كتب - كرم سعيد أبو شعبان: كشف تداعيات ثورة 25 يناير عن روائع الفساد النتنة التي ازكمت أنوف المصريين, وإذا كان المرء لايحتاج إلي ذكاء أو ثقافة واسعة لاكتشاف ازمة الفساد في مصر. فلم يدر بخلد احد ان يصل اهدار الأموال العامة والاستيلاء وتسهيل الاستيلاء عليها إلي هذه الدرجة الكارثية. والارجح ان المال العام والاقتصاد المصري الذي يعاني اليوم وضعا مأساويا تعرض لنهب منظم وسرقات مقننة, فقد افلحت شياطين الفساد في ايجاد غطاء قانوني وشرعي يحميها امام اجهزة ومؤسسات فسدت ضمائر مسئوليها وخربت ذممهم طوعا أو كرها, ولكن ثمة شرفاء جاهدوا قدر استطاعتهم لسد منابع الفساد, وابعاد شبح المفسدين, ولكنهم اثاروا الفرار أو عانوا التهميش بعد استعصاء ترويضهم, ومن هؤلاء المهندس حسب الله الكفراوي الذي قال في ندوة عقدتها المجموعة المتحدة محامون ومستشارون في عام 2009, ان الفساد في مصر بلاعة كبيرة لابد من السيطرة عليها قبل ان تبلع كل ثروات البلد. في سياق هذه الازمة يفتح الباب علي مصرعيه امام تساؤلات عدة تتعلق بكيفية مواجهة وقائع الفساد والمتورط فيها عدد كبير من رجال الاعمال النافذين, والذين كان بعضهم يمثل اعمدة في حكم النظام المخلوع. ورغم ضرورة محاكمة من اضرو بالمال العام والاقتصاد الوطني وافسدوا الحياة السياسية وتربحوا من مناصبهم السيادية بالمخالفة لاحكام القانون واللوائح, يبقي ضروريا عقد مصالحات مع رجال الاعمال غير المسيسين الذين بادروا بطلب تسوية مع الدولة, وبالفعل تقدم بعض المتهمين لجهات الحقيق القضائية بعددا من العروض تضمنت سداد مايقرب من مليارين و375 مليون جنيه مصري تمثل قيمة مااستولوا عليه من المال العام بغير وجه حق. والواقع ان هذا الطلب والتجاوب معه في اطار التهم المنسوبة إليهم يمثل نقطة تحول في اتجاه اقالة الاقتصاد من عثرته, ووسيلة من وسائل التمكين للاستثمارات الجديدة وزيادتها في وقت مازالت فيه رياح الثورة تعصف بمصر وتزيد من همها الداخلي, كما ان ايجاد تسوية مع بعض رجال الأعمال غير المحالين بالفعل إلي محاكمات جنائية, والذين يمتلكون ويديرون مصانع ورءوس اموال ليست كلها موضع شكوك, وتستوعب اعداد هائلة من الايد العاملة يبقي ضروريا في وقت يعاني فيه السواد الاعظم من مشكلة البطالة, والتي من المتوقع لها ان تتفاقم مع عودة مايقرب من مليون ونصف لمليون عامل من ليبيا جلبهم من عمال الزراعة والبناء. أيضا تمثل صفقات التسوية العادلة والمشروطة لمصلحة الدولة أهمية استثنائية, خصوصا ان معدلات أداء البورصة المصرية مازال غامضا, لاسيما وان غلقها لما يقرب من شهرين, ومنع التداول فيها جعل مصر بلد غير جيدة للاستثمار من وجهة نظر الاجانب إضافة إلي غلق العديد من شركات الاوراق المالية بعد تعرضها للإفلاس. ولاتقتصر اهمية صفقات التسوية العادلة مع رجال الاعمال المتهمين بالتربح والاثراء علي حساب المال العام علي هذا فحسب, فربما عقدها يحول دون استمرار وزارة المالية للتوسع في سياسة الاقتراض عبر ادوات الدين الحكومية قصيرة الاجل, لمواجهة الاحتياجات الكثيرة والملحة في وقت تتقلص فيه الموارد ويرتفع عجز الموازنة العامة. المهم ان التسويات المعروضة من بعض رجال الاعمال بغية حفظ التحقيقات معهم والسماح لهم بممارسة نشاطهم الاقتصادي بعد رد الاموال والأراض التي حازوها بطريق ملتوية علي ضرورتها واهميتها, فإنها ربما لاتخالف القواعد القانونية المعمول بها, والتي تجيد حفظ التحقيقات مع المهتمين المنسوب اليهم تهم الاستيلاء علي المال العام حال سدادهم جميع هذه الاموال المغتصبة, ورد أراضي الدولة التي خصصت لهم بالامر المباشر.