لعله ليس من قبيل المبالغة أن نقول ان الاعلام الحكومى المصرى سواء المقروء أو المرئى والمسموع لعب الدور الأكبر فى نجاح ثورة ال 25 من يناير لأن سوء تغطيته وتجاهله لتطورات تلك الثورة وإنغلاقه على وجهة النظر الحكومية فقط كانت سببا رئيسيا فى غضب المصريين من النظام . ناهيك عن أنها دفعتهم إلى التحول التام إلى وسائل الإعلام الخارجية رغم ان بعضها لم يكتف بدوره المهنى كناقل للحدث ولكنه تعداه إلى تحريك الأحداث من خلال المبالغة فى بعض الأحيان . ففى الوقت الذى كان النظام يأمل فيه أن يقوم الاعلام الحكومى بدور حائط الصد عنه من خلال الترويج لفكره والتهوين من قوة منافسية بل والتشكيك فى وطنيتهم ولذلك عمل باستماتة على احتكار كافة وسائل الإعلام الأخبارية المسموعة والمرئية التى تبث من مصر علاوة على احتكاره التاريخى للصحف القومية إلا أن تكليف أشخاص غير مؤهلين ولايتصفون إلا بالولاء المطلق للنظام خاصة للحزب الوطنى الحاكم انذاك أدى إلى نتيجة عكسية حيث دفع الغباء الاعلامى الذى كان سائدا المواطنين إلى البحث عن وسائل الإعلام الخارجية أو المستقلة فأصبحت الرسالة الوحيدة التى تصل إلى الناس هى رسالة المعارضين والثوار والقوى الخارجية التى تنتقد سياسات النظام وديكتاتوريته . والحقيقة التى يدركها الكثيرون هى ان الأداء السيء والمتحيز لوسائل الإعلام الحكومية خلال الثورة وعدم دقة تقارير بعض وسائل الإعلام الخارجية التى كانت تبالغ من ناحية أعداد المتظاهرين او أعداد الضحايا دفعا عشرات وربما مئات الالاف من المواطنين المترددين إلى النزول بأنفسهم إلى الشوارع والميادين لرؤية مايحدث بشكل مباشر وبالتالى أنضم معظمهم أن لم يكن جميعهم إلى الثورة بعدما كسروا حاجز الخوف عندما رأوا غيرهم لايخافون . وكما كان لسياسة الاحتكار الحكومى للاعلام المسموع والمرئى والصحف القومية دور عكسي فى الثورة لغير صالح النظام فأن قيام حكومة أحمد نظيف بقطع خدمات الإنترنت وخدمات الرسائل النصية عبر التليفون المحمول يوم 28 يناير جاء أيضا برد فعل عكسى لأن الكثيرين من أفراد الشعب المصرى أعتمدوا بشكل شبه كامل منذ تلك اللحظة على الفضائيات الناقلة لوجهة نظر الثوار خاصة قنوات الجزيرة القطرية والعربية السعودية وبى بى سى العربية رغم أن الأخيرة كانت أكثر القنوات فى محاولة التزام معايير الحياد والمهنية وهو أيضا ماكان فى صالح الثورة فى حين كانت الجزيرة تبالغ فى احيان كثيرة وتحاول صنع الأحداث وتحريكها . وقد كان التليفزيون المصرى بكافة قنواته تقريبا غائب “زمنيا” لتأخره فى نقل الأحداث، وغائب “مكانيا” لعدم تواجده المباشر داخل مكان الحدث، ويفتقد لمعايير المهنية ويعرض وجهة نظرالنظام فقط ، ولا يتميز بالحياد المطلوب ليؤدى دوره كتليفزيون للدولة وليس للحكومة فى حين ان قنوات الجزيرة والعربية والبى بى سى تنقل أحداث مظاهرات الثورة من خلال البث المباشر، بينما قام التليفزيون المصرى بتثبيت صورة لكورنيش النيل فى منطقة ماسبيرو على اعتبار أنه ميدان التحرير ليقول ان الميدان هاديء ولاتوجد تجمعات للمتظاهرين . وتعمد التلفزيون المصرى التهوين من أعداد المتظاهرين والمصابين، فالبداية كان عدد “عشرات” بينما القنوات الفضائية الأخرى مثل الجزيرة والعربية تقول “مئات” وبينما بدأ التلفزيون يذكر” خروج “مئات” من المتظاهرين كانت الجزيرة تقول “آلاف” وعندما ذكر التلفزيون أن عددهم “آلاف” كانت الجزيرة “تهول” وتقول اثنين مليون. وشارك الاعلام الحكومى فى ترديد اتهامات للمتظاهرين بالعمالة وتلقى تمويلا وتوزيع مأكولات عليهم من محلات فاخرة ومنحهم مبالغ مالية بالدولار، ولم يتحقق من صحة هذه الاتهامات و “هون” من هجوم البعض على المتظاهرين بالجمال والأحصنة فيما عرف إعلاميا بموقعة الجمل وقام بعد عدة ساعات بعرض صور لاحقة للهجوم بعد أن قامت معظم القنوات الفضائية بعرضها. وقد لعب الإعلام الحكومى دورا سلبيا أخر كاد يدفع مصر إلى هوة الفوضى وذلك عندما بدأ منذ أول ليلة لفرض حظر التجوال فى بث المكالمات الهاتفية من المواطنين على الهواء مباشرة، التى تشكو من تفشى حالات السرقة والبلطجة وكان هناك “تهويل” من المشاهدين لم يستطع التلفزيون التحرى منه بالطبع، وكان عليه أن يستقبل هذه المكالمات ويبلغها للجهات المسئوله بدون إذاعتها مباشرة والتسبب فى حالة الفزع لمشاهديه. ونظرا للدور السلبى الذى قام به الاعلام الحكومى خلال الثورة وقبلها والتأكد من فشل سياسات احتكار الدولة للإعلام وتسليم مسئوليته لاشخاص غير مؤهلين فقد كان من الطبيعى أن تصاحب الثورة الوطنية فى مصر إنتفاضة داخل أروقة الإعلام الحكومى سواء بالتليفزيون او الإذاعة او الفضائيات الحكومية أوالصحف القومية مما أدى فى النهاية للاطاحة بقياداتها جميعا على أمل بدء صفحة جديدة تكون فى مصلحة الإعلام والعاملين فيه والوطن ككل وهو مايحتاج إلى عملية إصلاح هيكيلية طويلة ومعقدة لأسباب عديدة اولها أن وسائل الإعلام كانت مخربة من الداخل ومثقلة بالبطالة المقنعة والديون الباهظة وغياب المعايير والقوانين فى اّن واحد . فعلى مدى نصف قرن وليس 30 عاما فقط جرى التخريب المتعمد للإعلام القومى والرسمى من أجل تحويل العاملين فيه إلى مجرد موظفين يؤدون أدوارا محددة لخدمة الأنظمة أبسطها التصفيق لها والتصويت للحزب الحاكم فى كل انتخابات أو استفتاء وكان منتهى أمل معظم هؤلاء العاملين سواء المرئى والمسموع أو المقروء هو انتظار منحة عيد العمل أوالعلاوة السنوية بدلا من تعيين أبنائهم فى نفس جهة العمل بدلا من مهمتهم الرئيسية وهى صنع وجدان الوطن ودفعه للأمام .