واحدة من عدة دراسات عالمية عن ثورة شباب مصر في25 يناير التي أيقظت الباحثين في العلوم السياسية حول العالم فوجهت أنظارهم الي مايجري في المنطقة العربية شمالا وجنوبا من أحداث كانت أشبه بزلزال. لقد نجحت الأنظمة العربية بمساندة ودعم من القوي الاستعمارية في الغرب بدفن شعوبها لعقود في ظلمات الجهل والفقر والانحطاط, فخرجوا من دائرة العصر وقوانينه وأصبحوا يعيشون في عالم آخر بعد أن استسلموا لقدرهم ولتخلفهم, وتوقف طموحهم في الحصول علي رغيف الخبز وما يتبقي من فتات السادة الحكام الذين تمادوا في الفساد ونهب ثروات البلاد, فلم يتعلموا من دروس التاريخ, ولا من الثورات التي وقعت ضد الحكام المستبدين. مؤلف الكتاب المفكر والسياسي البريطاني ألان وودز واحد من المثقفين والناشطين اليساريين المعروفين في الغرب بالدفاع عن دول العالم الثالث ومساندة حركات التحرر من العولمة والاستعمار الجديد, وهو في هذا الكتاب الذي يتضمن عدة مقالات نشرت في عدد من المطبوعات يقدم رؤية تحليلية للثورة المصرية وارتباطها بالأزمة السياسية والاجتماعية في البلاد, وقد ترجمت هذه المقالات من موقعه الأليكتروني .Mubarachasfallen ذRevolutionuntilVictory أما عنوان النص الانجليزي فهو: رغم حماس المؤلف للثورتين المصرية والتونسية, وآماله في أن تنتقل رياحهما الي بقية الدول العربية, الا أنه- مثل كثير من الكتاب والمحللين السياسيين في الغرب يلاحظ أن ابتعاده عن المنطقية العربية المنسية بحكم أتربة التخلف التي التي غطت عليها لعدة عقود, يؤكد عدم متابعته للأحداث السياسية والاجتماعية التي دفعت الي القيام بالثورتين المصرية والتونسية, كما أن ثقافته الاشتراكية وانتماؤه للفكر الماركسي أدي به لأن يتصور خطأ- أن العمال في الثورتين كانوا المحرك لهما, وأن الحركات العمالية في المنطقة سوف تدفع في المستقبل الي مزيد من الثورات! في مقاله الأول عن ثورة الياسمين التونسية, ينتقد المؤلف بعنف حكومات الغرب الي فوجئت بالثورة والكتابات الصحفية البعيدة تماما عن واقع الأحداث. فيوم6 يناير والانتفاضة التونسية مشتعلة, كتبت مجلة الايكونوميست البريطانية: من غير المرجح أن تؤدي الاضطرابات في تونس الي الاطاحة بالرئيس البالغ من العمر74 عاما أو تسفر عن هز نظامه الاستبدادي. يقول المؤلف أن هذا البلد الشمال أفريقي كان جنة للاستقرار والرخاء النسبي علي الرغم من القبضة الحديدية للحكم, وبالنسبة للمستثمرين الأجانب, كانت تونس مكانا آمنا للاستثمار ومصدرا للعمالة الرخيصة. وكانت بالنسبة للسياح ملجأ للاسترخاء تحت أشعة الشمس, لكن الصاعقة التي خطفت العقول في هذه السماء الزرقاء الصافية, كانت في الواقع انفجارا جري الاعداد له منذ عقود, وهو يعكس في جانب منه تدهور الوضع الاقتصادي الذي كان تأثيره شديدا علي شرائح الفقراء في المجتمع. ينتقل المؤلف إلي حكومات الغرب التي صدمت بالثورتين المصرية والتونسية. فشمال أفريقيا والشرق الأوسط يمثلان أهمية أساسية للمصالح الاستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا التي طالما ساندت بن علي ونظام حكمه الفاسد طوال سنوات حكمه. والآن وبعد أن سقط النظام, قال ساركوزي أنه يقف الي جانب شعب تونس مستعمرة بلاده السابقة ويضيف لو كانت هناك جائزة نوبل في النفاق لفاز بها ساركوزي بلا أدني شك. يعرض المؤلف نماذج من تصريحات الزعماء والقادة السياسيين في الغرب التي كانت تمتدح نظامي بن علي وحسني مبارك وتدعم ماديا ومعنويا كل الأنظمة المستبدة في العالم العربي. ويؤكد علي أن هؤلاء المنافقين لايجب أن تعتمد الثورات علي مساندتهم, فمصالحهم وتاريخهم الاستعماري, يتعارض مع أي حكم ديموقراطي حقيقي في العالم العربي, ويري أنه يجب اقامة حكومة وطنية من مختلف الأحزاب والتيارات السياسية, وابعاد أتباع النظام القديم الذين نهبوا ثروات البلاد, فالثورة التي قادتها الجماهير المصرية يجب أن تأخذ حذرها من الأعداء الذين يأتي في مقدمتهم فلول النظام القديم الذين يرون في الثورة نهاية لمصالحهم ونفوذهم. ينتقل المؤلف الي ثورة25 يناير فيتابع أحداث الثورة, التي تتفق في بعض أسبابها مع الثورة التونسية, لكنه لايفرق بين الاختلاف الجوهري بين الثورتين, فبينما تسبب ارتفاع الأسعار وبطش النظام الحاكم في اندلاع ثورة تونس التي قادها العمال المقهورين أواتحاد الشغل, وانضم اليها الشباب الذين بعانون من البطالة وينتمي بعضهم الي تيارات دينية, فان الثورة المصرية قادها في البداية شباب ينتمي الي الطبقة الوسطي في المجتمع يجيد استخدام أجهزة الاتصال الحديثة, ويتابع فساد النظام في بلاده وقهره للشعب, وارتماء رئيسه في أحضان اسرائيل والولاياتالمتحدة علي حساب مصالح وسيادة بلاده. ولم يكن كل شباب مصر الذي شارك في الثورة من العاطلين عن العمل- كما يقول المؤلف- ولم يكن الفقر الشديد هو المحرك الأساسي للثورة, ولم يكن أيضا للطبقة العاملة دور يذكر في الثورة, فقيادات اتحاد العمال في مصر كانت من المدافعين عن نظام مبارك الذي احتواهم وأغدق عليهم بأموال الحزب الوطني. لكن سوء الادارة وفساد الحكم الدكتاتوري وجشع العصابة الحاكمة والتفاوت الفاجر بين الأثرياء والمعدمين واقتحام أجهزة الأمن لحياة المصريين, وفساد الحزب الحاكم وتزوير الانتخابات, كل هذه العوامل ساهمت في قبام المصريين بالثورة التي أكدت أن القوة والقهر ليسا ضمانا لاستمرار النظام الفاسد, اذا هبت الشعوب مطالبة بحقها في الحرية وفي حياة ديموقراطية كريمة. ينتقد المؤلف جهل الولاياتالمتحدة وحكومات الغرب, واستخدام مبارك وبن علي للاخوان المسلمين كفزاعة تهدد مصالح الغرب اذا تولوا حكم البلاد, وقد كانوا علي قناعة تامة بأن نظامي مبارك وبن علي هما الضمان للاستقرار في المنطقة وأن سقوط نظامهما يعني تولي الاخوان المسلمين وجماعات التطرف الديني الحكم, وهو يؤكد أن قيادات الاخوان المسلمين في مصر رغم قهر نظام مبارك لهم طوال حكمه لم يكن لهم أي دور قيادي في الثورة ولا في تنظيم الاحتجاجات, بما يكذب ادعاء الرئيسين السابقين, فقد كانت التوترات في مصر التي بلغت درجة الغليان واجماع مختلف طبقات الشعب علي رفض مبارك وعصابته الحاكمة هي المحرك الرئيسي لثورة شباب مصر. لقد ترك نظام مبارك ارثا ثقيلا للثورة المصرية, لكن لايمكن حل المشاكل الملحة للمصريين في ظل اقتصاد السوق, وهناك غضب عارم ضد الفساد واللامساواة. لقد بدأت الثورة المصرية ولكنها لم تنته, وهناك خطوات يجب أن تتخذ لحمايتها من فلول النظام السابق, والسيطرة علي وسائل الانتاج من أجل التوزيع العادل لثروات البلاد.