تشهد حاليا قاعة المسار للفنون بالزمالك إقامة معرض استيعادي للفنان الراحل عاشق الطين, وأحد رواد فن الخزف في العالم, الفنان نبيل درويش الذي رحل عن دنيانا في عام.2002. والفنان الراحل من مواليد إحدي قري الوجه البحري وهي قرية السنطة بالقرب من مدينة طنطا بمحافظة الغربية, بدأ حياته كأقرانه في القري في كتاب القرية ينفر من الكتاب ويهرب في الحقول, يعتلي إحدي الأشجار ويجلس بين أغصانها متأملا الحقول الخضراء الممتدة أمام عينيه,, يراقب ما يدور حوله من حركة يلتحم فيها الإنسان والحيوان بالطبيعة في توحد متقن, ووجد ضالته في الطبيعة فراح يرشف منها بحواسه كلها, فكانت تلك هي البداية التي اعتملت في نفسه كي يصبح فنانا. ويقول الفنان نبيل درويش عن هذه الفترة المبكرة من حياته: منذ أن أمسكت راحتاي الصغيرتان بتراب الأرض وطين الترع, فاعتملت في نفسي الرغبة منذ الصغر أن أصبح فنانا, ورحت أرسم وأنحت, ثم تبينت أنني متجه بكل جوارحي إلي فن الإنسانية الأول, وهو الإبداع بالطينة المحروقة فاخترت لنفسي الخزف والتحقت عندما شبيت عن الطوق بكلية الفنون التطبيقية. وقد بدأت مسيرة الفنان نبيل درويش في فن الخزف في كلية الفنون التطبيقية التي تخرج فيها عام1962, ثم التقي بأستاذه رائد فن الخزف المعاصر الفنان سعيد الصدر الذي أولاه كل رعايته وعلمه في أحسن صورة وتدرب في ورشته التي أنشأها في الفسطاط كمؤسسة من مؤسسات وزارة الثقافة باسم مركز الخزف, كما وجد أن فن الخزف شديد الارتباط بفني النحت والتصوير, فالتحق في أوقات الفراغ بالقسم الحر في كلية الفنون الجميلة, ودرس فن التصوير علي يد الأستاذ أحمد زكي, وفن النحت علي يد المثال جمال السجيني الذي تعلم منه الكثير مما أفاده في فن الخزف, وهو ما جعل منه أيضا نحاتا ناجحا, حيث حصلت بعض تماثيله علي جوائز مثل تمثال الأمومة الذي أصبح بعد ذلك أحد مقتنيات متحف الفن الحديث متصدرا مدخل مبناه. وبرغم ما أحاطه به أساتذته من عظيم رعاية, فإنه دائما وأبدا ما كان يعتبر الطبيعة معلمه الأول, ففي كل صيف كان يحمل أدواته وأوراقه وألوانه ويطوف في ريف مصر وصعيدها راسما نواحي كثيرة من قري مصر, وفي نفس عام تخرجه أقام معرضه الأول بقصر هدي شعراوي الذي كان مقر متحف الفن الحديث, وقد حازت أوانيه وتماثيله ورسومه إعجاب جمهور المعرض مما كان باعثا له علي بذل الجهد الشاق والدءوب كي يصبح فنانا حقيقيا. وفي عام1971 حصل علي درجة الماجستير في الخزف, مكتشفا فيها الأسرار التكنولوجية ل شباك القلة الذي برع في صنعه خزافو العصر الإسلامي, وأصبح من بعدهم سرا مستغلقا علي الباحثين. وأعير للعمل في تدريس التربية الفنية بدولة الكويت في الفترة من عام1973 حتي عام1976, فطاف أنحاء الكويت حتي اكتشف الأماكن التي تحتوي علي طينة ذات طبيعة رملية صالحة للإبداع الخزفي, وبعد ذلك اتجه إلي إيران والعراق وتركيا وسوريا ولبنان سعيا وراء منابع فن الخزف الإسلامي والعربي الذي هو الأصل الحقيقي للتجديد الذي تشاهده أوروبا الآن. ثم عكف الخزاف نبيل درويش علي دراسة الخامات المحلية وإمكان الحصول علي أجسام خزفية سوداء منها تنتج في درجة حرارة عالية, وقد حصل عن نتائج دراسته هذه علي درجة الدكتوراه من جامعة حلوان عام1981 ومن آراء الفنان نبيل درويش أن فن الخزف من أصعب الفنون, وأن ظهور خزاف واحد قد يحتاج إلي مائة عام, فالخزاف يجب أن يكون مصورا ونحاتا ورساما قبل أن يبدأ في تعلم الخزف وممارسته, كما يجب في الخزاف أن يكون ملما بعلوم الكيمياء والرياضيات والتكنولوجيا, فالطريق المؤدي إلي عمل قطعة خزفية فنية أكثر طويل ومشقة, لذا نجد العديد من الفنانين ممن بدأوا خزافين يغيرون طريقهم إلي مجالات أخري, ومن ثم فإن المبدعين من الخزافين في العالم يعدون علي أصابع اليد الواحدة, وقديما كانت الأواني الفخارية تعتبر تحفا يحرص علي اقتنائها الملوك والسلاطين والأمراء وكانت من أغلي الهدايا. ومر الفنان نبيل درويش بمحنة كبري عندما دمر زلزال عام1992 ما يقرب من750 قطعة فنية من أندر أعماله من بين ثلاثة آلاف عمل يحتويها متحفه المطل علي ترعة المريوطية, حيث اهتز المتحف بشدة ووقعت الأواني رائعة الجمال لتصبح حطاما, إلا أن القدر عوضه عن خسارته هذه بإضافتين جديدتين تضمان إلي إضافاته في هذا الفن, الأولي كانت اكتشافه نسيج الكاراكليه أي الإحساس بأنك تري تشققات متقاربة أو متباعدة في جسم الآنية, والثانية توصله إلي اللون الأحمر الجميل الذي هو أشبه بالألوان المائية الشفافة دون استعمال الأكاسيد, وقد أصبحت هاتان الإضافتان, إلي جانب إضافات أخري وصلت إلي27 إضافة في فن الخزف علي مستوي العالم, علما عليه, مما حدا بالدوائر الفنية العالمية إلي وصفه بأنه أبو الخزافين في العالم, وحصل علي الجائزة الكبري في فن الخزف4 مرات علي مستوي العالم. ولقد استطاع الفنان الخزاف نبيل درويش خلال أربعين عاما من الجهد المتواصل الدءوب أن يحقق خطوات وإضافات أكمل بها مسيرة عمالقة الخزف في العالم عن طريق عمل الفرن, فتوصل إلي خطوة لم يسبقه إليها أحد في العالم وهو إعطاء إحساس التلوين بالألوان المائية مع اللون الأسود( بلاك ميرور), لأن اللون الأسود عند حرقه يأكل جميع الألوان, كما توصل إلي الحصول علي ألون أشبه بطوق الحمامة وهي الألوان المتدرجة من الأسود إلي الأزرق إلي البنفسجي إلي الأخضر ذي البريق عن طريق النار, كما لعب بعنصر التطعيم وهو خلط اللون بالطينة وتوجيهها بعمل أشكال فنية علي الدولاب أي أن اللون جزء من صلب البنية الأساسية, وليس إضافة. ويقول درويش إن الفرن والنار والطينة في يد الخزاف المبدع يجب أن تصنع كل شيء, ويجب أن يخرج الإناء من الفرن مجسما لخيال الفنان كعلاقة بين تصور وفعل ونتيجة شأنه في ذلك شأن ما تنتجه قريحة الفنان, وإن فن الخزف هو فن الرسم بالنار والطين, وهو نحت وتصوير وصناعة.