الأحرار الاشتراكيين ل صدى البلد: الحركة المدنية تتخذ اتجاها معاكسا لمفهوم استقرار الدولة    معركة موازية على «السوشيال ميديا» بعد القصف الذي تعرضت له مدينة رفح    الأوقاف: افتتاح 21 مسجدًا الجمعة المقبلة    غدا، محافظة القاهرة تبدأ فتح باب تلقى طلبات التصالح في مخالفات البناء    وزارة السياحة والآثار تشارك في سوق السفر العربي بالإمارات    بعد غد.. انطلاق مؤتمر "إعلام القاهرة" حول التغيرات المناخية    شبكة القطار السريع.. كيف تغطي جميع أنحاء الجمهورية؟    المقاومة تطلق رشقات صاروخية على مستوطنات إسرائيلية فى غلاف غزة    المقاومة في العراق تستهدف بالطيران المسيّر قاعدة "يوهنتن" الإسرائيلية    مدينة برازيلية تغرق تحت مياه الفيضان    كريم شحاتة: تقدمت باستقالتي من البنك الأهلي حفاظا على كرامتي    بيان رسمي من نادي الزمالك بشأن أخطاء الحكام ضد الأبيض في الدوري الممتاز    تعرف على أسباب خروج «ديانج» من حسابات «كولر»    أخبار مصر اليوم: السيسي يدعو كل الأطراف للوصول إلى اتفاق هدنة بغزة.. قرار جديد بشأن طلبات التصالح في مخالفات البناء    الخميس.. إيزيس الدولي لمسرح المرأة يعلن تفاصيل دورته الثانية    اهم عادات أبناء الإسماعيلية في شم النسيم حرق "اللمبي" وقضاء اليوم في الحدائق    ليلى علوي تحتفل بشم النسيم مع إبنها خالد | صورة    محمد عدوية: أشكر الشركة المتحدة لرعايتها حفلات «ليالي مصر» ودعمها للفن    هل يجب تغطية قَدَم المرأة في الصلاة؟.. الإفتاء توضح    أدعية استقبال شهر ذي القعدة.. رددها عند رؤية الهلال    لذيذة وطعمها هايل.. تورتة الفانيليا    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    تفاصيل التجهيز للدورة الثانية لمهرجان الغردقة.. وعرض فيلمين لأول مرة ل "عمر الشريف"    التيار الإصلاحى الحر: اقتحام الاحتلال ل"رفح الفلسطينية" جريمة حرب    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    قدم تعازيه لأسرة غريق.. محافظ أسوان يناشد الأهالي عدم السباحة بالمناطق الخطرة    تناولها بعد الفسيخ والرنج، أفضل مشروبات عشبية لراحة معدتك    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    أرخص موبايل في السوق الفئة المتوسطة.. مواصفات حلوة وسعر كويس    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    رفع الرايات الحمراء.. إنقاذ 10 حالات من الغرق بشاطئ بورسعيد    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    برلماني يحذر من اجتياح جيش الاحتلال لرفح: تهديد بجريمة إبادة جماعية جديدة    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    طارق السيد: لا أتوقع انتقال فتوح وزيزو للأهلي    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضرة العمدة‏..‏ اسمه زينب‏!‏

يبدو والله أعلم أنه مازال علينا أن نعيش زمانا آخر غير الذي عشناه وغير الذي نعيشه الآن في كمد وفي كبد وفي غيظ‏..‏ تحت سقف واحد‏..‏ مع جوز أمنا مرة‏..‏ ومع مرات أبونا مرة أخري‏!‏ لا تندهشوا ولا تتعجبوا‏..‏ كيف نتصور العيش مع مرات الأب و جوز الأم في وقت واحد وتحت سقف واحد؟
والجواب‏:‏ إنها الحكومة الإلكترونية النكدية المصونة المقررة علينا صبحا وعشية مثل المسلسلات التليفزيونية المطولة الممطوطة والتي لا تعرف رأسها من رجليها‏..‏ والتي تجمع النقيضين معا لأول مرة في تاريخ الوزارة المصرية‏..‏ من أيام حكومة المغفور له دولتلو نوبار باشا أول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة قبل‏132‏ سنة بالتمام والكمال‏..‏ بين زوج الأم ومرات الأب تحت سقف حكومة واحد‏..‏ نكاية وكيدا وغيظا و فرسة في الشعب المصري المغلوب علي أمره دائما‏..‏ ولمزيد من الهم والغم والكرب بطول سواد الليل وهجير النهار‏..‏ ولمزيد من العوز والحاجة والتخلف والفقر العظيم‏..‏ له ولأولاده وأحفاده من بعده‏!‏
ونحن نعرف جيدا ماذا يفعل زوج الأم في أولاد وبنين ليسوا من صلبه؟
وماذا تفعل زوجة الأب في أولاد وبنات لم تحملهم في بطنها ولم ترضعهم من لبنها؟
وقد يسأل خبيث من خبثاء القوم فينا وهم أكثر من الهم علي القلب‏,‏ كما يقول العامة‏:‏
طيب إزاي بس ممكن تكون الحكومة في يوم جوز أمنا‏..‏ وفي يوم تاني ويمكن في اليوم المهبب نفسه ده‏..‏ مرات أبونا؟
والخبيث صاحب السؤال هذه المرة يطلقون عليه هنا في هذه الناحية البعيدة عن العين والقلب‏..‏اسم أبوخالو وهو فلاح أراري مثل فرقع لوز يتنطط من فوق الأرض تنطيطا لصغر حجمه وكبر عقله وظرف حضوره‏..‏ ولا يكاد يستقر في مكانه‏..‏ فهو دائما في كل مجلس وكل قعدة وكل جمع لا يرضي بالجلوس علي الكراسي المريحة أو الكنبات الطرية‏..‏ ولكنه يجلس القرفصاء‏,‏ كما كان يفعل جده المصري القديم‏,‏ وكما نراه في تماثيل المتحف المصري‏..‏ جالسا القرفصاء ممسكا عصا الحكمة في يديه وبين قدميه‏..‏
ولأن هنا هذه تعود إلي مقر دوار عمدة كفر نجاتي‏..‏ وهي عمداية حريمي هذه المرة‏..‏ وليست عمدة شنبات‏..‏ أول عمدة من جنس النساء تظللها أشجار هذه القرية والقري المجاورة حتي شاطئ الرياح الذي تتنسم من هنا داخل الدوار‏..‏ نسمات الليل ورائحة مياهه الرقراقة التي تروي من بعد ظمأ وتشبع من بعد جوع‏.‏
ولأننا ضيوف علي غير موعد‏..‏ طبينا علي العمداية الوقورة والجوهرة المكنونة الست زينب عبدالدايم أول عمداية في ديك الناحية‏..‏ كما يطلقون عليها‏..‏ كانت المرأة الوحيدة التي بين سبعة من المرشحين الخناشير الذين يقف الصقر فوق شنباتهم المبرومة وتفوقت عليهم جميعا وبالإجماع‏..‏ بعد أن اختارها أهل البلدة لتجلس علي كرسي العمودية الذي جلس عليه آباؤها وأجدادها حتي سابع جد‏..‏
قالت لي تذكرني‏:‏ لقد عاصرت أنت أبويا العمدة‏..‏ وكنت أراك هنا معه تجلسان بالساعات وأنا طفلة صغيرة بضفاير والحمد لله أن العمودية لم تخرج من بيتنا‏..‏ وأن تليفون العمدة الأثري وهو رمز للعمودية في كل قري مصر‏..‏ لم ينتقل يوما من دوارنا طوال قرن كامل‏!‏
ولأننا في رحلة طويلة إلي كفر مصر‏..‏ لكي نجيب علي سؤال الساعة‏:‏ متي تكون الحكومة جوز أمنا‏,‏ ومتي تصبح مرات أبونا؟
فقد رأيت من باب الفضول الصحفي أن أسألها‏:‏ هل كان يتصور أي أحد من أجدادك أو آبائك يتصور أو حتي يخطر بباله أن تجلس علي نفس مقعدهم المهيب‏..‏ الذي تشيب من هوله الولدان‏..‏ عمداية من جنس الحريم‏..‏ حتي لو كانت من نفس البيت ونفس العائلة ومن بناتهم وحفيداتهم؟
قالت ضاحكة‏:‏ أنت تذكرني بواقعة حدثت لي وأنا مجرد طفلة في الخامسة من عمري قبل نحو أربعين سنة‏..‏ عندما شاهدني جدي العمدة وأنا أجلس علي كرسي العمودية شخط في شخطة أرعبتني وهو يزعق بأعلي صوته‏:‏ ما بقاش إلا الحرمة كمان عشان تقعد علي كرسي العمودية‏..‏ قومي فزي يابت مشش في ركبك؟
‏.............‏
‏............‏
صاحب السؤال هو أبوخالو ذلك الفلاح القصير المكير الذي مازال يجلس القرفصاء أمامي الآن تماما‏,‏ مثلما كان يجلس أجداده في المتحف المصري‏..‏ ولو رآه رفيق الطريق زاهي حواس حامي حمي الحضارة المصرية‏..‏ لوضعه في المتحف المصري إلي جوار تمثال جده المصري الجالس القرفصاء‏..‏
يعني لم يتغير شكل الفلاح المصري طوال مشوار طوله خمسين قرنا من الزمان ويزيد‏..‏ ولم يتغير حاله ولا منواله ولم يكف عن الشكوي مثلما فعل جده الأكبر خنوم الفلاح الفصيح‏..‏ الذي ملأ مصر كلها نيلها ونخيلها وحقولها ودورها بالشكوي من جور الحكام وظلم الحكام الذين أخذوا محصول أرضه وبقراته حتي حماره الذي يركبه أنزلوه من فوقه وسحبوه إلي دار حاكم الإقليم‏..‏ فراح يطوف القري والمدن حتي وصل بشكواه بالخطب والقصائد والغناء والمواويل إلي مسامع فرعون نفسه‏..‏ الذي أنصفه وأعاد إليه أرضه ومحصوله وبقراته وعنزاته وحماره‏..‏ تماما كما فعل الرئيس مبارك عندما أنصف الفلاحين بإعفائهم من نصف ديونهم للبنوك‏..‏ وإن كان زبانية البنوك قد تحايلوا وتماكروا وأعادوا جدولة الديون‏..‏ لكي يغرق الفلاح المصري في بئر الديون مرة أخري حتي أنفه‏!‏
أسأل فلاحنا الفصيح موديل‏2010:‏ والحكومة المصونة أخذت منك إيه يا أبوخالو؟
قال‏:‏ قول اديتنا إيه ياسعادة الباشا‏..‏ اديتنا الهم والغم وبوزها في وشنا الصبح شبرين وبالليل زي مرات الأب ثلاثة تشبار‏!‏
تسأله حضرة العمدة‏:‏ قل لنا كده الحكومة منكدة عليك في إيه؟
قال لها بنظرة عتاب‏:‏ يعني ياحضرة العمدة انت موش عارفة‏..‏ ده كل شيء علي إيديكي يا بنت الأكابر‏..‏ حأقول وأمري لله‏..‏ الفجرية أركب حمارتي العرجانة وأروح علي الغيط عشان مناوبة الري بتاعة الناحية قالولنا الصبح بدري‏..‏ ألاقي الترعة ناشفة ومشققة ومافيهاش ندعة مية تسقي عصفورة موش تروي ييجي خمسين فدانا في آخر الترع‏..‏ أقعد طول النهار لحد صفاري شمس‏..‏ أستني مناوبة المية تيجي مافيش‏..‏
أركب حمارتي العرجانة‏..‏ أو أأجر توكتوك يسعفني وأركب مع ثلاثة فلاحين زيي كده أرضهم عطشانة شرقانة والزرع فيها قرب يموت‏..‏ وأرجع ماشي علي خط الترعة‏..‏ بعد ييجي كده خمسة كيلو ألاقيهم سدين الترعة والمية ناحيتهم مليانة ومشغلين ماكينات ري قطر عشر بوصات كده وعمالين يرووا أراضيهم وساحبين كل المية‏..‏
أسأله‏:‏ مين هما يا أبوخالو؟
قال‏:‏ الناس الواصلين والقادرين‏..‏ الناس المراكز والرتب والمرتاحين‏..‏ البهوات الكبار‏.‏
تسأله الست العمدة‏:‏ زي مين كده؟
قال‏:‏ بهوات البندر اللي عندهم أرض حدانا‏..‏ أعضاء المجلس المحلي وألاضيشهم‏..‏ وكبار موظفي المحافظة وأعضاء مجلسي الشعب والشوري الموقرين وكبارات الحزب الوطني الحاكم وابن عم الوزير الفلاني وابن أخت المحافظ الفلاني‏..‏ والأدهي من كده وقبل كده‏..‏ واللي حيطير برج من دماغي‏..‏ قال إيه لازم أرض عزبة الرجاصة دي يقصد الراقصة اللي بتطلع تتشخلع وتسوق قدامها أجدع شنب في أفلام ومسلسلات التليفزيون موش فاكر والنبي اسمها إيه‏..‏ لازم عزبتها وأرضها حتما ولازم تتروي الأول‏..‏ وقبل كل المحاسيب والبهوات أصحاب اللستة الأولانية‏!‏
أسأله‏:‏ وعملتم إيه؟
قال وهو يجز علي أسنانه‏:‏ اشتكينا لطوب الأرض من وزارة الري لوزارة الزراعة للحكم المحلي لديوان المحافظة للبندر للبوليس للنيابة لمجلسي الشعب والشوري‏..‏
أسأله‏:‏ وعملولكم إيه؟
قال‏:‏ قالولنا‏..‏ إنتم تخرسوا خالص ولا كلمة ولا نفس‏..‏ ياباشا حد في البلد دي بيسأل عن اللي زينا‏..‏ وزرعنا يموت‏..‏ يموت وإحنا كمان نموت موش مهم‏..‏ موش إحنا بعيد عن السامعين ولاد الجارية السوداء‏!‏
أسأل الفلاح المصري الجالس القرفصاء‏:‏ وبعدين الزرع مات؟
قال‏:‏ قالولنا عندكم المصرف خدوا‏.‏ منه المية واسقوا الزرع‏!‏
قلنا لهم ده مصرف فيه بلاوي سودة‏..‏ صرف زراعات‏+‏ صرف صحي‏+‏ صرف
مصانع‏..‏ قالوا لنا‏:‏ أهو ده اللي عندنا
أسأل‏:‏ وعملتم إيه؟
قال بأسي‏:‏ ايه‏..‏ آدي الله وآدي حكمته‏..‏ مالقيناش قدامنا إلا مية المصرف روينا بيها الزرع قبل ما يموت‏!‏
‏....................‏
‏....................‏
قلت لأبوخالو الفلاح المصري الجالس القرفصاء‏..‏ وكأنه أمامي لم يقم من مكانه طوال مشوار طوله خمسة آلاف عام‏:‏ لست وحدك في هذا الهم والكرب العظيم الذي سببته لكم الحكومة الإلكترونية العفية بوصفها هذه المرة جوز أمكم الذي يحبكم موت‏..‏ فقد أرسلت الصحفية النشيطة هبه عبدالخالق إلي منطقة المنيب بالجيزة‏..‏ علي مرأي ومسمع من أبوالهول وأهرامات خوفو وخفرع ومنقرع‏..‏ وهي معنا هنا وسوف تحدثكم عن مأساة منطقة القصبي بالمنيب علي جانبي ترعة الزمر وبلاوي ترعة الزمر العفنة‏.‏
تقف الصحفية الشابة وقد أحاطت رأسها بطرحة سوداء لتقول للجمع السعيد في حضرة الست العمدة‏:‏ طوال عشرين عاما وهذه المأساة لم يتغير شكل وجهها القميء أبدا‏..‏ الناس هنا في منطقة القصبي تطل منازلهم علي ترعة الزمر‏..‏ التي تحولت إلي مستنقع وبائي دائم تتكدس فيه القمامة والحيوانات النافقة‏..‏ فالمنطقة كلها ويقطنها فوق المائة ألف إنسان لا يوجد بها عمال نظافة بالمرة‏..‏ وبالتالي لا صناديق قمامة‏!‏
جيوش الناموس طول الليل تملأ سماء المنطقة كلها‏..‏ وهو ناموس متوحش‏..‏ إلي جانب جيوش الفئران والسحالي والضفادع والثعابين‏..‏ وأحاطت بالناس كل ما نعرفه وما لا نعرفه من أوبئة‏..‏ رغم أننا في ذروة موسم مكافحة أخطر فيروس يهاجم مصر كلها اسمه فيروس إنفلونزا الخنازير‏..‏ فالقمامة في كل مكان والترعة مصدر دائم وأبدي للتلوث ومقر لأطنان من القمامة‏..‏ رغم أنهم كما يقولون‏..‏ يدفعون فواتير الزبالة أول كل شهر مع وصل النور‏!‏
تسألها العمدة زينب‏:‏ الناس ازاي ساكتة والحال المهبب ده بقاله عشرين سنة بحالها؟‏!‏
قالت‏:‏ اشتكوا لطوب الأرض‏..‏ لكن الأخطر من هذا كله‏..‏ إن الأطفال والكبار يركبون صباحا ومساء معدية من أيام سعيد باشا بين شرقي الترعة وغربها تدار بشد حبل مربوط علي الشاطئين‏..‏ وهي تتكدس بالصغار والكبار صباحا في طريقهم إلي مجمع المدارس‏..‏ والكبار في طريقهم إلي أعمالهم‏..‏ وهي معرضة للغرق في أي لحظة وقد ركبتها أنا وصورت المأساة كلها ونطقت بالشهادتين وأنا علي متنها وسط أكثر من مائة وخمسين إنسانا‏..‏ حتي وصلت إلي الشاطئ الغربي‏!‏
العمدة زينب‏:‏ طب ما يردموا الترعة ويخلوها صرف مغطي‏..‏ واللا المحافظة تعمل لهم كباري علوية‏!‏
قالت الصحفية النشيطة‏:‏ أنا سألتهم نفس السؤال‏..‏ قالوا المشروع موجود والميزانية بتاعته كمان عند محافظة الجيزة‏!‏
الغريب ان محافظة الجيزة شمرت عن ساعد الجد وأقامت ليس كوبريا واحدا للمشاة‏..‏ بل كوبريين للإنقاذ‏..‏ لكن فين؟‏..‏ المهندس العبقري أقامهما في المنطقة الخالية تماما من السكان والمدارس‏!‏
يعني اللي عاوز يركب الكوبري فوق ترعة الزمر الموبوءة يمشي كده ييجي كام كيلومتر رايح وزيها وهو جاي‏!‏
أبو خالو بزعل‏:‏ موش الحكومة لازم برضه تعمل حاجة تنكد بيها علي الناس‏..‏ موش هي برضه جوز أمهم؟‏!‏
‏.....................‏
‏.....................‏
قلت‏:‏ علي فكرة ليست معدية ترعة الزمر التي يعيش أهل منطقة القصبي بالمنيب في ظل مأساة سقوط الأطفال والتلاميذ وهم مكدسون بها مثل فراخ الجمعية في مياه الترعة العفنة الآسنة‏..‏ ولكن هناك أكثر من مأساة علي طول خط النيل وفروعه من الإسكندرية ورشيد ودمياط‏..‏ حتي أسوان‏,‏ مرورا بمعديات المنيا الشهيرة بحوادثها السنوية المتكررة والمقررة علينا في كل موسم وكل عيد‏.‏
لقد اتصلت بي سيدة فاضلة تبكي بصوت مسموع في التليفون قالت لي‏:‏ الحقونا يا خلق هو‏..‏
قلت لها‏:‏ خير ياستي؟
قالت‏:‏ كل صباح أصحب ابني من جزيرة الوراق في الضفة الغربية لنهر النيل إلي مدرسة في روض الفرج علي الضفة الشرقية‏..‏ ولا يوجد أمامنا من وسيلة مواصلات إلا معديات هلكانة عارف يعني ايه هلكانة‏..‏ يعني في آخر سنوات عمرها‏..‏ ويمكن عدت سنوات عمرها الافتراضية بزمان‏..‏ معديات من أيام الخديو اسماعيل‏..‏ وبتشيل في كل مرة في الذهاب والإياب فوق عن‏300‏ نفر ما بين تلميذ وموظف وستات موظفات وعاملات ما تعدش‏..‏ الناس كلها بتتشاهد واحنا رايحين وبتتشاهد واحنا جايين‏..‏ في أي لحظة سوف تسمع خبرا مؤسفا ومروعا‏..‏ مانشيت الجرنان عندكم حيروح فيه علي الأقل ثلاثمائة أربعمائة بني آدم‏..‏ لا رقابة ولا عساكر ولا صيانة‏..‏ بقالنا علي الحال ده قد إيه‏..‏ قول ييجي كده عشرين سنة‏..‏ الحقونا يا خلق هو‏!‏
‏...................‏
‏...................‏
تنزل صواني الشاي والبقسماط‏..‏
قلت للعمدة زينب‏:‏ ايه البخل ده يا ست العمدة‏..‏ وانتي من بيت كرم؟
قالت‏:‏ دي بس تصبيرة‏.‏
يهل علينا جيش من الفلاحين الغلابة‏..‏ جلسوا كلهم علي حصير الدوار‏..‏ لم يجلسوا القرفصاء مثل أبوخالو‏..‏ ولكنهم مدوا أرجلهم لكي يريحونها من عتماء الطريق وهم الرفيق وكيد الصديق‏..‏ كما قال شيخهم إمام الجامع القريب‏.‏
قالوا كلاما كثيرا‏..‏ والصحفية المتدربة تصور وتسجل‏.‏
قالوا‏:‏ يا حضرة العمدة‏..‏ لا نجد سمادا لتسميد المحصول إلا في السوق السوداء‏..‏ والحكومة رفعت اديها عن السماد‏..‏ كما رفعت يدها عن توظيف الشباب الجالس تحت شجرة الأمل بلا عمل‏,‏ والشكارة وصلت إلي ثمانين جنيه بعد أربعين جنيها وموش لاقينها‏.‏
قالوا‏:‏ يا حضرة العمدة لحد امتي نروي أرضنا بمية المصارف وفيها المبيدات والصرف الصحي والقمامة والحيوانات النافقة؟
وقالوا‏:‏ يا حضرة العمدة‏..‏ القطن ملقح يعني ملقي في المخازن والحكومة موش عاوزة تشيله وتشتريه مننا‏..‏ اسألي الحكومة المفترية دي وحياتك؟
وقالوا‏:‏ يا حضرة العمدة‏:‏ الريس طلب خفض الديون‏..‏ بنك التسليف لعب لعبته وحسب حسبته وطلعنا في الآخر مديونين‏..‏ إزاي معرفش‏!‏
وقالوا‏:‏ يا حضرة العمدة‏..‏ الضريبة العقارية اليوسفية دي حاتخرب بيتنا واحنا ناقصين بزمتك ان احنا ندفع للدولة ضريبة علي البيت اللي بنيناه بعرقنا وبطين الأرض عشان يسترنا ويأوينا؟
وقالوا‏:‏ يا حضرة العمدة‏..‏ الحكومة قالت حتحدد سعر أي محصول تشتريه مننا قبل ما نزرعه‏..‏ ولحد دلوقتي موش عارفين نزرع ايه وبكام؟
وقالوا‏:‏ يا حضرة العمدة‏..‏ ياست زينب هانم يا بنت الاكابر شوفيلنا حل في ازمة انابيب البوتاجاز‏..‏ مافيش في البلد ولا في البندر انبوبة واحدة توحد الله‏..‏ واذا لقينها ثمنها زاد الي‏40‏ جنيه‏..‏ منين بس‏!‏
قالت العمدة زينب‏:‏ أنا حابحث طلباتكم كلها‏..‏ وحاأرد عليكم بعد يومين‏..‏ ويمكن أخطف رجلي للقاهرة لكي يرد الوزراء المختصون علي أسألتكم‏..‏
قال فلاحونا الطيبون في صوت واحد‏:‏ اللهم آمين‏.‏
أبو خالدو واقفا لأول مرة‏:‏ ياسعادة البيه‏..‏ الفلاحين هجروا الارض من غلبهم‏..‏ كثير منهم باعوا الفدادين والقراريط اللي حداهم‏..‏ وطفشوا علي البندر يستغلوا اي الشغلانة‏..‏ ساعي‏..‏ كناس‏..‏ بياع امشاط وفلايات‏..‏ مناديل ورق في الاشارات‏..‏ واللا يدور علي واحدة حلوة متريشة يتجوزها وتصرف عليه‏!.................‏
‏.................‏
هل عرفنا الآن لماذا يطلقون علي حكومتنا الموقرة صفة جوز أمنا بالنهار‏..‏ ومرات أبونا بالليل؟
وهل عرفت الآن لماذا هجر الفلاح المصري الارض والدار؟
إذا كان عند أحد جواب آخر‏..‏ فليتفضل؟‏
‏ahram.org.eg‏@‏Email:asaadany‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.