عاشت مصر فرحة غامرة إثر فوز فريقها القومي لكرة القدم وللمرة السابعة والثالثة علي التوالي بكأس الأمم الافريقية والذي يعد انجازا غير مسبوق جعل الاتحاد الدولي لكرة القدم( الفيفا) يصنف مصر ضمن العشرة الكبار عالميا في كرة القدم. ولقد أجمع الكتاب والمحللون السياسيون علي أن هذا الانجاز ما كان ليتحقق لولا تحلي اللاعبين جميعا بروح الفريق وتسابقهم لأداء الواجب, أضف الي ذلك توافر قيادة مخلصة النية أمينة وواعية تمكنت بالحب والحزم معا استخلاص ابرع واجمل ما في كل لاعب لتحقيق الهدف المنشود. في قول واحد فان ما حققه الفريق القومي لكرة القدم من انجاز فريد يمثل نموذجا للعمل المؤسسي القائم علي التفاني وبذل الجهد, وهو نموذج مصغر جدا لما حققناه في حرب أكتوبر1973 وهو ما يؤكد أن المصريين قادرون علي تكرار هذا النموذج في كل مجال من مجالات الحياة وعلي كل المستويات مادامت توافرت الارادة والاخلاص والتفاني. وفي غمار الفرحة بالنصر الكروي الكبير وفي توقيت تم اختياره بذكاء جاء حوار نراه في ذلك السياق ونعني به مقومات وآليات النجاح في أحد ان لم يكن أهم مجالات النجاح في الحياة ألا وهو التعليم والبحث العلمي كان هذا الحوار الذي امتد لاربع ساعات متصلة بين اثنين من الاعلاميين( مني الشاذلي ومحمود سعد) من جهة والعالم الدكتور أحمد زويل من جهة أخري. وعلي الرغم من تشعب الحديث الي موضوعات عدة علمية وتعليمية وسياسية وتاريخية الا ان هناك ثمة محطات لافتة وكاشفة يمكن أو بالاحري ينبغي الوقوف عندها لعل اهمها ما يأتي: { فور وصوله الي سدة الحكم وإيمانا منه بالاهمية القصوي للتعليم والبحث العلمي, قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتشكيل مجلس استشاري له يتكون من18 عالما في شتي العلوم( منهم د. زويل) وهم مستشارون من خارج الحكومة لا يتقاضون مرتبات ولا مكافآت, بل من الطريف أن كلا من هؤلاء المستشارين مطالب بدفع مائة دولار عند كل اجتماع نظير وجبة الغداء التي سيتناولها( انظر الي الفرق بين مستشاريهم ومستشارينا الذين تعج بهم الادارات الحكومية ويتقاضون مبالغ فلكية كمكافآت) { إن البشر هم ثروة حقيقية يمثلون الطاقة البشرية التي تعتبر بحق أساس أي تقدم, ومن ثم فان الزيادة السكانية تعتبر نعمة لا نقمة اذا تم استثمارها بطريقة علمية جديدة, ونموذج الصين دليل واضح وجلي, فعلي الرغم من تعداد السكان الذي ناهز1.5 مليار نسمة فقد تمكنت الصين من تحقيق معدلات نمو غير مسبوقة ووصلت الي10%, أي أعلي من نظيرتها في الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها. { ما حققته تركيا في السنوات العشر الماضية يستحق القراءة والفهم فقد تضاعف متوسط دخل الفرد بنحو عشرين مرة عندما قررت الدولة الاستثمار في البحث العلمي ورفعت ميزانيته من واحد في الألف الي واحد في المائة من اجمالي الميزانية العامة للدولة. { ان الحكومة ومهما يكن ثراؤها ليس في مقدورها الانفاق بمفردها علي التعليم والبحث العلمي. ومن ثم فلابد من تفعيل دور المجتمع المدني بكل فئاته وأطيافه للاكتتاب العام في صندوق لتمويل التعليم والبحث العلمي. يحدث هذا في كل دول العالم بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وقد ضرب د. زويل مثالين في هذا الصدد: الأول لرجل أعمال أمريكي بارز تبرع للدكتور زويل وفريقه البحثي بعشرين مليون دولار حتي يتمكنوا من إنجاز مشروع اختراع الميكروسكوب الالكتروني رباعي الابعاد, أما المثال الثاني فهو لاحد رجال الصناعة الأتراك الذي أوقف بعض شركاته بقيمة نصف مليار دولار للبحث العلمي, وقد تضاعف هذا المبلغ اربع مرات في غضون فترة زمنية قصيرة. { علي عكس ما يعتقده البعض, فليس هناك ثمة تعارض بين اتاحة التعليم وجودته. فلقد تلقي د. زويل وأبناء جيله من المصريين علي حد تعبيره تعليما جيدا ومجانيا في ستينيات القرن الماضي ومن هنا ننوه الي خطورة تسليع التعليم اي تحويله الي سلعة متعددة درجات الجودة تبعا للثمن الذي في مقدور( المشتري) أن يدفعه لابد أن يكون هناك تعليم جيد للجميع. وليس معني هذا ألا تتبني الدولة من خلال مراكز للتميز ابناءها الأكثر نبوغا(1% من مجموع الطلاب) لكي يكونوا نواة لمشروع النهضة. ألستم معي أن قوانين لعبة كرة القدم هي ذاتها القوانين التي تضمن تحقيق أي نجاح في كل مناحي الحياة؟ وأليست هذه القوانين هي الارادة والاخلاص والنزاهة والعدل وروح الفريق ووضوح وشفافية الهدف والتخطيط الجيد ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب بلا وساطة وبلا مجاملة, وتطبيق القانون علي الجميع وعلي الملأ وبلا استثناء. د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية