إذا كنا قد قلنا وكتبنا من قبل إنه عليك أن تتطهر وتتوضأ فإنك تتحدث عن الوطن مصر, فإن هذه المقولة تشمخ الآن ويتحتم علي كل منا تطبيقها نظرا لأن البلاد تجتاز لحظة فارقة في تاريخها وتمر بحالة سيولة. وهي طبيعية تحدث بشكل ما أو بآخر عقب الثورات بكل الأوطان ومن ظروف ما حدث في مصر يوم الخامس والعشرين من يناير2011 فإن ما جري كان بتداعياته ونتائجه ثورة رومانسية بمعني أنها كانت سلمية فجرها شباب نقي والتحمت بها الجماهير واحتضنتها القوات المسلحة وتولت حمايتها.. فكانت ثورة نموذجية بصرف النظر عن الأفعال الطائشة والإجرامية واللامسئولة التي قام بها البعض من هذا الطرف أو ذاك . وإذا كانت الثورة قد أشعلت وهجها وهي ترفع شعارات وعناوين عريضة بغير برنامج تفصيلي فإن هذا يمثل عنصرا إيجابيا يحسب لها وليس عليها.. إذ يعطي الفرصة لمراجعة ذاتية نقدية تستثمر حالة السيولة الموجودة حاليا لصياغة مشروع حضاري نهضوي لمصر يستند إلي عراقة الماضي وتجارب التاريخ, ويعبر عن تفاعلات الحاضر والإمكانات الظاهرة والكامنة لدي المصريين ويستشرف المستقبل واضعا في اعتباره: من نحن وأين؟. وماذا نريد وكيف؟ وذلك في إطار المتغيرات وما هو متوقع إقليميا ودوليا.. وإذا ما اتفقنا علي هذا.. فإننا ومنطقيا نجد أننا في حاجة إلي مهلة لتأخذ تفاعلات مناخ الثورة مداها حتي يتساقط الغبار.. ويصفو الجو ويبدو كل شيء علي حقيقته فتتبلور الأفكار والرؤي وتعبر القوي المختلفة عن نفسها وتطرحها علي الشعب في نسق ديمقراطي سليم. وإذا كان ذلك كذلك فإنه بعد حملة الحق لأن يد الله سبحانه كانت فيما جري هي العليا.. يجب أن تكون البداية هي التعبير عن كل التقدير للقوات المسلحة التي أكدت ثوابت العسكرية المصرية بما اتخذته من مواقف منذ اللحظة الأولي للثورة.. ولأننا نثق في كلمتها ووعدها وصدق الرغبة في التفرغ لمهامها الأصيلة دفاعا عن الأمن القومي للدولة.. فإننا نناشد المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يستمر في إدارة شئون البلاد وله إن أراد أن يستعين بمجلس استشاري من أهل الخبرة والرأي, ليبقي كما جاء في الإعلان الدستوري حتي نهاية الانتخابات, ولكن علي أساس تأجيل موعدها لمدة سنة.. يجري خلالها وضع دستور للبلاد يكون هو الأساس القوي الثابت لكل ما يحدث بعد ذلك من خطوات لاستكمال البناء الديمقراطي وصياغة المشروع النهضوي لتستعيد مصر مكانتها اللائقة التي تستحقها وبحيث تنطلق وبغير توقف, فهذه فرصة قلما تتعوض ومن ثم ينبغي أن يكون الأساس سليما.. والبناء صالحا.. والهدف الاستراتيجي أكثر وضوحا وتحديدا.. ولكي يستمر المصري رافعا رأسه.. عزيزا بكرامته.. متفاعلا بالحقوق والواجبات.. ممارسا دوره.. في الوطن والأمة.. والدنيا بأسرها. وحول هذه التساؤلات وكيف نحقق البناء الديمقراطي بداية النهضة كانت ندوة الأهرام وفيها جري الحوار: محمود مراد: أن البناء الديمقراطي هو بالفعل أساس العمران الحضاري للدولة.. وهو قد بدأ بالاستفتاء علي التعديلات الدستورية السبت19 مارس والذي جاءت نتيجته بالموافقة, وفي ضوء ذلك سيصدر إعلان دستوري يحكم التحركات المقبلة.. وهو إعلان بالغ الأهمية سيكون دستورا مؤقتا يحدد كيفية إجراءات الانتخابات النيابية والرئاسية وما يتصل بها.. أي أنه سيؤسس للبناء الديمقراطي.. فهل من الأفضل أن يخضع للمناقشة قبل سريانه للاتفاق علي سلطات وصلاحيات الرئيس والحكومة والبرلمان ومسئولياتهم ومساءلتهم.. أم من الأفضل تأجيل الانتخابات إلي حين وضع دستور دائم حتي نصل إلي الاستقرار الحقيقي؟ وإذا كان هذا سيؤدي إلي إطالة فترة بقاء المجلس الأعلي العسكري بينما قال ووعد بأنه يرغب في تسليم السلطة, بعد ستة أشهر وإجراء الانتخابات.. فإننا وأحسب أن هذا رأي الجماهير نثق في المجلس ونطالبه بأن يستمر فترة أطول سعيا وتحقيقا لاستقرار دائم إذا ما تولت سلطة مدنية منتخبة معبرة تعبيرا حقيقيا عن الشعب الذي قام بالثورة. الدكتور إبراهيم درويش: نقطة الابتداء هي أن توجد شرعية لثورة الخامس والعشرين من يناير.. والثورة دائما تكون هي أحد أسباب سقوط الدساتير والنظام السياسي.. ومعني ذلك بكل دقة أن الثورة قد أسقطت النظام السياسي بما يتضمنه من دستور, لأن الدستور هو البناء الهندسي الذي يشكل أسس هذا النظام السياسي. ومن ثم فإن قيام المجلس الأعلي العسكري وإصدار الإعلان الدستوري في13 فبراير2011 لإدارة شئون البلاد يعني سقوط دستور1971, كما أن تعبير إدارة شئون البلاد يعني أن المجلس الأعلي يختص بالسلطتين التشريعية والتنفيذية بحكم أنه قد استمد وجوده من شرعية الثورة.. وبناء علي هذا فإن المجلس بدأ يصدر مراسيم بقوانين وبالمناسبة فإنني أري أنها قرارات وليست مراسيم بقوانين.. ومن ذلك قرر تشكيل لجنة لإجراء تعديلات علي بعض مواد الدستور, مع أن الدستور قد سقط والمجلس لم يأت طبقا للدستور وإنما بشرعية الثورة.. وكان الأوفق وضع دستور جديد بواسطة جمعية تأسيسية تضم شخصيات عديدة من مجالات مختلفة وعدد محدود من أساتذة القانون الدستوري, لأن الدستور ليس وثيقة قانونية إنما هو: وثيقة سياسية اقتصادية اجتماعية.. والقادر علي هذا هو: المفكر والمثقف والمبدع والإعلامي.. مع وجود ثلاثة أو أربعة قانونيين للمساعدة في الصياغة.. وهذا كله يستغرق نحو الشهر.. ثم يخضع للمنافشة بعرضه علي الشعب لمدة نحو ستة أشهر, وبعد ذلك تتم صياغته النهائية ويستفتي عليه الشعب.. ثم بعد ذلك تجري الانتخابات, بعد سنة من الآن, وهذا ليس بكثير فإن الشعب في حاجة إلي هذه المهلة ليتنفس فيها. وهذا بحق شباب وشهداء الثورة لتتحقق أهدافها كما يجب, وأيضا لتأخذ القوي الوطنية فرصتها.. وخلال هذه المهلة يستمر المجلس العسكري والحكومة الحالية أو تتشكل حكومة سياسية قوية.. محمود مراد: هل وضع دستور جديد.. يعد أمرا ضروريا أم يكفي إعلان دستوري يناقش.. ويصلح؟ الدكتور إبراهيم درويش: لابد من دستور جديد.. ويكفي الآن وحتي إعداده العمل بالإعلان الدستوري الصادر في13 فبراير والذي يقول ببقاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة لمدة ستة أشهر أو حتي إجراء الانتخابات.. إذن.. يستمر حتي تجري.. بعد وضع الدستور. الدكتور حلمي الحديدي: إن ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت نموذجا فريدا تستحق تحية وتقدير كل من شارك فيها.. لكن علينا معرفة أن كل الثورات تاريخيا تقابلها صعاب وأزمات ومنها: أزمة الهوية الأيديولوجية والفكرية فهي ثورة رومانسية وأزمة الشرعية وأزمة محاولات الاختراق والثورة المضادة وركوب الموجة وأزمة عدم وجود خطة وبرنامج لتحقيق الهدف وأزمة الانتشار والوصول إلي كل الجماهير دون تحريف المفاهيم.. ولمواجهة هذه الأزمات والصعاب فإنه لابد من استمرار الحالة الثورية ويقظة الثوار.. وإذا ما درسنا الأحوال في مصر فسنجد أن القوات المسلحة قد بادرت بالوقوف مع الثورة وحمايتها.. ولذلك نحيي المجلس الأعلي العسكري.. أما.. عن الموقف الآن.. فإنني أؤيد إعطاء مهلة سنة, فإننا لسنا في عجلة.. ونحتاج إلي فرصة لتشكل كيانات قوية تدخل الانتخابات تعبيرا عن الشعب. الدكتور أحمد أبو الوفا: إنني أتفق علي تأجيل الانتخابات, لتطرح القوي السياسية نفسها علي الساحة.. والعمل خلالها بالإعلان الدستوري وهو بطبيعته لا يناقش.. ثم بعد ذلك يوضع الدستور.. وأتصور أننا لسنا فقط في حاجة إلي دستور جديد لكننا أيضا في حاجة إلي إعادة النظر في قوانين عديدة لكي يكون البناء الديمقراطي موضوع هذه الندوة سليما وعصريا.. مستهدفا استقرار المجتمع. الدكتور حسن نافعة: أظنن القضية الحالية هي: كيف نمنع اختطاف الثورة من جانب أي فريق من الفرق المتنافسة الآن علي الساحة, وكما قيل فإن هذه الثورة فجرها الشباب لكن كل طوائف الشعب انخرطت فيها لأسباب عديدة سياسية واقتصادية. والهدف هو إعادة بناء نظام سياسي جديد يستوعب ويشارك فيه.. الكل, وإذا لا قدر الله نجح فريق ما في اختطاف الثورة سواء كان من الثورة المضادة أو من القوي الأكثر تنظيما مثل الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي بشكل عام فإن الأمر يصبح بالغ الخطورة علي الوطن.. ولذلك فإن السؤال هو: كيف نمنع هذا؟ والإجابة تكمن في أن المشكلة هي كيفية إدارة المرحلة الانتقالية.. وأخشي ألا يكون المجلس الأعلي الذي آلت إليه السلطة ولم يسع إليها لديه تصور لهذا, وهو يعمل وفق تيارات متعارضة يعمل كل منها في اتجاه معين.. وبالنسبة للتعديلات الدستورية فإنني أتفق علي أنه لم يكن هناك داع للاستفتاء أصلا.. لأن إقرار تعديلات مواد معينة.. يعني ضمنا الموافقة علي المواد الأخري من الدستور مع أنه سقط!! وهذا مأزق دستوري.. وإذا قيل إن هناك إعلانا دستوريا فكيف وما هي مواده؟ ولقد قرأنا أن الانتخابات التي ستجري ستحترم نسب العمال والفلاحين وحصة المرأة.. فهل سيعني هذا تطبيق مواد من دستور سقط؟ وهكذا.. توجد إشكاليات عديدة ستؤثر في تشكيل البرلمان.. وبالتالي في وضع الدستور؟! ثم.. كيف ستكون انتخابات رئيس الجمهورية القادم.. وهل ستكون علي أساس الدستور القديم؟.. ثم وكما قال الدكتور إبراهيم فإنه بعد ذلك.. ووفق الدستور الجديد سيعاد إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية.. فلماذا كل هذا.. ليس من الأفضل والأجدي.. أن يتم وضع الدستور أولا؟؟ الدكتور حلمي الحديدي: ربما توضع مادة انتقالية تسمح باستمرار الرئيس والبرلمان.. لنهاية المدة! الدكتور حسن نافعة: وما الفائدة في هذا الترقيع؟ ومثلا.. إذا قال الدستور بالنظام البرلماني وهذا مطلب الجميع بينما الرئيس سينتخب علي النظام الرئاسي.. فكيف يستمر؟.. إن الأفضل بدء الطريق برؤية واضحة.. المستشار عادل ماجد: إن الموضوع الرئيسي لهذه الندوة: نحو مشروع نهضوي لمصر البناء الديمقراطي.. هو تحديدا ما نحتاج إليه في مصر الآن.. ولقد تحدث السادة الحضور عن الثورة وشرعيتها وضرورة الحفاظ عليها بأهدافها.. وأضيف أهمية إعلان سيادة القانون.. وهنا أقول إن دساتيرنا السابقة ومنها دستور1971 كانت تنص علي خضوع الدولة للقانون.. لكن للأسف فإن التطبيق لم يكن سليما. ومن ثم فإن البناء الديمقراطي المنشود لابد أن يقوم علي سيادة القانون والعمل المؤسسي.. وليس الشخصنة والمنفعة المادية وما يفتح الباب للفساد.. الشاب: أحمد حنفي: لقد شاركت في الثورة وأعتبرأن بدايتها الحقيقية بعد رحيل مبارك, وذلك بمعني بداية بناء ديمقراطي سليم علي أسس الحرية والعدالة والمساواة للمواطنين جميعا.. ولكني أعترف بأنني قلق من نتيجة الاستفتاء والتحركات التي صاحبته ودخول الدين مباشرة للتأثير علي الناس.. وهذا في منتهي الخطورة خاصة وأننا مقبلون علي انتخابات برلمانية.. والخشية من دخول عناصر تؤدي إلي تدهور الديمقراطية وما يعكسه ذلك سلبا علي وضع الدستور والانتخابات الرئاسية.. ولذلك أتفق علي وجود مهلة سنة.. للأسباب التي ذكرها الأساتذة. الشاب: تامر القاضي: إنني سعيد بالاستفتاء الذي جري نظرا لارتفاع نسبة المشاركة بصرف النظر عن النتيجة, فإن الخوف قد انتهي. وبالنسبة لما يقال عن قوة الإخوان فهي مبالغ فيها ونسبتهم لا تزيد علي عشرة في المائة! ولهذا فإن التوعية مطلوبة, وقد اتفق اتحاد شباب الثورة مع وزير الثقافة الدكتور عماد أبو غازي علي تكوين لجنة من الاتحاد للتوعية واللقاء مع الجماهير في قصور الثقافة.. كما وافق سيادته علي تكوين لجنة مع بعض الشخصيات لمصاحبة معرض صور يطوف بدول أوروبية وغيرها للتعريف بالثورة وأهدافها واستقرار البلاد. الشاب: هيثم الخطيب: إن المخاوف علي الثورة ومحاولة اختطافها.. أمر مشروع. لكني أؤكد أنه لن يحدث ذلك فإن شعبنا ذكي. والذين كانوا في ميدان التحرير وأنا كنت موجودا مشاركا وطبيبا في العيادة من مختلف الأعمار.. الثلث: شباب والثلث أطفال والثلث من الأعمار فوق الخمسين.. وهذا يعني أن الشعب كله قام بالثورة.. ومن قالوا نعم كانوا يريدون الاستقرار والتنمية وليس لهدف أو.. سبب آخر وفي رأيي فإن الشعب يراقب لمدة سنة علي الأكثر.. وينتظر أن يري ثمار الثورة.. فإن لم يلمس هذا.. لن يرضي! الدكتور صادق عبدالعال: إنني بالفعل قلت نعم للاستقرار.. وللعمل والإنتاج.. وليس لسبب آخر.. ولعلي أركز بالمناسبة علي التنمية البشرية.. الدكتور إبراهيم درويش: أؤكد كل ما قيل في هذه الثورة ومعها قلبا وقالبا.. لكني أطالب بتشكيل حكومة إنقاذ لهذه المرحلة الانتقالية.. الدكتور حسن نافعة: ملاحظة سريعة وهي أن كل ما كنا نقوله قبل25 يناير يجب أن يتغير بعده. فقد كنا نطالب بإصلاح محدود يحدث ثقبا في نظام مصمت غير قابل للإصلاح من داخله.. وذلك كبداية للإصلاح. لكن طموحنا الآن هو تأسيس نظام ديمقراطي جديد.. وهذا يتطلب الاعتراف بسقوط نظام قديم وتنظيف المكان بقوانينه.. وتأسيس النظام الجديد.. والتصدي لمحاولات اختطافه.. والبناء الديمقراطي كما قالت الندوة هو أساس المشروع النهضوي لمصر.. الدكتور أحمد أبو الوفا: في البناء الديمقراطي وكما قيل فإنه يجب أن تراعي طبيعة المرحلة الحالية وما تحتمه وأن توضع التغيرات التي تحدث تحت بصيرة الشعب الذي ينبغي أن يكون يقظا وضرورة احترام نتائج الانتخابات وأخيرا تجب مراعاة التطبيق المخلص للدستور والقانون لعدم وجود تعارض بين النص والممارسة. المستشار عادل ماجد: أؤكد مهلة السنة.. وخلالها لابد من إعادة بناء مؤسسات الدولة.. وفق استراتيجيات واضحة تعلي سيادة القانون. محمود مراد: نعم.. لابد من سيادة العدالة بكل مفاهيمها لحماية الانسان وترقية الحياة بمختلف مجالاتها.. وأشكركم.