عاد الحوار حول موضوع الطاقة النووية المدنية( أو السلمية), في ضوء تداعيات أزمة المفاعلات اليابانية في فوكوشيما. فقد صرح الدكتور ياسين إبراهيم, الرئيس التنفيذي لهيئة المحطات النووية بأن حادث طوكيو له انعكاس علي كل المشروعات النووية, ومنها المشروعات التي تحت التصميم أو تحت الإنشاء. ولا شك أن القيادات السياسية في الدول الديموقراطية تتحرك بحساسية شديدة في موضوع الطاقة النووية بسبب مواقف الأحزاب والرأي العام والإعلام تجاه قضايا السلامة وغيرها. ويمكننا التعرف علي مدي تعقد الموضوعات التي تحتاج الي بحث في هذا المجال من خلال إطلالة علي وقائع ندوة لندنية ساهمت فيها خلال الصيف الماضي. ويمكن عرض سبعة موضوعات بحثتها الندوة باعتبارها تمثل بعض النواحي الفنية الحيوية المرتبطة بالبرامج النووية المدنية وهي: 1 مواقف الرأي العام مقابل الاعتبارات العملية: ترتبط عمليات إنشاء المحطات النووية باعتبارات سياسية, منها موقف الرأي العام, وتقدير المخاطر المرتبطة بها, والأولويات الحكومية التي تميل الي التركيز علي نواحي السلامة والأمن. وفي نفس الوقت, فإن نموذج المحطات النووية الكبيرة يحتاج الي حشد تمويل ضخم وافتراض قدرة مالية لا تسعي الي عائد سريع, مما يعزز احتمالات التأجيل وإطالة مدة تنفيذ المشروع. وبالمقابل تطرح أفكار حول إقامة مفاعلات أصغر حجما, كما يوجد توجه لشراء المفاعلات من آسيا لانخفاض تكاليفها. 2 الاعتبارات البيئية: يطرح الخيار النووي بوصفه بديلا للبترول كمصدر للطاقة. وتزداد جاذبية هذا البديل عند اضافة اعتبارات تغير المناخ, حيث تشير استقصاءات الرأي إلي ارتفاع نسبة مؤيدي استخدام الطاقة النووية بسبب قدرتها علي خفض الانبعاثات الحرارية. وتتأكد هذه الصورة عند تقدير تأثير الزيادة السكانية العالمية علي احتياجات الطاقة حيث يتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلي9 بلايين نسمة عام2050, مقارنة بحوالي6 بلايين الآن. 3 الأمن والسلامة: القدرات النووية المدنية هي جزء هام من منظومة الأمن القومي. ومن الناحية العلمية فان الحفاظ علي أمن المحطات النووية لابد وان يندمج مع إجراءات السلامة لهذه المحطات. وهذا توجه يبدأ من مرحلة التخطيط لإنشاء أية محطة, مع تحديد المخاطر المحتملة حاليا ومستقبلا, وتقدير التكاليف, وتحديد الجهة التي ستتحملها. 4 التمويل: تقوم الدول بدور أساسي في تمويل محطات الطاقة النووية, سواء كان ذلك عن طريق التعاقد المباشر أو تقديم ضمانات للقطاع الخاص( مثل الالتزام بثمن محدد لكيلو وات الكهرباء الذي تبيعه الشركة المالكة أو التي تدير المحطة). يرتبط ذلك بمجموعة من الاعتبارات تتعلق بربحية المحطات, وطبيعة المخاطر الائتمانية, وفلسفة دور الدولة الاقتصادي, وأنماط الملكية والإدارة. ويلاحظ أن بريطانيا تقدم نموذجا لدور الدولة التنظيمي الذي لايصل إلي حد توفير التمويل حيث ترك للقطاع الخاص. 5 المسئولية القانونية عن الأضرار: تتعدد المسئوليات القانونية المرتبطة ببناء المفاعلات النووية في المراحل المختلفة لانشائها. وتترابط المستويات المختلفة من الأطر القانونية التي تحكم هذه المسئوليات 6 التأمين: توجد ثغرة في قدرات شركات التأمين علي تغطية مخاطر المحطات النووية. ويقول الخبراء إن القدرة المالية التأمينية الحالية في الولاياتالمتحدة لا تكاد تغطي قيمة محطة واحدة( وإن كانت هذه القدرة مرشحة للزيادة). ورغم تعدد شركات التأمين المستعدة لتغطية عمليات انشاء المحطات النووية المدنية فانه لا توجد سوي3 أو4 شركات أوروبية لديها القدرة علي تأمين هذه المحطات عندما يبدأ تشغيلها. ولا تتعدي قدرات السوق الأوروبية حوالي البليوني دولار(مقارنة بتكليف محطات الامارات العربية مثلا التي تصل إلي عشرة أضعاف هذا المبلغ!). أما عن الطاقة التأمينية الخاصة بالمسئولية عن الأضرار فلا تتعدي1.3 بليون دولار. وبصفة عامة يوجد قصور كبير في إمكانيات التأمين ضد أضرار المحطات النووية خاصة إذا ظهرت مطالبات بالتعويض تستغرق تسويتها زمنا يتعدي فترة التأمين 7 الاعتبارات الفنية: ثمة قضايا فنية دقيقة ترتبط بقرارات إنشاء المفاعلات النووية, من بينها المفاضلة بين المدارس المختلفة في التصميم, وبين الدول المنتجة للمفاعلات, وكيفية التعامل مع المواد المعشة والطاقة والحرارة المتولدة, والارتباط بين عملية التبريد( التي تحتاج إلي ضخ20 طن من المياه في الثانية)وحجم الطاقة الناتجة. كما توجد آفاق هائلة لتطور المحطات النووية فنيا مع دخول الجيل الثالث منها إلي الخدمة.