مبارك وسوهارتو.. والدكتاتورية! عندما ذهبت إلي ميدان التحرير يوم25 يناير لم اتصور أبدا انني سوف أري مشاهد سبق ان رأيت مثلها منذ أكثر من11 عاما وفي بلد اسلامي يتشابه الي حد كبير مع مصر. فقد تصادف ان كانت في زيارة الي اندونيسيا في الأيام الأخيرة لشهر مايو عام1998 في نفس الوقت الذي كان فيه الرئيس الاندونيسي محمد سوهارتو يزور مصر وكانت محطته الاخيرة في الرئاسة. فقد تصاعدت مظاهرات المعارضة التي كانت مشتعلة ضده واوشك نظامه علي السقوط قبل ان يصل الي جاكرتا عائدا من القاهرة. وتابعت علي مدي الأيام التالية لعودته المظاهرات الحاشدة في العاصمة حتي طلب الأمن الاندونيسي من كل الصحفيين والاجانب المغادرة حرصا علي سلامتهم من اعمال العنف التي صاحبت المظاهرات وقمع البوليس للمتظاهرين. وغادرت الي ماليزيا لعدة أيام وعدت الي جاكرتا بعد سقوط سوهارتو لاتابع تطورات ما بعد سوهارتو. والمدهش في الأمر أن مشاهد ما حدث في اندونيسيا بعد سقوط الجنرال سوهارتو الذي تولي الحكم في1967 وحكم لأكثر من32 عام حتي عام1998 تكاد تتشابه الي حد كبير مع ما يحدث حاليا في مصر بعد سقوط مبارك الذي حكم مصر30 عاما ايضا.فقد ظهرت علي سطح المسرح السياسي كثير من التيارات المتنافرة والمتعارضة الاصولية والمعتدلة والسلفية والليبرالية. وبعد تولي نائب الرئيس يوسف حبيبي لفترة مؤقتة تم اختيار عبد الرحمن واحد زعيم اكبر تيار اسلامي في اندونيسيا الامة المحمدية او المحمديين ليكون اول رئيس منتخب بعد انهيار النظام العسكري لسوهارتو. وظلت اندونيسيا تتأرجح ما بين الدولة المدنية والدينية سنوات حتي تمكنت النخب السياسية والثقافية من ترسيخ مبادئ وقيم الدولة المدنية. وقد تأثر الاقتصاد الاندونيسي كثيرا خلال سنوات التحول من الحكم الدكتاتوري والفساد السياسي الي الحكم الديمقراطي وحتي ان معدل النمو تراجع في العامين التاليين لسقوط سوهارتو الي نحو3% بعد ان كان قد تجاوز9% في السنوات السابقة- معدل النمو حاليا12% تقريبا- ولكن يظل هناك فرق كبير ما بين ديكتاتورية مبارك وسوهارتو وهوان الرئيس الاندونيسي الذي رحل عام2008 نجح في تأسيس اقتصاد قوي ساعد علي رفع مستويات المعيشة لغالبية الشعب الاندونيسي وحقق نقلة صناعية وتكنولوجيا رفيعة لبلاده وهو ما غفر له لدي غالبية الاندونيسيين ولذلك عارضوا محاكمته وان حاكموا ابنائه وأقاربه بتهم الفساد والتربح واستغلال النفوذ. المزيد من أعمدة منصور أبو العزم