في البداية أعرفك بنفسي, فأنا استشاري تأهيل الأشخاص الصم المكفوفين بإحدي الجمعيات التي تقوم بتأهيل وتعليم الأطفال ذوي الاعاقة, وكل يوم يمر علي العديد من حالات الأطفال الصم المكفوفين, أو الذين يعانون من الإعاقة البصرية أو السمعية مع إعاقات أخري. وأسألك أنت وجميع القراء قبل قراءة هذه القصة أن تعصبوا أعينكم وتسدوا آذانكم بسدادة لمدة خمس دقائق, ثم يحاول كل منكم أن يسير في منزله أو المكان الذي يوجد فيه ثم يكتب كل منكم احساسه في هذا الموقف, وما شعوره عندما كان يتعثر في الأشياء من حوله؟ وكيف أحس بعدم الأمان وكأنه يقف وسط بحر لا يعرف له حدودا, ولا يعرف كيف يصل إلي البر بسلام. كل هذا الاحساس الرهيب شعر به كل منكم لمدة خمس دقائق فقط, وفي مكان يعرفه جيدا ويألفه, فما بالكم من ظل يشعر بهذا الاحساس طوال حياته؟ من يقضي عمره كله رهين الصمت والظلام, وأحيانا السكون وعدم الحركة! ياسيدي هذا إحساس كل شخص أصم كفيف. إحساس العزلة والوحدة, إحساس عدم الأمان والخوف من المجهول. لقد قررت كتابة هذه الرسالة بعد أن أثارتني حالة أحد الأطفال, والذي عايشت حالته وقررت أن أطرق كل الأبواب لمساعدته قبل أن يفقد البصر مثلما فقد السمع والحركة من قبل, فهذا الطفل يأتي بصحبة والدته في الجمعية التي أعمل بها لتلقي التأهيل, ويحتاج إلي زرع قوقعة بالأذن بأقصي سرعة حتي نستطيع تأهيله سمعيا قبل فوات الأوان. فقد أصيب محمد بمرض وراثي يسمي متلازمة آشر وهذا المرض يؤثر علي السمع والرؤية, وتوجد ثلاثة أنواع من هذه المتلازمة, وقد شاء القدر أن يصاب محمد بالنوع الثالث الذي يولد الطفل المصاب به بحالة سمعية وحالة بصرية جيدة, وحركة وإتزان طبيعيين, ثم تتدهور القدرات السمعية والبصرية والحركية وتزداد سوءا مع مرور الوقت. ومن الأعراض الرئيسية لهذا المرض الفقد التدريجي للسمع الذي يحدث بعد البدء بالكلام, وتدهور تدريجي لشبكية العين الذي يبدأ بالتهاب الشبكية الصباغي مما يسبب العمي الليلي, وفقدان الرؤية الطرفية مما يؤدي إلي ضيق مجال الرؤية, فيري المريض وكأنه ينظر من خلال نفق. ويختلف وقت ظهور ضعف البصر, فقط يظهر بعد السنة العاشرة أو العشرين من العمر, ويعاني المريض أيضا من فقدان شديد للاتزان, ومع أن هذا المرض ليس له علاج شاف في الوقت الحالي إلا إنه من الضروري اكتشافه في وقت مبكر قبل الإصابة بالعمي, حتي يمكن تدريب الطفل علي أساليب التواصل والتخاطب باللمس, وعلي التوجه والحركة, لكي يتأقلم ويتكيف علي الحياة مع الصمم وفقد البصر ومشاكل الاتزان, والتدريب علي الحياة بدون الاعتماد علي الغير, وتوفير الأجهزة المساندة للسمع مثل السماعات أو زرع القوقعة تبعا لمتطلبات كل حالة. والطفل محمد يبلغ من العمر8 سنوات ووالده سائق تاكسي, ولايوجد للطفل تأمين صحي يغطي نفقات العملية نظرا لأن التأمين الصحي مخصص لأطفال المدارس فقط, ولكن الأطفال ذوي الاعاقة غير الملتحقين بالمدارس محرومون من التأمين الصحي, مما يكلف أسرهم أموالا كثيرة لتأهيلهم وتوفير الخدمات والأجهزة المساندة لهم. ولذلك أتوجه إلي بريد الجمعة وإلي أهل الخير ليساعدوا هذا الطفل لإجراء عملية زرع القوقعة والتي قرر مستشفي عين شمس التخصصي أنها تتكلف مائة وعشرة آلاف جنيه مصري قابلة للزيادة, فهذا الطفل يمكن أن يفقد البصر تماما خلال السنة العاشرة أو العشرين من العمر, بجانب فقد السمع والحركة ويحتاج بشدة إلي إجراء هذه العملية حتي نساعده علي التواصل مع العالم من حوله ولو حتي من خلال سماع هذا العالم, وأنا علي يقين بأن من يرزق النملة في جحرها قادر علي أن يرزق هذا الطفل, وأن يرزقنا فعل الخير ومحاولة رسم بسمة علي شفاه هذه الأسرة. سيدتي.. شكرا لك علي مشاعرك الانسانية الراقية, وقد فعلت ما طلبت, واستدعيت إحساس إنسان يفقد صلته بالعالم الذي حوله, لايري, لايسمع, يخشي من الهواء أن يصدمه, يتوقع في كل لحظة حادثا, ألما مفاجئا, إصابة في جسده, فيختار أن ينطوي علي نفسه, محتضنا جسده مع فزعه وخوفه مستسلما لمصيره الذي لم يختره. لم أفهم كيف لايكون لمثل هؤلاء الملائكة تأمين صحي, فإن لم يؤمن لمثل هؤلاء التأمين الصحي والعلاج, فلمن يكون إذن؟.. هل لأنهم بلا صوت. لا يستطيعون التظاهر أو إعلان غضبهم من الظلم؟ سيدتي.. ها نحن نطرق معك الأبواب, وندعو الله أن يرق أصحاب القلوب النقية الطاهرة, ويخرجوا من أموالهم صدقة ينقذون بها محمدا ومن معه من المعذبين, وأن تساهم في مساعدة أسري هذه الجمعية, وأرجو أن تتكرمي علي بارسال اسمها وعنوانها.. وإلي لقاء قريب بإذن الله.