فلنعد بناء مصر شعار ظهر بقوة في هذه الآونة, شعار لابد أن يتبناه كل مصري يريد فعلا التقدم لهذا البلد العريق ولكن كيف سنعيد بناء مصر ونحن مازلنا محتفظين بعقول ما قبل ثورة52 يناير؟ وكأن الثورة المصرية التي تحدث عنها العالم أجمع قامت لكي تلقي ببعض رؤوس الفساد داخل السجون فقط وليس لنعيد بناء وطننا ونتقدم به لنحيا حياة كريمة. إن إعادة بناء مصر تتطلب منا أن نتحول لبلد منتج وليس مستهلكا فقط, تتطلب منا أن نعمل ونصنع ونبني لأنفسنا صناعات جديدة, ولكن مرة أخري كيف نبحث عن صناعات جديدة وننتج ونعمل ونحن مازلنا حتي الآن نعمل علي قتل الصناعات القديمة والتي كنا متميزين فيها بالفعل. نعم إني أقصد بحديثي هذا صناعة دباغة الجلود قد يري البعض أن هذه القضية قتلت بحثا عام1002 عندما صدر قرار بنقل المدابغ من منطقة سور مجري العيون في مصر القديمة إلي منطقة الروبيكي, ولكن غير حقيقي فهي قضية لم تحسم بعد فعلي الرغم من أن قرار النقل لم ينفذ حتي الآن إلا أن ظهور المطالبة مرة أخري في عام1102 بسرعة نقل المدابغ إلي منطقة الروبيكي جعلني أشعر وكأني في عام1002 نفس التفكير ونفس المنطق فلا أحد يسمع لشكاوي ومطالب المواطنين البسطاء الذين هم أصحاب القضية. ألم يسمع أحد صرخات الجمعيات الأهلية طوال السنوات الماضية, والتي طالبت بإعادة النظر في هذا القرار؟ فإذا كان مازال هناك أحد لم يسمع أو لم يعرف أو لا يتذكر فلنعد ما قلناه منذ عشر سنوات تقريبا. نقل صناعة دباغة الجلود من منطقة مصر القديمة إلي الروبيكي يتم باعتبارها صناعة ملوثة للبيئة- علي حد زعم وزارة الصناعة والتجارة- وأنه يجب نقلها إلي منطقة نائية حتي تكون بعيدة عن المناطق السكنية ولكن أثبتت الدراسات التي قام بها مركز حابي وهو إحدي المراكز المتخصصة في حماية البيئة, أن نوع التلوث الوحيد الناتج عن عملية دباغة الجلود هو أن المدابغ تولد كميات كبيرة من المياة العادمة الملوثة والتي يتم تصريفها في المجاري العمومية لمصر القديمة, وهذا التلوث يمكن القضاء عليه تماما بإنشاء وحدة للصرف الصحي ومعالجة المياه الخاصة بالمدابغ بدلا من تصريفها في المجاري العمومية خاصة أن منطقة مصر القديمة في احتياج شديد لتغيير بنية الصرف الصحي بها من الأساس, وإذا تم فصل صرف المدابغ عن المجاري العمومية فلن يكون هناك أي نوع من المشاكل أو شكوي من التلوث وسيكون تكلفته أقل بكثير من تكلفة نقل المدابغ إلي منطقة الروبيكي. ولماذا منطقة الروبيكي؟ فهي منطقة غير مأهولة تقع في قلب الصحراء بعد مدينة بدر ب01 كم وهي تفتقر إلي كافة المرافق من شبكات المياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي كما تفتقر أيضا إلي خدمات النقل والمستشفيات والمدارس إلي أخره من أساسيات الحياة التي يستحيل علي أصحاب المدابغ والعاملين بها وأسرهم الانتقال للحياة فيها. ومشروع نقل المدابغ إلي الروبيكي كان مخصصا له061 مليون جنيه من مشروع تبادل الديون الإيطالية وتم بناء عدد أقل بكثير من المدابغ الموجودة بمصر القديمة بشكل مبالغ فيه هذا بخلاف أن المشروع لن يستوعب كل العمالة حيث إنه يتكون من إنشاء311 مدبغة بمنطقة الروبيكي بمساحات ونوعيات مختلفة بينما مدابغ مصر القديمة يصل عددها إلي003 مدبغة ومقرر أيضا إقامة44 وحدة لإنتاج الغراء في منطقة الروبيكي بينما يصل عدد مصانع الغراء بمصر القديمة إلي005 مصنع, وطبقا لتصريحات المسئولين من المفترض أن مدينة الروبيكي ستوفر ما يقرب من01 آلاف فرصة عمل جديدة إلي02 ألفا حتي عام7102 والسؤال الآن هو أين سيذهب ال00052 عامل الموزعين علي003 مدبغة و005 مصنع غراء؟ رجاء قبل نقل وتشريد52 ألف أسرة وقبل أن تشتعل مظاهرات فئوية من هؤلاء العمال نرجو من حكماء هذا الوطن أن يقوموا بإعادة فتح الملف للدراسة والتحليل ومناقشة أصحاب المشكلة ومعرفة رأيهم ومقترحاتهم في مشكلاتهم.