في ختام رحلة شعرية حافلة, تصدر الشاعرة نور نافع مجموعتها الجديدة سلام عليك أيها الشعر, بعد أن امتلأت رحلتها الشعرية بمجموعاتها السابقة: لعلك ترضي, وطوبي لهذه البراعة, ورسالة إلي الزمن الجميل, ورفيف الجناح العطر, ومسرحيتها الشعرية سيرة عنترة. والشاعرة نور نافع, ترأس جماعة شعراء العروبة, منذ رحيل رئيسها السابق الشاعر إبراهيم عيسي, وهي جماعة مثابرة في نشاطها الهادف إلي المحافظة علي القصيدة العربية في مواصفاتها المعهودة, ونشاطها مستمر علي مدي عقود عدة, منذ رأسها الشعراء: إبراهيم ناجي وخالد الجرنوسي وعبدالله شمس الدين ونفخوا فيها من روحهم ما جعلها قادرة علي مواصلة المسيرة حتي الآن. وقد حصلت علي الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون والآداب بكاليفورنيا ضمن عدد من الشعراء المصريين وعلي جائزة القباني عن ديوانها الأول. وفي شعر نور نافع حرص علي التقاليد الشعرية المتمثلة في الالتزام بوحدة البحر الشعري والقافية المطردة, والتأثر المرهف بجماعات التجديد الشعري في العصر الحديث التي تضم جماعة المهجر وجماعة الديوان وجماعة أبولو, وهو ما يبدو في معجمها الشعري, وعالمها المزدحم بالصور الشعرية التي ميزت إبداع هذه الجماعات, ولغتها الواضحة الإحكام, لا وهن فيها ولا ترخص, لأنها شاعرة تعرف ما تقول. وفي كثير من الأحيان يفجؤنا في شعرها تمثلها لنماذج عالية من تراث القصيدة العربية, وحين تستدعيها بصورة تلقائية تنسكب علي الورق مفردات وصيغا وتعابير تذكرنا بموضعها من النموذج البعيد. تقول نور نافع: قد ميل الراووق يسقيها/ في بعض ليل من ليالها/ مدت يدا للكأس تبعدها/ والدمع يقطر من مآقيها/ تبكي أسي وتقول جنبني/ لهبا مذابا في أوانيها/ يا قلب كف يديك إن بنا/ ما يملأ الدنيا ومافيها/ عودتني السقيا بكل غد/ هو أنت أولها وثانيها/ ليس من الصعب أن نكتشف هذه اللمسة الروحانية التي تلفحنا بصهدها ونيران توبتها واكتشافها لما وراء القشرة الظاهرة والنشوة العابرة. والحوار بين الشاعرة وقلبها العاشق المستهام الذي يتصباه الجمال في كل شئ ويعب من فتن الدنيا ولذائذها, حوار واخز, تريد به إيقاظ النفس والعقل, وتغيير المسار الذي قادها إليه قلب تملؤه الغواية وتتحكم فيه الصبوات, وكأنها تتمثل حال رابعة العدوية وغيرها من التائبين الأوابين والتائبات الأوابات, حين تجئ لحظة الإقلاع عن دنيا تسكر بخمر مفاتنها وصبواتها, والولوج في ساحة تضم العابدين المتطهرين. لكن الديوان لا يقتصر علي هذه النغمة الروحانية المتطهرة, ولا علي قصائد التوبة والابتهال, ففيه الشعر الذي يستنهض الهمم الغافية, ويحاول أن يحرك الساكن في صدور من استسلموا لليأس والوهن, وتقاعسوا عن نصرة الوطن والأمة, متخذة من دم الشهداء وأرواحهم المقدسة وترا تعزف عليه ألحانها الشعرية البديعة, وهي تقول: معا دائما في طريق البراق/ لحقهم به حيث طاب اللحاق/ الشاعرة نور نافع في هذه المجموعة الجديدة: سلاما عليك أيها الشعر تضيف جديدا إلي ما أبدعته في دواوينها السابقة, عبر رحلة شعرية طويلة, شقيت وسعدت بمكابداتها وأشواقها, وأفراحها وأحزانها, عاشقة للشعر, واقفة عند بابه, تتلقف ثماره وعطاياه غير متعجلة أو غافلة وهي تفتح له ذراعيها في مستهل ديوانها الجديد هاتفة: أهلا بك أيها الرائع الجميل, أيها الأمير الذي يراقص أرواح الناس ويلاغيهم, والذي يغزل الموسيقي, هذا الشعر هو كل هذه الحياة, ما كانت الحياة لولاه! وهو هتاف يكشف عن عمق انتسابها لشجرة الشعر, واستجابتها الطيعة لنشوته وحمياه, غير عابئة بزمان اختلت فيه المعايير, واضطرب فيه كثير من الأذواق, واثقة أنه لابد أن يجئ يوم يعتدل فيه الميزان. وكأن الديوان تحية تكريم لشهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير التي غيرت وجه الحياة في مصر, وأعادت الإنسان فيها إلي حقيقة جوهرة وهويته وانتمائه. كما أنه يكشف عن حقيقة شاعرة, عاشت مخلصة لفنها الأثير: الشعر, ولم تحرص علي الحضور الاعلامي الذي يجيده غيرها من الشعراء أو الشواعر, حتي يكونوا في صدارة المشهد, مكتفية بنفسها الرضية السمحة, وبطبعها الزاهد المتعفف, وإيثارها للهدوء والعزلة بالرغم من رئاسته لجماعة شعراء العروبة, ورعايتها لما تقوم به من نشاط دائب. وهو موقف لم يلفت إليها الأنظار بما تستحقه من اهتماما, في زمن أصبح الناس لا يلتفتون إلا لمن يدمنون قرع الطبول, وتسويد الصفحات بالأخبار والصور والإعلانات, وكأننا في سوق تعرض المستعمل والمستهلك من المنتجات باعتباره بضاعة كاسدة, فهي تعرض شعرا سبق إنتاجه مرات, وقرأه الناس في صور متعددة لمنتجين عديدين. تقول نور نافع ابنة النيل: أنا أبنة النيل رباني وعلمني وصان في مقلتي العرف والدينا أخت المعز, أنا, حولي مآذنه وفوق رأسي تاج صاغة مينا وخلف ظهري تاريخ أتيه به قد استحال دما يغزو الشرايينا يشتد ظهري به في خير آصرة مزجت يعرب فيها والفراعينا أجل, أنا الأمس, إني اليوم, ثم غدي قد أشرقت شمسه الغراء تدعونا المزيد من مقالات فاروق شوشة