الثورة هي إرادة التغيير, أما إدارة التغيير فهي أمر مختلف يتطلب أساليب وحسابات مختلفة لا يشوبها الغضب والانفعال والتحيز, الذي يؤدي الي الفوضي والتخبط والانفلات ثم الاحباط.والإدارة علم وفن وتقنية, علم من حيث الأصول والمباديء. , وفن من حيث تطبيق الأسلوب الأمثل, وتقنية في مجال قواعد التنظيم, والثورات والانقلابات والاضرابات أو الاعتصامات الشاملة وحركات العصيان المدني كلها أمور غير عادية يعيش فيها المجتمع ظروفا استثنائية تستوجب الفهم والتروي من أجل القرار الرشيد واختيار الطريق الصحيح الذي يمنع الصراعات وتضارب المصالح المتنافسة وما تؤدي إليه من خسائر اقتصادية واجتماعية وأخلاقية. تلك الحقيقة تقتضي تناول أمور ثلاثة: مفاهيم لابد من توضيحها, ومحاذير لابد من تحاشيها, ومسئوليات تلقي علي عاتق الجميع: من قاموا بالتغيير ومن قام من أجلهم ومن قام بسببهم, نشير الي عدد منها لأهميته: الشرطة المصرية: إنها بلا أدني شك جهاز وطني علي مستوي عال من الكفاءة والتدريب, لها مواقف وطنية رائعة في الدفاع عن المواطن والوطن, وسجل مشرف في التصدي للاستعمار, وتوفير الأمن وملاحقة المجرمين في مسيرة سقط فيها الشهداء بالآلاف, يعملون في ظروف صعبة ومع جمهور يمقت الانضباط, ليس كل أفراد الشرطة شياطين وليس كل من كان بالتحرير ملائكة. والشرطة مؤسسة عسكرية تقوم علي الانضباط الذي يعني طاعة الأوامر في كل الظروف, برغم ذلك رفض عدد منهم الأوامر الغاشمة التي صدرت إليهم مع ما يعرضهم ذلك لمساءلة وعقاب, والذي سقط في الأيام الأخيرة لم يكن جهاز الشرطة لكن الذين أعطوا الأوامر الخاطئة, ولكيلا يدفع الأبرياء الشرفاء ضريبة اخطاء البعض, علينا معرفة من أعطي الأوامر بإطلاق النار؟ من سحب قوات الأمن؟ من الذي فتح السجون, ليخرج متهمون في قضايا سياسية, وكيف؟ ومن قام بتهريب المحكوم عليهم عبر الحدود؟ اني علي يقين أن شباب التحرير لايمكن أن يقوموا بحرق المنشآت وأقسام الشرطة فمن الذي فعل ذلك؟ لقد شعرنا جميعا بأهمية دور الشرطة عندما غابت, ولابد اليوم من إعادة التحالف بين الشرطة والشعب وتكريم شهدائهم, واستجابة للمشروع من مطالبهم, وانصاف الشرفاء منهم والعقاب العاجل لمن انحرفوا لعودة العمل والانتاج ومنع اختطاف الثورة, إن المصالحة بين الشعب والشرطة في مقدمة الأولويات الوطنية التي بدونها لايمكن إحداث التغيير أو إدارته فلا تنمية دون استثمار ولا استثمار دون أمن. أمن المواطن وأمن الدولة: تبين دراسة مقارنة أنه لا توجد دولة ليس بها جهاز لأمن الدولة, يتصدي لجرائم خطيرة منها الجاسوسية والمخدرات والارهاب واعمال التخريب, تتباين أسماء وأشكال هذا الجهاز وتنظيماته ووسائله بعضها يمارس اختصاصه بأسلوب تعسفي عنيف بلا ضوابط مما يؤدي الي انتهاك حقوق الإنسان وخرق قواعد العدالة الجنائية, ومنها ما يقوم بنفس الواجبات إنما بأسلوب يلتزم بالقانون والمباديء الإنسانية والوسائل العلمية, من أمثلة الأولي الموساد, والجستابوKGP وكان من بينهاFBI الأمريكي الذي تعدت سطوته تخويف المواطن لتهديد رؤساء الجمهورية خاصة في مرحلة هوفر, وتكشف الوثائق التي أفرج عنها أخيرا أن نيكسون خرج من الرئاسة ليس لأنه أخفي الحقيقة في قضية ووترجيت, ولكن لأنه تحدي ثلاثة من مراكز القوي أولهاFBI ومن أمثلة الأجهزة الحميدة السويد وهولندا وفنلندا.. وغيرها, تختلف في تبعيتها الي وزارات العدل أو الداخلية أو الخارجية أو جهاز مستقل لكن يجمع بينها أن لها اختصاصات محددة تنحصر أساسا في مكافحة الجاسوسية والارهاب والمخدرات والانقلابات والاغتيالات وتستخدم الوسائل والآليات العلمية والكيميائية والنفسية مثل بصمات اليد والقدم والصوت والعين والتحاليل والطب الشرعي وغيرها للتوصل للحقائق دون استخدام العنف للحصول علي اعتراف, كما تقوم بمهمة جمع المعلومات عن الأشخاص لتمد بها أصحاب القرار عند الاختيار للمناصب العليا ذات الحساسية السياسية أو الاقتصادية, ولحماية القيادات الوطنية, لكن لا يجوز لها القبض أو التحقيق أو التنصت أو التفتيش إلا بإذن أو بأمر قضائي. وقد قام جهاز أمن الدولة المصري علي مر السنين بدور مهم في الحد من الإرهاب والتصدي للمخدرات وكشف الجاسوسية ومنع الاغتيالات, لكن في نفس الوقت استخدم أساليب العنف والتعذيب التي ظلت تزداد وحشية منذ ثورة2591 وكلها أساليب مرفوضة, مجرد تغيير الاسم لا يكفي مطلوب إعادة التنظيم واستخدام وسائل التحقيق التي تحترم حقوق الإنسان وكرامته. أهل الثقة وأهل الخبرة: قضية تطرحها جميع الثورات والانقلابات, أول من عالجها باقتدار كتاب الديمقراطية والاشتراكية للدكتور عبدالكريم درويش, تظهر أحيانا بوضوح في صورة تخنق حركات التصحيح بأشكالها, إن الاقتصار علي من يطلق عليهم بأهل الثقة يحرم التنمية من الكفاءات القادرة علي تحقيق الأهداف, كما أن الاكتفاء بأهل الخبرة قد يفتقد الولاء للأهداف الجديدة, وتزداد المشكلة تعقيدا عندما يتحول الهتاف من النظام القديم الي الوضع الجديد, ذلك ولاء لا جذور له, يقوم علي الانتهازية والالتحاق بالركب والتصفيق للفريق الأقوي أو المنتصر.. وهنا تحرم الثورة من كلا الأمرين من الكفاءة المطلوبة وأيضا من الولاء الحقيقي, إنه من الخطأ والخطر الاندفاع في أي الاتجاهين, وتخوين كل من لم يهتف للثورة واستبعاد كل من عمل بالنظام القديم أو الاتجاه الي ادانة كل من كان ينتمي لمؤسسة حكومية أو رسمية قبل الثورة انها ظاهرة خطيرة تقسم المجتمع وتضر بالأمن القومي والاقتصاد.. يستبعد أعدادا غفيرة من الكفاءات المهنية المطلوبة والمواطنين المخلصين الذين كانوا يؤدون واجبهم الوطني في ظروف صعبة.. كثيرون منهم كانوا غير راضين عما يحدث, صحيح أن البعض فقط كان يعبر عن رأيه بصراحة لكن هناك كثيرين كتبوا وقالوا وحاولوا.. هذا لا يعني استبعاد كل من لم يذهب لميدان التحرير أو غيره, وذلك ما يزيد علي57 مليون مصري, السؤال المهم هو ليس أنت مع الثورة أم لا؟ المهم هو هل تؤمن بمباديء الديمقراطية والمساواة والدولة المدنية أم لا؟ هل انتماؤك لمصر أم لغيرها؟ كل من كان انتماؤه لمصر لا يجوز انتهاك حقوقه وعلينا التمسك بسيادة القانون وهو المبدأ الذي يبرر قيام الثورات. المزيد من مقالات د. ليلي تكلا