إيبور... أديب مصري قديم من زمن الفراعنة العظماء وضعه قدره شاهدا علي أول ثورة اجتماعية في مصر, حدثت حوالي2130 قبل الميلاد, ومارصده إيبور عن هذه الثورة حفظ لنا علي بردية بمتحف ليدن بهولندا يعرفها علماء المصريات باسم ورقة ليدن رقم3440 ومن المؤكد أن التاريخ يعيد الآن نفسه مرة أخري... ومن قبلها مرات.... لن أتحدث عن ثورة الخامس والعشرين من يناير... أسبابها ونتائجها, لأن التاريخ يؤكد لنا أن الثورات لاتسطر تاريخها, وإنما يكتب التاريخ عن الثورات ونتائجها بعد مرور سنوات, تقل أو تكثر حسب طبيعة كل ثورة ومدي تأثيرها في المجتمع وعلي البلاد التي تقوم بها, وما يجاورها من بلدان أخري. إنني أرصد هنا وجها واحدا لمسناه في الساعات الأولي من الثورة وبعد تأكد نجاحها في التغيير, وهذا الوجه قد يظنه كثير من الناس ملمحا لثورة52 يناير, لكن الحقيقة أن ماحدث في هذا اليوم حدث مثله تماما منذ آلاف السنين وعلي نفس الأرض الطيبة أرض مصر. وبدون إسهاب رأينا بشرا ليس كسائر البشر, بل من الظلم أن نطلق عليهم اسم بشر, تلونوا كحرباء مدربة غيروا جلودهم في ساعات كانوا يتحدثون عن مظاهرة صبيانية, ومطالب شباب لايجد مايفعله سوي الجلوس إلي الإنترنت وحجرات الشات... ثم فوجئنا بنفس هؤلاء يتحدثون علي نفس صفحات الجرائد, وأمام نفس كاميرات البرامج التليفزيونية, وخلف ميكرفونات الإذاعة عن الثورة وليس المظاهرة, وأصبحوا يصفونها بأنها الثورة المجيدة.... الثورة البيضاء... ثورة الحرية.... ثورة الشباب, وكل واحد من هؤلاء نراه وقد أمسك بوقا وأخذ يصرخ حتي تكاد تنخلع لوزتاه تهليلا للثورة والشهداء والشباب.... سبحان الله... سبحان مغير الأحوال.... يحدثنا إيبور الحكيم المصري القديم هنا عن المسببات السياسية والاجتماعية التي أسقطت الدولة المصرية القديمة, وآلت بها إلي حالة من الفوضي وانتشار الرعب في ربوع البلاد وتغير أخلاق الناس وسلوكياتهم المعهودة, والتحول من فساد المناخ السياسي السابق للثورة, إلي فساد المناخ العام بتوقف الأرض عن إخراج زرعها والعامل عن صناعته لفقدان الشعور بالأمن, وبعد مرور أكثر من أربعة آلاف سنة نجد في يومنا هذا لصوصا ومجرمين ينهبون ويقطعون الطرقات ويروعون الآمنين دون خوف أو رهبة من أحد, وليس هذا هو الأمر الخطير فمثل هذه الأمور لن تدوم طويلا.... فبمجرد أن يستعيد الناس توازنهم وترتيب أحوالهم, فإن هذه الزمرة من المجرمين سيعودون مرة أخري إلي جحورهم. الأمر الخطير الآن هو ظهور هذه الزمرة من أصحاب التاريخ الأسود في الغش والتزييف والحقد علي كل نجاح, وهم من اعتدت علي تسميتهم أتباع الإله ست إله الشر في مصر القديمة, وست وأتباعه نراهم اليوم ينتهزون حالة الضعف( المؤقت) التي تمر بها مصر وينقضون علي كل جميل وطيب لتشويهه وإفراغ سمهم فيه, فنجد هذا الكاذب الكذوب معتاد الغش والتزييف يلبس لباس النزاهة والشرف ممسكا بخناجر الحقد ليمزق الشرفاء دون وازع من ضمير أو دين, كيف وهو لايملكهما في الأساس؟! وهذا الذي حصل علي درجة علمية بالغش ونقل رسائل الآخرين نجده يهل بوجهه القبيح ليدمر تاريخ الشرفاء, لكن سيذهب كل أتباع ست إلي وضعهم الطبيعي في سلة مهملات التاريخ ولن تجد لهم ذكرا علي صفحاته, والوحيد الذي سيبقي منهم هو ربهم ومعلمهم ست نفسه خلاصة الشر الذي كلما تكلم يركز علي كلمات بعينها يسحر بها أتباعه وهي: تلامذتي وأبنائي الطلاب وأبنائي العاملون بالآثار, محاولا بتلك الكلمات التأثير علي كل من يجهل حقيقته وزيفه,, وأن العاملين بالآثار قد نسوا مافعله بهم من خفض لرواتب عقودهم الموسمية عندما كان يتولي المسئولية, وأدخل الأثريين عصرا من الجفاف في كل شيء العمل والفكر! يتحدث إيبور عن هؤلاء الناس بقوله: إن احوال البلاد قد تبدلت وتغيرت وخرج الجرذان من جحورهم ليتطاولوا علي الأسود التي أصبحت ضعيفة.. وأعاد السبب الرئيسي في طول مدة حكم الملك الذي وصل إلي كرسي العرش صبيا صغيرا وظل يحكم لأكثر من ثمانين عاما, وترك البلاد في أيدي معاونيه وقواده فعاثوا في الأرض فسادا مستغلين ضعف الحاكم سواء عندما كان طفلا, أو بعدما صار شيخا طاعنا في السن... وتجرأت البلاد المحيطة بمصر علي هيبة الدولة المصرية بعدما كانت تدين لها بالولاء والطاعة وصارت البعثات التجارية المصرية إلي هذه البلاد تنهب بل ويقتل أفرادها... آلت البلاد في النهاية إلي ثورة عارمة, والغريب أن أول ضحايا هذه الثورة كانت الأهرامات ومقابر الفراعنة التي نهبت كنوزها. كان التاريخ يعيد نفسه, فنجد أن الضحية الأولي لثورة25 يناير هي الآثار, سواء في المناطق الأثرية أو المتاحف, أما الضحية الثانية فهم القائمون علي حماية هذا التراث الأثري من الأثريين الذين تكالب عليهم الفئران بأقلامهم المسمومة, فهذا يكتب حاميها حراميها بكل بجاحة, وهو من كان يأتينا مستعطفا لكي يسافر مرافقا لهذا المعرض أو ذاك بالخارج ليغطي أخباره طمعا في مصروف الجيب الذي يعطي له, بل إن من طعم وعاش في خير آثار هذا البلد العظيم أصبح أول المهاجمين له يشيع الأكاذيب نهارا جهارا دون أن يجد عاقلا واحدا يسأله الدليل علي مايقول وكأن الجميع قد نسي أن البينة علي من ادعي. يقول إيبور لنا: أصبحت الخادمة التي كانت تري وجهها في الماء تمتلك المرأة, وصارت الأميرة تشحذ قوت يومها...... واليوم نجد فئة غريبة تتربح من الثورة, وصار عملها هو حضور البرامج المدفوعة, وكتابة المقالات المأجورة لخدمة هدف واحد, وهو تشوية الوطن... تدعوهم إلي العمل فيكون ردهم: عملنا كثيرا في الماضي ولم نأخذ شيئا فلماذا نعمل الآن؟! أليست هذه دعوة صريحة لهدم مصر! يطالبون بأموال نهبت من مصر, فما الضير أن تطالب بها وأن تعمل وتنتج, بدلا من أن تطالب بها وأنت تعطل بلدا بأكمله عن العمل وتخسره أكثر مما تطالب باستعادته! عندما حدث في زمن إيبور تعطيل للبلاد انتشرت المجاعة وعز وجود رغيف الخبز, وتحول اللصوص وقطاع الطرق إلي أثرياء لكنهم صاروا لايجدون مايسرقونه وعمت المجاعة فتغيرت أخلاق المصريين, وصار الأخ يشك في أخيه ويحتاط منه, وأغلقت البيوت أبوابها علي أصحابها وصارت الشوارع خالية من المارة, والأرض لاتجد من يزرعها, فمن استفاد بهذا الوضع؟ بالطبع هم أتباع الإله ست... فكان هذا هو عصرهم الذهبي لكي يدمروا الشرفاء! في مصر القديمة كان واجب الفرعون نحو شعبه أن يحكم بين الناس بالعدل والحق والنظام, أي أن يحكم وفق تقاليد الماعت رمز الحق والعدل والنظام, وكان وزير الدولة يتلقي تعليماته مباشرة من الملك الذي كان يحث فيها علي نشر مباديء الحق والعدل والنظام بين الشعب... ولذلك بني أجدادنا حضارة أنارت للبشرية طريقا مضيئا لاستمرار الإنسان. ولقد برأ إيبور ذمته أمام التاريخ مؤكدا أنه قد أدي دوره كمثقف في المجتمع المصري, فنصح الملك وحثه علي العودة إلي طريق الماعت, بل حذره من مغبة الظلم والفساد, فلم يسمع له, وكانت النتيجة فوضي في كل شيء, وأعداء يتربصون بالبلاد. نجحت ثورة25 يناير في تسطير صفحة جديدة في التاريخ المصري يذكر لها تأكيد حق الشعوب في اختيار كيانها السياسي وتقرير أسلوب حكمها.. لكن الأهم الآن هو التشبث بتحريك عجلة الإنتاج بأقصي طاقتها يحميها أمن واع بمسئوليته, وكفانا مايحدث الآن في مصر من تخريب لآثارنا وتراثنا الذي لايمكن أن نعوضه, وإذا مااستمرت حالة الفوضي الأمنية في البلاد فسنبكي دما بدلا من الدموع, ولن يحترمنا العالم من حولنا وهو يري آثار الفراعنة تباع وتشتري في أسواقه السوداء.. فلنوقف نزيف الحضارة لكي لاتشوه الثورة... أخشي ماأخشاه أن يمر علينا مائة وخمسون عاما من التخبط حتي تتوحد البلاد علي يد مصري أصيل مثلما حدث منذ أربعة آلاف عام عندما وحد الملك الصعيدي منتوحتب الثاني أرجاء مصر تحت حكم واحد, وأعاد إلي البلاد أمنها وقضي علي ست وأعوانه. مازلنا مع حكيم مصر القديمة إيبور... ومازلنا مع أحداث ثورة الماضي والحاضر.. نكشف زيف ست ونقوم بحفائر حقيقية في قلبه المظلم بالأحقاد لكي لانترك له فرصة لتشويه الشرفاء... ولكن ذلك حديث آخر. المزيد من مقالات د. زاهي حواس