خمسة أشهر تفصلنا عن انتخابات مجلس الشعب المقرر لها شهر سبتمبر المقبل إلا أن الحراك السياسي والاجتماعي قد بدأ مبكرا ربما لاستثمار الفرصة التي لم تسنح من قبل والمتمثلة في شفافية إجراء هذه الانتخابات. في غياب ضغط الحزب الحاكم والأجهزة الأمنية بعد أن كانت لها اليد الطولي في إنجاح هذا وإسقاط ذاك. إلا أن المتتبع للحلقات الأربع التي نشرتها صفحة المحافظات علي مدي أربعة أسابيع متتالية سوف يتوقف أمام اصرار ما تسمي بالقوي السياسية علي إجراء الانتخابات المقبلة بنظام القوائم نسبية كانت أو مطلقة علي اعتبار أنها ستتيح بهذه الطريقة أو تلك قدرا أكبر من التمثيل لهذه القوي داخل البرلمان, وذلك علي الرغم من أن الذاكرة تحمل بطلانا دستوريا لمثل هذه الانتخابات. ولذلك فإن رجل الشارع العادي غير المنتمي إلي أي من هذه القوي السياسية يري في مثل هذه الانتخابات إهدار لحقه من جهة والتفافا من هذه القوي التي تفتقد إلي تمثيل حقيقي في الشارع من جهة أخري لتحصل علي مقاعد برلمانية لا تتوافق مع حجمها الطبيعي بين المواطنين والذي لا يصل إلي عدة آلاف من الأشخاص وربما المئات بل وربما العشرات أيضا. وعلي الرغم من ذلك فإن ممثلي هذه القوي يرون في تمثيلهم النيابي إثراء للعمل البرلماني الذي يتطلب وجود كل الاتجاهات السياسية بصرف النظر عن جماهيريتهم أو وجودهم في الشارع وهو أمر يتطلب المزيد من المناقشة والمزيد من الدراسة حتي لا يتم هدر حق المواطن العادي الذي يمثل الغالبية الساحقة في المجتمع. وبالعودة إلي الحراك الذي يشهده المجتمع حاليا فقد بدا واضحا أن عناصر الحزب الوطني مازالت موجودة علي الساحة وإن كانت ليست بقوتها السابقة وإن كان بعضهم أيضا سوف يطرح نفسه من خلال برامج مستقلة أو حتي من خلال أحزاب أخري تسعي لاستقطابها نظرا لثقلها الانتخابي في هذه الدائرة أو تلك. كما أن التيار الديني الممثل في جماعة الإخوان المسلمون وقد دخل معه في الحراك التيار السلفي وتيارات أخري أقل حضورا مثل الجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد وحتي الصوفيون والتي تشير التوقعات إلي أنهم بصدد إنشاء حزب سياسي بعد أن وجدوا أنهم قد يصبحون فريسة لتشدد أحد التيارات هذه التوجهات جميعا سوف تكون كما أشارت تقارير مراسلينا في26 محافظة هي القوة الضاربة في الانتخابات المقبلة بل وفي أي نشاط سياسي واجتماعي مستقبلا مما سيضع القوي السياسية الأخري في مأزق شديد أو في حجمها الطبيعي الذي تحاول القفز عليه من خلال الفضائيات والميكروفونات ليس إلا. فهذه الخريطة التي كشفت عنها تقارير المراسلين تؤكد أن الأحزاب السياسية مطالبة بالعمل بين الجماهير في الشارع وفي الحارة وفي الزقاق حيث لن تجد مستقبلا علي سبيل المثال دعما ماليا من الدولة لأحزابها أو لصحفها, كما لن تجد الصفقات التي كانت تبرمها مع حزب الحكومة سابقا للفوز بمقعد أو عدة مقاعد. في الوقت نفسه قد بدا واضحا أن الشباب والمنتظر أن يكونوا رمانة الميزان في المرحلة المقبلة لن يهرولوا في النسبة الأغلب منهم الي الانضمام لهذا الحزب أو ذاك خاصة من الأحزاب القديمة علي الساحة إن جاز التعبير, وهو الأمر الذي سوف يزيد من صعوبة استمرار هذه الأحزاب خاصة في ظل الإعلان عن إنشاء أحزاب جديدة وكثيرة جدا سوف يكون الشباب قوامها والأفكار الثورية وقودها. إلا أن هناك العديد من الأسئلة التي سوف تجيب عنها الأسابيع والأشهر المقبلة التي من بينها إلي أي مدي يمكن أن يكون هناك ائتلاف بين هذه التيارات الدينية السابق ذكرها, وإلي أي مدي سوف يستطيع الشباب القيام بدور مؤثر في الشارع يستطيعون معه كسب قلوب الناخبين؟ إلا أنه رغم كل هذا الزخم الديني والحزبي والشبابي فإننا يجب ألا نغفل دور القبيلة والعائلة في مثل هذه الانتخابات التي بدا واضحا في السابق واللاحق أيضا أن العصبية تلعب فيها الدور الأكبر وهو مالم تغفله كل هذه الأطياف السياسية حاليا في تحالفاتها المبكرة, كما أنها أيضا تؤكد أن المستقلين سوف يكون لهم الكلمة العليا وهو ما يفقد عملية القوائم شرعيتها مبكرا. وفي النهاية فإننا أمام مرحلة فارقة بكل المقاييس تتطلب تقديم المصلحة العليا للوطن ككل علي المصالح الخاصة للخروج في النهاية بالبرلمان الذي تنشده كل طوائف المجتمع, والذي يجب أن يكون مختلفا من جميع الوجوه خاصة أنه ومن خلاله سوف يولد الدستور المرتقب.