسوريا.. أجدني بدوري أجمع مفردات لوحة فسيفساء سورية بحثت عن ألوانها ومشتقاتها في الكتب والأضابير والأقوال والأحداث.. لوحة أضيف لها مع كل صبح أو أنتزع منها ما لا طاقة لي به عندما يأتي المساء.. لوحة إطارها الشعر النزاري القائل:
الشعر ليس حمامات نطيرها
نحو السماء, ولا نايا وريح صبا
لكنه غضب طالت أظافره
ما أجبن الشعر, إن لم يركب الغضبا
في قلب اللوحة مساحة تقول بأن حافظ الأسد اسمه بالكامل هو حافظ علي سليمان الوحش, وقد تغير اسم العائلة عام1927 من الوحش إلي الأسد وذلك عندما أتي زعماء القبائل الأربعة في قرية القرداحة إلي علي سليمان الوحش والد الأسد وقالوا له: أنت لست وحشا بل أنت أسد..! ومن شواهد قوته البدنية أنه كان في السبعين من عمره عندما كان يلصق ورقة سيجارة بفرع شجرة ليشقها بطلقة مسدسه علي بعد مائة ياردة! ولم يكن جد حافظ الأسد عربيا بل من أصول تركية, وكان يعمل مصارعا متجولا هبط من قري جبال سوريا الشمالية الغربية, ولأنه صرع جميع منافسيه صاحت حلقات المتفرجين يا له من وحش, ومن يومها عرف باسم سليمان الوحش.
في لوحة الفسيفساء السورية أن سكان المنطقة التي ولد وعاش فيها حافظ الأسد سنوات طفولته من العلويين الذين يعتقدون أن عليا كرم الله وجهه ابن عم النبي صلي الله عليه وسلم وصهره هو خليفة الرسول الشرعي, وأن الخلفاء الثلاثة الذين جاءوا من بعد النبي سلبوا هذه الخلافة من علي, ومعظم العلويين يتبعون واحدة من القبائل الأربعة الرئيسية: الحدادين, والمطاورة, والخياطين, والكلبيين, ومن هذه الأخيرة كان سليمان جد حافظ الأسد..
وتجمع اللوحة عدة تواريخ لمسيرة الأسد الأب فيها قبوله عام1941 مع ثمانية طلاب فقط من بين40 ألفا للمدرسة الثانوية, وتخرجه عام1955 في الكلية الجوية, ليتم اختياره في دورة تدريبية مدتها ستة أشهر في مصر عبدالناصر, وفي عام الوحدة1958 كان منصرفا لمشروعه الخاص بزواجه من أنيسة مخلوف حبيبته منذ الطفولة التي أنجبت له باسل وبشار وبشري الصيدلانية التي أطلق عليها أبوها نفس اسم شقيقتها التي توفيت أثناء بعثته في مصر.. وفي عام1980 يجد الأسد نفسه وجها لوجه أمام الإخوان المسلمين فقتل منهم خمسمائة في الزنازين, وفي حماة استخدم القوات البرية والجوية لدك المدينة علي من فيها ليروح ضحيتها45 ألفا, وكان بين الأسد وبين الإخوان تار بايت, فبعد أن أصبح بعثيا في سنواته الطلابية الأولي, كان مستهدفا من الإخوان, فحاولوا عدة مرات أن يضربوه لكن صديقه محمود عجيل كان دائما يحميه, لكنهم انفردوا به عام1948 وطعنوه في ظهره ليظل طريح الفراش شهورا كي يلتئم جرحه, أيضا نجا مرة أخري بما يشبه المعجزة عندما حاولوا اغتياله لولا أن حارسه حماه بجسده وافتداه وقتل ليبقي الأسد مواصلا حكمه علي مدي ثلاثين عاما, وعندما مرض في عام1983 بالقلب اتجهت أنظار العسكريين إلي شقيقه رفعت لأخذ مكانته, لكنه ما أن استرد عافيته حتي وقف الشقيقان وجها لوجه فاختار رفعت البعاد بعد أن تعهد له حافظ بأن مصالحه وأرصدته ستكون آمنة, ورحل رفعت عن دمشق مثل السلاطين القدامي مصطحبا معه زوجاته الأربع وأبناءه السبعة عشر وطاقما من أربعين حارسا! ومن بعد الإطاحة بالشقيق بدأ حافظ الأسد العمل علي مشروع توريث الحكم لنجله الأكبر باسل, لكن موت باسل في حادث سيارة بدمشق اضطر الأب إلي إعادة الابن بشار الذي كان يدرس الطب بالغرب لينخرط في دورات عسكرية سريعة متتالية ويتدرج في المناصب والرتب في زمن قياسي ليغدو علي أهبة تولي المسئولية الكبري.. ومات حافظ الأسد في10 من يونيو2000 وتم تعديل الدستور السوري ليصبح عمر بشار مناسبا لتبوأ المنصب الرئاسي, ومر الأمر بسلاسة ومن دون اعتراض أو نقاش علي أكبر تحول سياسي عرفته سوريا بتحويلها من جمهورية بالانتخاب إلي ملكية وراثية, وكان بشار وهو لم يزل في الثلاثين قد صرح بأن المشاركة في الحياة السياسية لا تعني تلقائيا ترشيحه للرئاسة مشيرا إلي أن الذين يروجون مثل تلك الأقاويل يجهلون أن الدستور السوري يحدد السن الأدني للترشح لرئاسة الجمهورية بأربعين عاما!!! ويعقد الأسد الابن قرانه في يناير2001 علي أسماء الأخرس التي أنجبت له حافظ وزين وكريم, وكان أول نشاط سياسي له زيارته للبنان في عام1998 لتهنئة العماد إميل لحود بانتخابه رئيسا للجمهورية, وأول نشاط عربي زيارته للأردن لتعزية الملك عبدالله في وفاة والده الملك حسين.. عبدالله الثاني الذي أشاد بالصفات التي يتحلي بها الفريق بشار بقوله: إنه رجل حاد الذكاء ومثير للإعجاب بدرجة كبيرة وواسع الاطلاع علي قضايا المنطقة ومتفهم إلي درجة واسعة بالمجتمع الدولي ولديه رغبة كبيرة في تحسين اقتصاد بلاده وتحقيق الانفتاح, وأعتقد أنه سيفاجئنا بمفاجآت سارة عدة في المستقبل!!..
وفيما بين تداخلات لوحة الفسيفساء نجد موجة من الغضب الثوري علي شاعر سوريا أدونيس علي أحمد سعيد لأنه كتب: ها هو الحاضر في سوريا ليس في بعض أشكال انفجاراته إلا استنساخا بأدوات حديثة لبعض أحداث الماضي, هول ينزل من أعلي, من السلطة, وهول يصعد من أسفل من الناس. المجتمع يتحرك جحيما, والنار الآكلة لا تشبع ويزيد أدونيس الغضبة عليه عندما يغامر بتوجيه رسالة إلي الرئيس السوري في صحيفة السفير اللبنانية بدايتها إلي السيد الرئيس مطالبا إياه بإنقاذ الموقف, ولا يغفر لأدونيس عند الغاضبين عليه سوي الرثاء له لعقيدتهم بتجزر الخوف من المجهول القابع بداخله: الخوف من الطائفية أو الحرب الأهلية, وهذه من دون شك مخاوف مشروعة ولكن في ردهم عليه من الذي أوصل سوريا أو سمح لها أن تبقي طوال الأزمنة الماضية مصدرا غنيا لكل تلك المخاوف, وأنه لمن الغريب أن الشاعر لم ينتبه إلي دلالة إصرار النظام علي الحل الأمني, ولم يعر انتباها لآلاف الضحايا الذين سقطوا ويسقطون علي يد هذا الحل, ولم يع أن الجيل الغاضب قد أتي.. الجيل المختلف الملامح الذي لا يغفر الأخطاء.. لا يسامح.. لا ينحني.. لا يعرف النفاق.. الجيل الرائد العملاق!
وفي اللوحة ظاهرة تستحق التأمل والدراسة, فالجماهير التي تهتف وتصفق وتتظاهر طواعية وبصدق وترفع اللافتات بدوام زعاماتها المستبدة نجد فيها عاملا مشتركا يجمع بين هذه الزعامات وهو طول فترة الرئاسة وهيمنتها, ولاشك أن هذا الطول أحد عوامل تحلل الشخصية وتهد لها, وخنوعها لتبقي من حيث لا تشعر أسيرة لشخص الرئيس والزعيم الباطش ولا تتصور حياة مستقرة إلا به, ويتمثل لها المستقبل مشئوما مطموسا بدونه, أشبه بالعبد الذي يلتقي فجأة وجها لوجه مع السماء المفتوحة في يوم عتقه فلا يعرف إلي أين يذهب, ولا إلي أي مصير تقوده حريته التي أصبحت قيدا جديدا عليه, ولا يتخيل حياة إلا تحت مظلة سيده مهما طغي وتجبر, فقد أصبح طغيانه قوت يومه, وتجبره روتين حياته, واستبداده قدرا ومكتوبا عليه, ومن هنا فبعض العبيد يؤوب ثانية إلي مولاه من بعد عتقه ليمارس نفس مهام عبوديته السابقة ولو كان في سجله قد أصبح حرا طليقا.. مثله مثل من عاش عمره ينظف البالوعات فإذا ما وقف في الهواء الطلق اختنق, ومن هنا لكي نكبح تأصل العبودية في شعوبنا العربية لابد من تغيير النظام كي لا يجيز الدستور للرئيس الترشح أكثر من فترتين رئاسيتين مهما كان عبقريا ولم تلد مثله ولادة بطول البلاد وعرضها..
وتلمع لوحة الفسيفساء السورية بأوراق من عمر صباح قباني الشقيق الأصغر للشاعر نزار قباني معتز ونزار ورشيد وهيفاء وصباح.. الجد أحمد أبوخليل القباني مؤسس المسرح الغنائي العربي في الشام, والأب توفيق القباني المؤسس لأول معمل للملبس والشيكولاتة في سوريا, والابن الأكبر نزار مؤسس المدرسة الشعرية الحديثة, وصباح مؤسس التليفزيون السوري الذي افتتح في الثامنة من مساء السبت23 يوليو1960 مواكبا للتليفزيون المصري.. ويروي صباح عن أسوأ وأسود أيام حياته الخميس28 سبتمبر1961 استفقنا علي انكسار الحلم الجميل, حلم أول وحدة عربية في العصر الحديث, فقد وقع الانفصال بين شطري الجمهورية العربية المتحدة, وانتهي العرس العربي الزاهي, وملأت المرارة قلب كل القوميين العرب الذين زلزلتهم الكارثة وأحسوا أنهم أصبحوا كاليتامي الضائعين في ليل بهيم.. ولقد كنت واحدا من هؤلاء.. ولم أتردد لحظة واحدة في تقديم استقالتي قائلا للعميد عبدالغني دهمان أحد ضباط الانفصال الذي استدعاني مهددا واصفا استقالتي بأنها عمل تخريبي لا يضمن نتائجه فقلت له: أنا رجل أحترم سمعتي فكيف لي, بعد أن كنت مسئولا عن جهاز إعلامي ظل يشيد بالجمهورية العربية المتحدة وبرئيسها جمال عبدالناصر علي مدي14 شهرا منذ تأسيس التليفزيون, كيف أسمح لنفسي أن أصبح بغمضة عين مسئولا عن إعلام يوجه الشتائم إلي جمهورية الوحدة ويجرح صورة رئيسها؟!.. ويعود صباح من بعد انتدابه إلي عمله الأول في الخارجية ليتدرج في مناصبها حتي يتسلم أوراق اعتماده سفيرا لسوريا في الولايات المتحدة في عام1974 يوم استقالة الرئيس نيكسون, ليواكب من بعدها فترة رئاسة كل من جيرالد فورد الذي لم ينتخبه أحد, وجيمي كارتر الذي لم يتوقع له أي حظ من النجاح حتي أمه حين أخبرها بأنه رشح نفسه للرئاسة سألته رئاسة ماذا؟!.. لكنه نجح لأن شعاره الذي كان يردده دائما قد لاقي صداه في نفوس الأمريكيين الذين عانوا من سلسلة الأكاذيب والفضائح, فقد قال لهم: أعاهدكم ألا أكذب عليكم أبدا.
ومن أقوال بشار الأسد في لوحة الفسيفساء السورية: الحل مسئولية الجميع كي يصبح مكتملا وناضجا, فالإنسان يسير علي قدمين والبعض يعتقد أن الخطوة اليمني تكتمل بالقدم اليمني, وبأن الخطوة اليسري تتم بالقدم اليسري, بينما الواقع أن الخطوة اليمني تبدأ بالقدم اليمني وتتم أو تكتمل بالقدم اليسري, والخطوة اليسري تبدأ بالقدم اليسري وتكتمل بالقدم اليمني, فلا تتكلوا علي الدولة ولا تدعوا الدولة تتكل عليكم, بل دعونا نعمل كفريق واحد..
وربما في مثل ذلك القول ما جعل من سياسة بشار التي يدعو فيها إلي السرعة لا التسريع ما أدي إلي الكثير مما جري وما حدث في بر الشام, فالانتظار للقدم اليسري تعاونا مع القدم اليمني وبالعكس لم يعد مجديا, فقد كان المطلوب سباقا مع الريح لا تلمس فيه القدمان معا سطح الأرض, وللأسف أن جميع دولنا العربية تعاني من فروق التوقيت, فلا شيء يتم في موعده, ودائما ما تتخذ الخطوات بعد فوات الأوان عندما لا يكون لها قيمة لأن سقف المطالب يكون قد ارتفع سواء في الحالات الثورية أو الانتفاضات أو عندما تكون الأمور قد تفاقمت في الأوضاع الطبيعية مثل معالجة الأزمات الاقتصادية أو الأمنية..الخ..
ومن بعد ما جري وما حدث, ومن بعد إراقة الدماء وامتلاء المعتقلات وتصفية من كانوا مشاريع انتحار جاهزة.. من بعد القمع والدم والمعتقل جاي يا زلمة تقول لي تعالي نتحاور.. تقبرني.. جاي تقول لي حرية الأحزاب.. تقبرني.. جاي تقول لي إن عمرك ما قريت أو نسيت النصائح المكتوبة علي ظهر كراسة العربي بتاعة سنة أولي ومنها اغسل يديك قبل الأكل وبعده و..لا تؤجل عمل اليوم إلي الغد.. تقبرني.. ذنبك علي جنبك, وما في حدا حيقول لك الله يرضي عليك يا ابني.. وربنا يستر!!
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.