..لايزال المصريون في الخارج يشعرون أن أحدا في مصر لا يهتم بهم, ولا تكاد طموحاتهم تظهر علي أجندة أي وزارة.. ولذلك يظنون ومعظم الظن ليس إثما علي كل حال أن مصر الوطن الأم يعاملهم وكأنهم شيء زائد عن الحاجة. أو كأنهم قد ماتوا بمجرد خروجهم من حدود الوطن.. ومنذ متي يكون للأموات حقوق! أقول ذلك وفي ذهني اتصالات عديدة( هاتفية والكترونية) جاءتني من عدد من المغتربين يشكون مر الشكوي من سخرية بعض الإعلاميين( علي الفضائيات والشاشات المصرية) من المغتربين الذين يحملون جنسيتين إلي حد أن أحد الإعلاميين في برنامج مسائي شهير شكك في ولاء كل من يحمل جنسيتين! وأري لزاما علي أن أسرد بعضا من ردود هؤلاء المصريين الذين أكدوا أن حبهم وولاءهم, وانتماءهم لمصر لا يقبل جدالا. وأن مصر وطن يعيش في قلوبهم, وليس فحسب وطنا يعيشون فيه. وبعضهم أكد أنهم بعيدون عن مصر هذا صحيح لكن حب مصر في قلوبهم لا يقبل مزايدات أو تنازلات, وهم يحمدون الله أن المشكلات الحياتية التي يسمعون عنها ومنها ما يتعلق بتلوث أو فساد هم أبرياء منه.. ومن ثم كيف يشكك أحد في انتمائهم لبلد النيل والأزهر والأهرامات, والحق أن الدستور المصري قد كفل لكل مواطن حق الجمع بين جنسيته الأصلية وجنسية أخري, ولا تسقط جنسيته الأولي إلا إذا رغب( هو) في ذلك وطلب هذا الأمر رسميا من القنصليات المصرية في الدولة التي يعيش فيها. كما ساوي القانون المصري بين ابن المصري وابن المصرية في الحصول علي الجنسية المصرية, وكان قبلا لا يحصل ابن السيدة المصرية علي الجنسية المصرية بمجرد ولادته لأب غير مصري. إذن مصر لم تهمل أولادها المغتربين, إنما حرصت علي أن يجري في عروقهم الدم المصري ومن ثم ليس بوسع أحد التشكيك في ولاء هذا المغترب أو ذاك لمجرد أنه يحمل جنسية أخري علي جنسيته المصرية. وفي الواقع هناك في مراحل مختلفة بعض الوزراء يجمعون بين جنسيتين, وليس في هذا مراء, واعتقد أنه يمكن أن يكون مكسبا, فدولة عربية شقيقة مثل لبنان تعتبر اكتساب جنسية أخري( خصوصا إذا كانت جنسية أوروبية) إضافة حقيقية للمواطن وليس خصما من انتمائه, وكلنا يعرف أن المهاجر اللبناني أو الشامي بوجه عام استطاع من خلال اندماجه في الوطن الجديد الذي هاجر إليه أن يصل إلي مواقع سياسية مهمة, بل إنه في بعض الحالات تمكن من الجلوس في مقعد الرئيس, وحالة الأرجنتين ليست بعيدة عن الأذهان عندما اعتلي مقعد الرئاسة شخص من أصول شامية. وبالطبع ما كان بوسعه أن يفعل ذلك لو لم يكتسب في وقت مبكر الجنسية الأرجنتينية. وينطبق ذلك بشكل عام علي ما يعرف في الجغرافيا السياسية بدول العالم الجديد مثل أمريكا وكندا وبعض دول أمريكا اللاتينية. المؤكد أن المصريين حديثو هجرة بالمقارنة مع الشوام, لكن آن الأوان لكي يندمج ابناؤنا في المجتمعات التي يعيشون فيها ويعتنقون الجنسيات الأخري.. ولا يعني ذلك أنهم( خلعوا) مصر من قلوبهم.. وبالامكان توظيف هؤلاء لكي يكونوا( زخرا) للوطن الأم. بدون حساسيات لا معني لها وهنا يمكن القياس علي أحوال اليهود الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا وإفريقيا.. فهم لا يترددون لحظة واحدة في ضخ أموالهم في عروق الدولة العبرية( إسرائيل) ويقودون تيارات سياسية تدعم ليل نهار دولتهم رغم أنهم يعلمون علم اليقين أنها دولة احتلال واستيطان.. لكن اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها وتنقلهم بين الأحزاب السياسية جعلهم جبهة داعمة لإسرائيل.. دون أن يشكك أحد في ولائهم للدولة العبرية.. في ظني أن ثمانية ملايين مصري في الخارج, بحسب الأرقام التقديرية لوزارة الخارجية, يحمل أقل من نصفهم قليلا جنسيات الدول التي يعيشون فيها, يمكن أن يمثلوا( حائط صد) لمصر, ونبعا فياضا من الدعم المالي والنفسي.. وبالقطع نحن في حاجة إليهم, ومن ثم يتوجب مد جسور الوصال معهم, وضخ دماء الانتماء في عروق أبناء الجيلين الثاني والثالث وربما الرابع والخامس. ولأن لا يعرف العشق إلا من يعانيه, فالمغتربون مهما طالت أوقاتهم خارج الوطن الأم إلا أن حلم العودة يدغدغ مشاعرهم ليل نهار.. ولا تجد أي مصري طالت مدة اغترابه أو قصرت إلا ورغبته في العودة إلي الوطن الأم لا يبرح خياله لحظة واحدة.. وعلينا نحن في داخل الوطن أن نمد الأيدي لتتشابك مع أيدي الملايين الثمانية من المغتربين, فهم صفوف داعمة لمصر وراغبون في دفع عجلة الوطن إلي الأمام في مجالي الزراعة والصناعة.. ومن ثم فالحديث عن ولاء ناقص أو انتماء مشبوه هو حديث إفك لا يليق بأبناء مصر.. فكلنا أبناء هذا الوطن, شربنا من مائه العذب, وعشنا علي ترابه ردحا من الزمن ونحمل باعتزاز أوراقه ووثائقه وجواز سفره.. وليس من حق أحد أن يزعم أنه أكثر انتماء لمصر لأنه يعيش في الداخل, والمغترب أقل ولاء لمصر لأنه يعيش في الخارج أو يحمل جنسيتين. وثمة نقطة أخري هي أن الجاليات المهاجرة تظل عديمة التأثير في محيطها إلي أن تتغلغل وتتعايش وتندمج, وهذه أمور محطتها الأساسية هي اكتساب الجنسية التي تعتبرها في الحالة هذه, إضافة وليس نقصا. وكان اليونان الأقدمون يعتبرون اكتساب الثقافة اليونانية هو جواز سفر المهاجر, لأن الجنسية ليست مجرد( شعار) إنما ممارسة عبر الأدب والفكر والثقافة.. ولئن طبقنا ذلك علي مكتسبي الجنسيات الأخري من المصريين تبين لنا أن أي مصري يحصل علي جنسية دولة أخري, ويكتسب ثقافات دول أخري فهو لبنة في صرح الانفتاح المصري علي العالم, ودعم حقيقي لمصر الداخل.. واليوم يفاخر اللبنانيون العالم أنه لا توجد جامعة في مشارق الأرض أو مغاربها إلا ويوجد فيها أكثر من أستاذ أو محاضر.. وهو أمر لم يتحقق إلا بالتغلغل داخل هذه المجتمعات الغربية.. وللانصاف لم تكن هناك أي حساسية مع مصريين فعلوا الشيء نفسه في جامعات فرنسية وألمانية وسويسرية وأمريكية.. بل حقق نفر منهم نجاحا علميا في مجاله.. وكانت البداية اكتساب الثقافة وطريقة التفكير, ثم الانطلاق في مجتمعات تقل فيها كثيرا عوامل الاحباط.. كلمة أخيرة, المصريون في الخارج بخير وهم ينافسوننا في حب مصر والانتماء لها ولا فضل لمصري علي آخر, لأن الأول يعيش في الداخل, بينما الآخر رأي أن يستكمل حياته وطموحاته في الخارج.. ناهيك عن أنهم( زخر) حقيقي لمصر اليوم وغدا.