بتحدي إيران قرارات مجلس الأمن الدولي التي تطالبها بوقف تخصيب اليورانيوم واعلانها رفع مستوي تخصيب اليورانيوم إلي20% تكون قد اعادت كتابة سيناريو جديد لفيلم ازمة ملفها النووي الذي يراه البعض أسود وتراه طهران بالالوان الطبيعية. فالدبلوماسية الأمريكية تسير في خط متواز مع الاستعدادات العسكرية, لوضع الاستراتيجيات اللازمة للتعاطي مع البرنامج النووي الايراني, خاصة ان زيادة نسبة التخصيب الايرانية لليورانيوم توحي للغرب بأن البرنامج النووي الايراني يأتي في إطار خطط عسكرية بحتة. فالواضح ان الولاياتالمتحدةالأمريكية قد بدأت التحرك سريعا لتنفيذ خطة تعتمد في الاساس علي كسب الدعم العربي للضغط علي إيران من خلال تقديم بلدان كالسعودية وقطر عروضا مغرية للصين بتزويدها بنفط وغاز رخيصين, لتعويضها عن خسارة امداداتها في حال مشاركتها في الحصار الدولي المخطط له ضد طهران. والانخراط العربي بشكل فعال في اي حصار أو عقوبات اقتصادية يتم فرضها علي إيران, من حيث وقف كل التعاملات البنكية والتجارية, ومنع دخول المسئولين الايرانيين الذين من الممكن ان تشملهم العقوبات إلي الاراضي الخليجية وفتح القواعد والاجواء والمواني للطائرات والاساطيل والجيوش الأمريكية, وربما الإسرائيلية في حال اللجوء إلي عمل عسكري ضد إيران. غير انه من السابق لآوانه التكهن بمدي تجاوب الدول الخليجية مع المطالب الأمريكية, ولكن ربما الرد بالايجاب, وهو الاحتمال الأكثر ترجيحا, فبعض الدول الخليجية خاصة المملكة العربية السعودية, تشعر بقلق كبير من جراء تنامي القدرات العسكرية النووية الإيرانية. اما روسيا التي كانت تمثل اهم سند لايران كحائط صد ضد اي عقوبات فإنها انضمت إلي معسكر القوي الكبري الداعي إلي وقف برنامج طهران بأية وسيلة وفي اسرع وقت, بعد ان أدلت طهران بتصريحات متناقضة حيرت الرأي العام في المجتمع الدولي وغيرت لهجتها من التعاون إلي التعالي واستعراض العضلات بأسلحة متطورة تحد من قدرات المروحية القتالية الأمريكية اباتشي وطائرات بدون طيار لايرصدها الرادار وصواريخ قادرة علي الوصول إلي اهداف بعينها. فبعد ان صرح الرئيس الايراني محمود نجاد بأنه لايري مشكلة في اقتراح مسودة فيينا, عاد لاحقا ليعلن بل وبدأ فعلا رفع التخصيب إلي مستوي اعلي, مما جعل القوي الكبري تطالب مجلس الأمن بالمصادقة علي تشديد اقسي العقوبات علي طهران في اسرع وقت. والعرض الغربي الذي يقضي بتبديل اليورانيوم منخفض التخصيب بوقود نووي, يهدف في الاساس إلي اخراج كل مخزون ايران من اليورانيوم من البلاد كي لايتيحوا الفرصة لطهران باكتساب الخبرة في التخصيب حتي لو كان لمستوي ضعيف جدا, لان هذا سيزيد مخاوف الغرب من ان تقترب طهران من تصنيع سلاح نووي خاصة ان حجم مفاعلات ايران النووية غير متوافق مع البرامج النووية السلمية ويمكن ان تكفي لنحو3000 جهاز طرد مركزي. ومن جهة اخري فإن طهران مازالت تؤكد ان الاتفاق مازال مطروحا علي الطاولة لكنه مشروط بأن يكون التبادل متزامنا وعلي أرض ايرانية. ومع بدء إيران عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمائة, معللة ذلك بعدم التوصل إلي اتفاق مع الدول الكبري من اجل تسليمها الوقود النووي الذي تحتاج إليه لتشغيل مفاعل البحث الطبي في طهران, انطلقت حمي تصريحات تشبه بشكل كبير ما كانت عليه الأمور مع العراق قبل أكثر من سبع سنوات. هاهي إسرائيل تنفخ كعادتها في نار تأجيج المزيد من الضغوط علي إيران اذ لا تكتفي بحض المجتمع الدولي علي فرض عقوبات قاسية علي إيران حتي لو لم توافق روسيا والصين, وتتحدث ايضا عن امكانية اللجوء إلي القوة لمنع طهران من حيازة السلاح النووي. وها هي إيران تهدأ احيانا وتصعد اخري دون ان تتوقف إلي التلميح ان منشآتها النووية محصنة جيدا ولايمكن الوصول إليها, وبأن العدو الصهيوني لايجرؤ علي مهاجمتها, وانه اذا اقدم علي هذه الخطوة فربما يكون في ذلك نهاية لإسرائيل, في حين ان هناك تقارير اشارت إلي ان إسرائيل اجرت تدريبات عسكرية جوية فسرت علي انها تدريب لغارة محتملة علي إيران. ويري المراقبون انه برفض ايران الاتفاق الدولي المقترح وزيادة تخصيب اليورانيوم الخاص بها جعل الإدارة الأمريكية لاتملك إلا خيار الدفع نحو فرض عقوبات. وان الاسرة الدولية لن تقبل بوصول إيران للقدرات اللازمة لتصنيع القنابل النووية, لان امرا كهذا سيتسبب في سباق تسلح نووي في المنطقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماهو احتمال مهاجمة إيران؟ فنحن نري ان نيتانياهو يصر باستمرار علي وجود خطر إيراني محتمل, وهكذا فإن احتمال توجيه ضربة لايران يبقي قائما علي الاقل من قبل إسرائيل. فيما يري بعض المراقبين انه من الممكن للعالم التعايش مع فكرة امتلاك طهران لأسلحة نووية, وانهم لايرون اي مبرر للهجوم علي إيران, وان الدبلوماسية لم تستنفد حتي الآن مع إيران وانه ليس هناك اي مبرر لشن حرب عليها, مؤكدين ان من يدعي ان الدبلوماسية لن تجدي نفعا عليه ان يثبت جدوي التحرك المسلح ضد إيران. ان الصين هي الآن معسكر صمام الامان الضامن لتعامل أكثر هدوءا مع هذا الملف المعقد مع التلويح الدائم بمنع اي عمل عسكري متهور ضد طهران, ولو ان هذا المعسكر خسر دولة مهمة بحجم روسيا التي باتت تميل إلي التشدد أكثر وهي التي أحبطت كل جهود القوي الكبري في تضييق الخناق علي إيران. تفاعل مجمل هذه المواقف هو الذي سيحدد في النهاية طبيعة ما سيجري في المستقبل, لكن اللاعبين الاساسيين لن يكونا سوي الولاياتالمتحدةوطهران.