لأول مرة في حياتي أنتخب, كما أنها أول مرة في حياتي أصطحب زوجتي بحماس الي لجنة الانتخاب, وكان إحساسنا أننا شعرنا أننا مصريون, وأننا نشكل إرادة مصر, وأن أصواتنا هيالتي ستصوغ مستقبلها, وهي التي ستتوج تمثال الحرية, وصرح الديمقراطية المصرية. وظل هذا الإحساس يراودنا, الي أن صدمنا بنسبة الحضور التي تدنت كثيرا عن توقعاتنا, فشعورنا الوطني فيهذه اللحظة صور لنا أننا سنفوق الناخبين الأتراك والهنود بل ومواطني بعض الدول الإفريقية وكان تقديري وفقا لإحساسي وتمنياتي أن نسبة الحضور ستفوق06% باعتبار أن ثورة الشباب أوقدت فينا حماس الأمل.. وجاءت الصدمة الثانية عندما فاز التصويت علي نعم بما يزيد عن77%, ولم يحظ التصويت علي لا بأكثر من32%. وليس معني ما ذكرته آنفا أنني قد أصبت بخيبة أمل, لأنني وتلك حقيقة قد صوت بلا, ذلك أن صدمتي كان مبعثها أن نمط التصويت قد جرنا مرة أخريالي أسلوب الخروج عن نمط الاستفتاء لتبيان إرادة المواطنين المصريين, الياللعب بأصوات الناخب, باستخدام أسلوب الترغيب والترهيب, أو اجتذاب الأصوات بأسلوب الإغراء المادي وخلافه, أو بطمس الواقع برداء زائف مبعثه أن التصويت بنعم هو الذي سيحل مشكلات مصر الراهنة, والتي أفرزتها ثورة شباب لم يعركوا السياسة ولم يعرفوا بحورها. كما لا أريد أن أطمس حقيقة أن المغالاة في رفض الحلول الوسط في مرحلة من مراحل العمل السياسي, تمثل نوعا من الفشل في تحقيق الأهداف المطلوبة قصيرة ومتوسطة أو بعيدة المدي لأن التمسك بشعار الكل والرفض, يعني في لغة السياسة الجمود السياسي حتي ولو كان هذا النمط وليد ثورة شعبية بكل حرفياتها.. إلا أن الحقيقة التي لايمكن طمسها أيضا, أن الثورة في منطوقها العلمي والواقعي تعني تغيير الوضع القائم الي وضع مستقبلي يحقق أهدافا تمثل أمل المجتمع المصري والذي ضحيمنذ اندلاع ثورة52 يناير بنحو ألف قتيل وخمسة آلاف جريح وألفين ممن أصيبوا في نظرهم وخلافه في الوصول الي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقضاء عليالفساد وتحقيق معادلة التوازن بين المطالب الشعبية وتنمية المجتمع, والسعي الي استتباب القانون واحترامه المطلق وضمان تحقيق معايير الأمان وليس مجرد الأمن والتخطيط الواقعي والدقيق لنهضة علمية وثقافية ودستورية وتشريعية, تضمن هيبة القضاء وكرامة المواطن, وتقييد حدة السلطات المطلقة للحاكم, وغيرها من المعايير التيأزهقت كرامتنا وحقوقنا كشعب لنيف وثلاثين عاما, تركت وراءها نفاية من فساد واستغلال نفوذ وحقوق ضاعت علي شعب مصر وغيرها من البلاءات التيمازلنا نعيش فيها ونعاني تبعاتها..وعليه فإن المعادلة المطلوبة هي تحقيق التوازن بين المطالب الشعبية الحقيقية, والمعروض من القيادة السياسية التي تحكم البلاد خلال المرحلة الانتقالية, والتي تسعي لأن تعبر بالبلاد من مرحلة الجمود الي وضع الحركة, وتحقيق الاستقرار الأمني, وبدء التعامل مع متطلبات, واحتياجات المجتمع. واستعادة النشاط الإنتاجي والاقتصادي والمالي للدولة, لتمكين الجهاز التنفيذي من مزاولة مهامه المنوط بها إليه, وعدم الاكتفاء بمجرد الاستجابة لمطلب الاعتصام لأمور فئوية لايمكن تحقيقها فيلحظة أمل أو رغبة فئة. علاوة علي أنني لا أقبل علي نفسي أن أرفض نتيجة الاستفتاء, أو أتهمه بالتزييف, إلا أنني لا يمكننيأن أجرد نفسي كذلك من قناعتي الذاتية أن من استفاد من هذا الاستفتاء وبهذه النتيجة هما التياران المؤهلان في ظل هذه الظروف للوصول لسدة البرلمان بالأغلبية المريحة: وتحديدا تيار الإخوان المسلمين, ورموز الحزب الوطنيالديمقراطي والذين يرونها فرصة لركوب الموجة بعد أن جرفهم التيار الي عمق محيط الإخفاق, أما صناع الثورة, والمنادون بها بضمير ديمقراطي وليبرالي حقيقي وأنا منهم فلا يمكنهم أن يجردوا أنفسهم من إحساس أن الوضع القائم لن يقود الي انتخابات برلمانية يمكن أن تعكس الإرادة الحقيقية لطموح الطبقة التي تمنت الديمقراطية في إطار دولة مدنية طريقا للمستقبل. وسوف لا أحاول أن أبرر الأسباب التي من أجلها رفضت التعديلات الدستورية التي تم الاستفتاء عليها, ولكني سوف أحيل الأمر الي ما وصلنا إليه أخيرا من إعلان أحد قيادات المجلس الأعلي للقوات المسلحة من أن دستور1791 قد مات موتا حقيقيا وليس اكلينيكيا, وأن المرحلة الانتقالية المقبلة سوف تعتمد عليإعلان دستوري لتنظيم السلطات, يتضمن احكام المواد الدستورية التيوافق عليها الشعب للعمل بمقتضاها, لحين الانتهاء من الانتخابات التشريعية ورئيس الجمهورية, وأن الانتخابات التشريعية سوف تحين في شهر سبتمبر المقبل, والرئاسية في شهر ديسمبر المقبل.. وأتساءل: طالما أننا قد ألغينا دستور1791, ولجأنا الي الإعلانات الدستورية, والقوانين التي ستصدر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة بخصوص تكوين الأحزاب ومزاولة الأنشطة السياسية حلال الفترة الانتقالية, فلماذا لم نفكر في تغيير الدستور مرة واحدة, ونبني النظام السياسي فيمصر علي أساس أرضية جديدة وسليمة؟ ذلك أن معلوماتي القانونية تقودنياليمظنة قد لا تكون صحيحة تماما, إلا أنها لا تخلو من صحة فيالتفسير: وهي أن انتهاء دستور1791 بكل مشتملاته وعيوبه, واللجوء الي بعض الفقرات العاملة منه لتقنين مرحلة مقبلة, قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل.. وأنه طالما قد وافقنا علي مبدأ إطالة فترة الانتخابات التشريعية والرئاسية, فلماذا لا نكمل البناء بصياغة دستور جديد يحقق ما تتطلبه المرحلة المقبلة, وضعا في الاعتبار أن فترة العضوية البرلمانية المقبلة سوف تستمر حتي6102, والرئاسية حتي5102, ويظل السؤال عالقا: علي أي دستور سوف نحكم بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية ولحين إقرار الدستور الجديد؟ ومن ذا الذي سيحدد أو ينتخب أو يعين لجنة صياغة الدستور المقبل, هل سيكون مجلس الشعب الجديد؟ أم سيكلف رئيس الجمهورية المنتخب هذه اللجنة بإرادته المطلقة؟ وما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إطار الوضع المقبل وبعد أن يتسلم السلطة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة؟ استفسارات مقلقة ومحيرة تقبع في فكر كل من ينظر للمستقبل السياسي لمصرنا الحبيبة, لأن الوضع لم يحسم النتبجة لنعم أو لا ولكنه يراوح منطقة ربما. المزيد من مقالات محمود شكري