تعتبر الجامعة علي مر العصور من أهم منابع العلوم ومصادر المعرفة ومن أبرز مؤسسات إنتاج المادة الفكرية وضبط الممارسة العلمية, كما أنها تتصدر قنوات التبادل الثقافي علي المستوي العالمي, وقد قامت جامعات العالم الإسلامي بهذا الدور الحضاري واسهمت في ترسيخه وتطويره, خدمة للمسلمين وللأمة الإسلامية, وتأكيدا لرؤية الإسلامية الصحيحة لحقوق الإنسان والتعايش بين الشعوب والحوار بين الثقافات والحضارات, وعلي صعيد آخر, فإن دور الجامعات بوجه العموم ساعد في تعزيز التواصل بين الثقافات وتشجيع التفاعل بين القوي الفكرية داخل كل ثقافة فكان بذلك لها دور رائد, لكونها أولا تشكل منظومة ثقافية تتعايش بداخلها مختلف الثقافات وتتقارع في حضنها شتي النظريات, وبوصفها كذلك مركز رسم التوجهات الثقافية في المجتمع, أو هكذا يجب أن تكون ولذا فإن نجاحها في تكوين اجيال ذات رؤية متنورة منفتحة تتمسك بهويتها وتحترم ثقافة الآخر وتتطلع الي معرفتها والاستفادة منها هو ضمان نجاح مشروع الحوار بين الحضارات ونشر ثقافة السلام واحترام حقوق الإنسان... وفي واحد من أهم إصدرات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ايسيسكو صدر عام 2010 كتاب بعنوان أثر الجامعات الإسلامية في الحضارة الإنسانية, أعده باحث مغربي مهم يعمل في جامعة القرويين هو الاستاذ الدكتور الدكتور حسن عزوزي, قام فيه بالتعريف بالدور الذي لعبته ثلاث جامعات اسلامية نشأت في عصور زاهرة من العصر الإسلامي وهي جامعة القرويين بفاس بالمغرب, وجامعة الأزهر بالقاهرة في مصر وأخيرا جامعة الزيتونة بتونس, نشأت تلك الجامعات في العصور الوسطي في رحاب إسلام قوي, وكان لها تأثير هام علي المستوي العالمي ومازال حتي اليوم, وظلت الي يومنا هذا مصدرا من مصادر فخر الحضارة الإسلامية وفجرها الناصع, فلم يجد مؤرخو الجامعات العالمية إلا وضعهم في ترتيب متقدم علي بقية جامعات العالم المشهورة في أوروبا وأكدوا أهميتها ودورها المهم في الترقي العالمي وساعد علي ذلك وجود هذه الجامعات بوسط العالم القديم بمنطقة الشرق الأوسط وعلي شواطيء بحره المهم البحر الأبيض المتوسط, مما زاد من اشعاعات تأثيرها في قارات العالم القديمة أوروبا وآسيا وإفريقيا, قدم للكتاب الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري المدير العام لمنظمة الايسيسكو الذي اعتبر الجامعات الإسلامية هي معاقل للعلم والمعرفة والثقافة الإسلامية, واستطاعت علي مر العصور, أن تؤسس مفهوما متجدد لوظيفة البناء العلمي والمعرفي والثقافي مما اسهم في بناء الحضارة الإسلامية واغني التراث الحضاري الإنساني وكان له دوره المؤثر في الحضارة الأوروبية والترقي العالمي, واعترف الغرب نفسه بالفضل الكبير والإسهام الواسع لهذه الجامعات الإسلامية في بعث إرهاصات النهضة العلمية لأوروبا من خلال قنوات الاتصال والتأثير بين العالمين الإسلامي والمسيحي وذلك خلال عصور ازدهار الحضارة الإسلامية بفضل التعايش البديع بين الدولة الإسلامية وأتباع الأديان والملل والثقافات والحضارات.