مطلع العام الماضي بداية التطوير وإعادة اطلاق قنوات التليفزيون هبط البروديوسر.. دون سابق معرفة وصل ضيفا ثقيلا علي كاهل القنوات يدس أنفه في كل شاردة وواردة. وظيفة البروديوسر.. وظيفة لم يعهدها التليفزيون المصري علي مدار تاريخه العريق.. فقد عهدتها القنوات الاوروبية تحديدا في البرامج الاخبارية وبدأت تنتشر في كثير من تليفزيونات العالم. وفجأة دون إعداد أو تحضير أو ايجاد ثقافة لتلك الوظيفة وتدريب الكوادر اللازمة لتحمل المهام المنوط بها وتحديد نوعية البرامج الملائمة لتلك الوظيفة جاسر التليفزيون وأقدم علي تطبيق التجربة في غياب كامل للرؤية وأهدر علي أثرها ملايين الجنيهات نتيجة مرتبات خيالية يتقاضاها هؤلاء تحت مظلة تلك الوظيفة. وأحدثت مهام وظيفة البروديوسر منتج فني تضاربا شديدا وتصادما في الرؤي وتنازعا في الاختصاصات مع رؤساء القنوات.. مما أفرز مناخا غير سوي انعكس بصورة سلبية علي أداء العمل البرامجي. وتدارك التليفزيون في منتصف الطريق الخطأ الذي وقع فيه وفض الاشتباك وألغي وظيفة البروديوسر في قنواته كمسئولية شاملة وخصصها في كل برنامج.. مما عمق الفوضي وساهم في توسيع قاعدة إهدار المال العام. وبحسب قول مدير انتاج بالقناة الأولي لا توجد صورة واضحة ومحددة لنظام عمل البروديوسر في البرامج نتيجة فهم خاطئ لمهام وظيفته كثيرا ما يحدث بينه وبين رؤساء القنوات الذين يملكون مقاليد الأمور في يدهم ولا يستطيع أحد غيرهم توجيه مضمون ومحتوي البرنامج. وأمام هذا الوضع القائم تحول البروديوسر الي مدير انتاج يقوم بالمهام التي كنا نقوم بها من قبل.. مما جعله عبئا جسيما علي ميزانية البرامج في ظل أجور مبالغ فيها يتقاضاها تصل عن كل حلقة للبرنامج اليومي إلي700 جنيه والاسبوعي1500 جنيه.. هذا بالاضافة الي اثنين أو ثلاثة مساعدين يتقاضي كل منهم نصف أجره في الحلقة الواحدة. ومخرج بالقناة الثانية يؤكد غياب دور حقيقي للبروديوسر في دعم وتوجيه البرنامج نتيجة لعدم وجود خبرات أو وعي ثقافي بما يجب أن يقوم به من واجبات.. مما حول مهام وظيفته الي عمل ارتجالي عشوائي لا يحقق أي عائد نحو خروج البرنامج في صورة مبهرة. لقد أحدث وجود تلك الوظيفة فوضي في نظام العمل الاعلامي الذي اعتاده العاملون في التليفزيون لسنوات طويلة في ظل صراع كثيرا ما يحتدم بينه وبين رئيس القناة الذي لا يعطي له متسعا من الحرية.. هذا من ناحية, ومن ناحية أخري يحدث تصادم بينه وبين المخرج القائم بتنفيذ البرنامج.. فكل منهما له رؤية ووجهة نظر في طريقة التنفيذ وهذا ما يرفضه معظم المخرجين.. فلن يتقبل أحد تدخله في صميم عمله. هناك وجهة نظر محددة في هذا الصدد يطرحها الدكتور محمد مهنا أستاذ لغة الاعلام بكلية الاعلام جامعة القاهرة قائلا: بزغ استخدام مسمي البروديوسر في التليفزيون الأوروبي وحددت له مهام واضحة وطبق فقط في البرامج الاخبارية ويعد المسئول الأول والأخير عن كل عناصر العمل البرامجي وفي كل تفاصيله دون تدخل من أحد. وتلك الوظيفة يستحيل تطبيقها في قنوات التليفزيون المصري كون التليفزيون ملكا للدولة والدولة هي المنتجة للأعمال البرامجية وبالتالي استخدام تلك الوظيفة يعد مخالفا للمنهج الاعلامي لأن فيه سحبا لاختصاصات رؤساء القنوات ويحدث نوعا من التضارب بين مهام كل منهما. تلك الوظيفة لا يصلح استخدامها الا في القنوات الخاصة لانها تستطيع اسناد مهمة الانتاج له وفق رؤيته ودون تدخل من رئيس القناة أو فرض وجهة نظره. مع الأسف نستخدم المسميات والكلام للدكتور محمد مهنا ونسعي لتطبيقها دون وعي أو فهم حقيقي لأسلوب ومنهج عمل هذه المسميات.. كان يجب علينا النظر الي الوضع القائم الذي تدار به قنوات التليفزيون وإحداث تعديلات جوهرية فيه ليصبح للبروديوسر وضع وكيان ودور حقيقي: صورته الحالية لا تخرج عن كونها عملا ارتجاليا لن يضيف الي العمل البرامجي شيئا جديدا.. بل يكرس نوعا من الفوضي وايجاد بنود انتاج تشكل عبئا ماليا علي ميزانية البرنامج, أضف الي ذلك الصراعات التي تنشأ بينه وبين رؤساء القنوات في ظل تنازع الاختصاصات. اعتراف صريح يسجله أسامة الشيخ رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون بشأن فشل تطبيق وظيفة البروديوسر قائلا: لقد أسيء فهم مهام وظيفة البروديوسر وحولها البعض الي سبوبة ومصدر لجمع المال.. لذلك أعكف علي مراجعة نظام عمله من خلال دراسة وافية لكل البرامج التي تستعين به لسبر أغواره وإعادته للقيام بدوره المنوط به وتدارك الاخطاء التي بزغت في الأفق وأحدثت نوعا من الخلل في أداء بعض البرامج وحالت دون تحقيقها لنجاح جماهيري. وبحسب قوله لن يطلق العنان في البرامج لاستخدام هذا المسمي الوظيفي دون قيد أو شرط.. فالمراجعة تتم علي قدم وساق لكل البرامج ونعيد بعد الانتهاء منها النظر في نوعية البرامج التي تحتاج لوظيفة البروديوسر. ويجري الانتهاء من وضع معايير محددة لنوعية البرامج التي يكون للبروديوسر دور فيها.. فقد وجدت أنه ليس من الطبيعي إطلاق استخدام هذا المسمي في كل برنامج بعدما اكتشفت كونه سببا في تضخم ميزانية بعض البرامج. وطبقا لقول رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون فلن توجد وظيفة البروديوسر.. إلا طبقا لقواعد خاصة تعمل علي تفعيل دوره والمساهمة في ايجاد منتج اعلامي متميز قادر علي المنافسة, كما لن يتولي مهام تلك الوظيفة إلا من تتوافر فيه مواصفات خاصة تعينه علي القيام باختصاصاته.