1 في التاسع من يوليو1805 وصل إلي القاهرة قادما من اسطنبول( كان يطلق عليها في ذلك الوقت الأستانة) رسول يحمل قرار سلطان الأستانة بتعيين محمد علي واليا علي مصر استجابة لرغبة الشعب الذي كان قد ثار علي ظلم وسوء معاملة خورشيد باشا الذي كان له نحو سنتين واليا بقرار من السلطان الذي كان يضغط لإبقائه, ولكن الشعب أعلن ثورة استمرت من أول مايو حتي يوم وصول ممثل السلطان وإعلانه الإذعان لرغبة الشعب في تولي محمد علي حكم مصر, ولم يكن محمد علي مصريا حتي يوليه الشعب الحكم كما لم يكن مقيما أصلا في مصر, بل إنه وضع قدمه فوق الأراضي المصرية لأول مرة في شهر مارس1801, ولولا الحملة الفرنسية التي قادها نابيلون لغزو مصر ما جاء محمد علي إلي مصر. ينقل المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي صورة لاجتماع وكلاء الشعب من العلماء ونقباء الصناع يوم الاثنين13مايو1805بدار المحكمة حيث اتفقت كلمتهم علي عزل خورشيد باشا, وتعيين محمد علي واليا بدلا منه, وبعد ذلك انتقلوا إلي دار محمد علي لإبلاغه ما اتفقوا عليه, ونادي السيد عمر مكرم( أحد رموز الوطنية المصرية والمقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي ونقيب الإشراف والذي أطلق اسمه علي الجامع الشهير بميدان التحرير) نادي عمر مكرم علي محمد علي قائلا: إنا خلعناه( يقصد خورشيد باشا) من الولاية, قال محمد علي: ومن تريدونه واليا؟ قال الجميع بصوت واحد: لا نرضي إلا بك وتكون واليا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير. قال محمد علي: إنني لا أستحق هذا المنصب, وقد يمس هذا التعيين حقوق السلطان, فألح عليه وكلاء الشعب وقالوا جميعا: لقد اخترناك برأي الجميع والكافة والعبرة برضا أهل البلاد, وبعد أن أخذوا عليه العهود والمواثيق أن يسير بالعدل ولا يصدر أمرا إلا بمشورتهم. نهض السيد عمر مكرم, والشيخ الشرقاوي وألبساه خلعة الولاية, وكان ذلك وقت العصر, وبذلك تمت مبايعة نواب الشعب لمحمد علي وأمروا أن ينادوا به في أنحاء المدينة واليا لمصر. الولد الباقي من17 ولدا ولد محمد علي عام1769 في مدينة اسمها قولة شمال اليونان من أب أنجب سبعة عشر ولدا لم يعش منهم سوي محمد علي الذي كان في سن الرابعة عشرة عندما مات أبوه فكفله عمه طوسون, وبعد موت العم انضم محمد علي إلي الجهادية أو التجنيد, كما كان يطلق عليه في ذلك الوقت, وعندما انتهت فترة تجنيده خرج إلي الحياة العادية, وعمل في تجارة الدخان لكنه وبعد أن صنع ثروة لا بأس بها تقرر عودته مرة أخري إلي الجهادية استجابة لنداء الباب العالي سلطان الأستانة الذي كان يرأس في ذلك الوقت امبراطورية كبري تضم من بين ما تضم اليونان ومصر ومعظم دول الشرق الأوسط, فلما قام نابليون بغزوته لمصر أرسل الباب العالي يطلب العون من الولايات التابعة له وكان منها قولة التي طلب إلي حاكمها تقديم ما لديه من الجنود, فألف كتيبة من ثلاثمائة جندي انضم إليها محمد علي ووصلت إلي ساحل أبوقير في شهر مارس1801 وكانت أول مرة يأتي فيها إلي مصر لمحاربة الفرنسيين وإخراجهم منها ثم العودة إلي بلاده. نابليون قائدا في سن ال27كان نابليون بونابرت وهو من مواليد15أغسطس1769نفس السنة التي ولد فيها محمد علي قد استطاع في سن السابعة والعشرين أن يصبح قائدا للجيش الفرنسي في إيطاليا, ويحقق الانتصارات التي جعلته بطلا وطنيا, وقد بهر نابليون القادة العسكريين بخططه المتطورة وابتكاراته في وقت لم تكن ظهرت فيه آلات الحرب الحديثة اعتبارا من الدبابة إلي الطائرة, وإنما كانت الحروب تقوم علي المواجهة والكر والفر والمفاجأة, وظل نابليون بعد إيطاليا يوالي الانتصارات حتي دقت قواته أبواب فيينا عاصمة النمسا التي اضطرت إلي طلب الصلح بحسب الشروط الفرنسية مما جعل لفرنسا المقام الأسمي في أوروبا بفضل نابليون الذي لم يكن قد تجاوز الثامنة والعشرين! وكان طبيعيا أن ينظر نابليون بعد هذه الانتصارات التي حققها في أوروبا إلي الغريم إنجلترا التي كانت من أقوي الدول في ذلك الوقت بحكم موقعها الجغرافي وسيادتها في بحار لم يكن نابليون قد اختبر قوته فيها, فكان أن اتجه تفكيره إلي فتح مصر واستغلال موقعها الجغرافي ليجعل منها قاعدة فرنسية عسكرية يستطيع الوثوب منها إلي أهم أملاك إنجلترا في الهند, بالإضافة إلي السيطرة علي البحر الأبيض وجعله بحيرة فرنسية! حلم نابليون في احتلال مصر كشف نابليون عن أحلامه تجاه مصر في رسالة كتبها من إيطاليا إلي حكومته في فرنسا بتاريخ16أغسطس1797يقول فيها: إن المواقع التي نحتلها علي شواطيء البحر الأبيض المتوسط تجعل لنا السيادة علي هذا البحر, والآن يجب علينا أن نرقب تطورات السلطنة العثمانية التي أخذت تنهار دعائمها, فإما أن نؤيدها ونمنع انحلالها, أو نأخذ ما نستطيع من أسلابها, وإذا كانت إنجلترا تنازعنا طريق رأس الرجاء الصالح فلنتجاوز عنه ولنحتل مصر فسيكون لنا فيها الطريق المفضي إلي الهند ويسهل علينا أن ننشيء بها مستعمرة من أجمل مستعمرات العالم, وإذا أردنا أن نهاجم إنجلترا فلنهاجمها من مصر. وتكشف هذه الرسالة أن مصر كانت شغل تفكير نابليون قبل أن ينهي مهمته في أوروبا, بالإضافة إلي الثأر للملك لويس التاسع الذي قاد حملة صليبية عام1249 لتحرير بيت المقدس من العثمانيين فاتجه أولا إلي مصر عن طريق دمياط بهدف الاستيلاء عليها وهو في طريقه إلي القدس, وكان يتصورها مهمة سهلة وأرضا مستباحة, إلا أنه فوجيء بمقاومة شعبية شديدة تمكنت من أسره وسجنه في دار ابن لقمان, وقد قبل لويس التاسع أن يفتدي نفسه وبقية جنوده بمبلغ عشرة ملايين فرنك دفعها وخرج من دمياط مهزوما! [email protected] المزيد من أعمدة صلاح منتصر