أسقطوا نظاما بكامله كان البعض يتصوره حديديا فكانت المفاجأة أنه كان هشا لم يحتمل هدير حناجر الجماهير التي التفت حول أبناء جيل الثمانينيات, فتحولت الثورة إلي ثورة شعب ولم تعد ثورة شباب الفيس بوك وإن كانوا هم من قادوها وفتحوا الطريق أمام الملايين. منذ تلك اللحظة التي هبطوا فيها من عالمهم الإفتراضي الإنترنت بعد أن أطفأوا أنوار حجراتهم وأغلقوا أجهزة اللاب توب إلي ميادين مصر, ظلوا كما هم متمسكين بحقهم وحق أبناء مجتمعهم في صياغة القرار وتحديد مستقبل وطن كانوا يحلمون به ويحلم به كثيرون غيرهم.. ولأن للنجاح ألف أب أما الفشل فهو إبن سفاح, حاول الكثيرون القفز فوق الثورة.. راهنوا علي أنها قد إندلعت تلقائيا ولم تكن لها قيادة فالوقت قد حان ولنكن نحن القيادة..!! وتبدلت الوجوه علي مسرح ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر وظهر الاخوان المسلمون وغيرهم من التيارات السلفية بعد أن حجبوا ممثلي الثورة الحقيقيين الذين استسلموا مؤقتا لهذه الوجوه التي ادعت أنها الطريق الوحيد للهداية واصلاح ما أفسده حكم أزاح من طريقه كل من يعترض علي أن يتحول الوطن إلي تركة تتوارث..!! وتخيل الاخوان أن المؤسسة العسكرية التي أعلنت منذ اللحظة الأولي لإندلاع الثورة انحيازها الكامل لمطالب الشعب دون فئة معينة منه داعمة لهم في محاولتهم هذه باعتبارهم الأمناء علي الثورة والمتحدثين باسم الشعب والمحركين لمشاعره والمحققين لأمانيه, فبدأوا تحركاتهم لفرض كلمتهم علي الجميع.. وسعي البعض منهم لأن يعيد فرز المواطنين علي أساس الدين وأن يفرض علي غيرهم أحكامه.. ولم لا ؟ فهم وحدهم المسلمون.. وما عداهم من المواطنين من كفار قريش أحفاد أبو لهب!! وعندما شعر المواطنون بأن ثورتهم قد تصبح غنيمة.. وأن أحلامهم قد تتحول إلي سبايا لدي الآخرين وأنهم عندما فتحوا صدورهم ليتلقوا رصاص من كان يفترض فيه حمايتهم بعد أن حملوا حياتهم علي أكفهم ليطالبوا بحقهم لم يكن هدفهم مجرد الإنتقام أو أن يتحول محمد السني أمين الشرطة وحده إلي نموذج لسفاحي الثورة بينما من ضغطوا علي زناد السلاح لا يزالون بعيدين عن العقاب الذي يستحقونه, فزعيمهم في منتجع شرم الشيخ ولم يقدم لأية محاكمة, بينما بقي وزير داخليته ومساعدوه ينتظرون حتي اللحظة ما سينطق به قاضي الجنايات في قضية اهدار دم الثوار ولا أحد يعلم متي ؟!.. حتي أن مريديهم حريصون وقت محاكمتهم علي اخفائهم عن الأعين بدرع بشرية.. فخرج المواطنون مرة أخري إلي الميادين في ثورة غضبهم الثانية مؤكدين علي حقهم في تنفيذ مطالبهم ومواجهة المجرمين الحقيقيين.. وهنا توهم الاخوان أن الفرصة قد لاحت لتقديم أنفسهم علي أنهم المسيطرون علي حركة الجماهير فراهنوا علي فشل وقفة الغضب بعد أن أعلنوا انسحابهم منها بل وراحوا يثيرون الفزع والمخاوف إذا ما تمت غير أن أحداث جمعة الغضب الثانية قد مرت بسلام وتحضر, بل إن محاولات إحداث الوقيعة بين الشعب والمؤسسة العسكرية قد باءت جميعها بالفشل إذ كانت هتافات الجيش والشعب إيد واحدة ترج تلك المباني التي تحيط بميادين مصر..! ومرة أخري تجدد المؤسسة العسكرية بمواقفها ورسائلها المتتالية تأكيداتها بأنها لا ترغب في السلطة احتراما للشرعية والتزاما بمبادئ وقيم المؤسسة العسكرية وأنها تقف علي مسافة واحدة من كل التيارات السياسية, وأنه لن تسمح لأحد أيا كان بأن يقفز علي السلطة دون إرادة شعبية وأنها لن تفرض شيئا علي الشعب دون موافقته عليه.... وبتلك التعهدات المتجددة للمؤسسة الوطني فإنني علي يقين بأنه لن يتحقق حلم البعض بأن يصبح الدين لله.. أما الوطن فللإخوان فقط!! المزيد من مقالات عبدالعظيم درويش