يوم التاسع عشر من مارس سيظل يوما محفورا في تاريخ الديمقراطية المصرية في عصرها الحديث، ففي هذا اليوم – الذي شهد وضع اللبنة الأولى في صرح الديمقراطية الوليدة – خرجت جموع الشعب المصري مرتدية ثوبا قشيبا لتعبر عن رأيها في الاستفتاء على التعديلات الدستورية لأول مرة بعد عقود من حريتها المسلوبة، ومن كان بعيدا عن المشهد ورأى ما حدث في الشارع المصري يظن أن البلاد في يوم عيد، وهو حقا كذلك، لأنه كان يوما احتفاليا كرنفاليا للتعبير عن إرادة هذا الشعب بغض النظر عما أسفرت عنه النتيجة. لقد خرج الرجال والنساء والشباب من كافة الأعمار عن بكرة أبيهم كي ينفوا عن هذا الشعب صفة السلبية جراء عدم مشاركتهم من قبل - لأن عدم المشاركة في ظل التزوير والفساد كان فعلا إيجابيا في حد ذاته يقول للمزورين اصنعوها بأيديكم الملوثة لا بأيدينا – وظهرت على شاشات التليفزيون مشاهد لطوابير طويلة امتدت مئات الأمتار خارج اللجان، على عكس المشهد المعتاد الذي كنا نشاهده من قبل لمذيع يقف وراءه مجموعة تعد على أصابع اليد الواحدة حتى أننا كنا لا نرى الكاميرا تتحرك بعيدا عن وجه المذيع حتى لا نكتشف الفاجعة بلجان خاوية على عروشها إلا من أصحاب المصالح . ولأول مرة منذ عقود يشعر المصريون على اختلاف مشاربهم وأيديولوجياتهم بأن النتيجة ستكون معبرة بصدق عن آرائهم، وهو ما كان، وكان الحدث الأكثر تفردا هو قبول أصحاب الأقلية التصويتية رأي الأغلبية بما يمثل قمة الديمقراطية، أي قبول رأي الآخر وإن اختلفنا معه ما دام معبرا عن المجموع، وبذلك اكتملت للاستفتاء أركان النجاح من مشاركة كثيفة وتقبل للنتيجة ونزاهة في الإجراءات، فكان الفائز بحق هو مصر التي تكتب تاريخا جديدا بسواعد أبنائها يشهد له العالم أجمع . غير أن المشهد على روعته لم يخل من بعض سلبيات، لكنها لم تكن من الخطورة بحيث تؤثر على مجمل الصورة العامة، من ذلك قيام أفراد من أنصار الرأيين بالتأثير على عموم الناس باختيار معين يتوافق مع رؤيتهم وهو ما يتنافى مع تطبيق قواعد الديمقراطية، وكان عليهم توضيح وجهة نظرهم دون تأثير على أحد لتبني هذه الوجهة، كذلك كان من بين سلبيات الإشراف القضائي نقص أعداد القضاة وعدم وجود خطط بديلة لمواجهة أي ظروف طارئة، وهو ما أعتقد أنه سيتم تلافيه في الانتخابات المقبلة . أما كلمتي الأخيرة فهي موجهة إلى شباب الثورة بأن يتخطوا مرحلة الاستفتاء سريعا وما يدور حولها من نقاشات، ويعملوا على أرض الواقع بأن ينتظموا في حزب سياسي أو أكثر، وليكن برنامجهم – بعيدا عن الأيديولوجيات التي شتتنا ولم توحدنا – هو المطالب التي نادوا بها خلال الثورة من ممارسة حياة ديمقراطية حقيقية على أسس سليمة، وإطلاق الحريات في التعبير، ووجود عدالة اجتماعية إلى آخر مطالب الثورة التي جمعت حولها كل أطياف الشعب المصري، كما يجب ألا ينساقوا وراء الجدل البيزنطي العقيم الذي سئمنا من ترديده خلال عقود ماضية بين الأحزاب الموجودة على الساحة، التي ارتمت في أحضان النظام البائد وارتضت بدور الضحية المفتعل وبأنها كانت مكبلة بالقيود ولم يكن يسمع صوتها ، لأنها لو أرادت لعب دور مؤثر لكانت فعلت دون نظر للعواقب كما فعل شباب الثورة . وأرى أن فترة الأشهر الستة المتبقية حتى إجراء الانتخابات البرلمانية كافية لتأسيس حزب قوي يحظى بقبول واحترام الشارع المصري، وهي فرصة ذهبية أمام هذا الجيل من الثوار الشباب كي يثبتوا ذاتهم ويحققوا تطلعاتهم، وكيف لا تكون الفترة كافية وأنتم قد استطعتم إسقاط نظام فاسد بأركانه في ثمانية عشر يوما فقط، فأعتقد أنكم تستطيعون إيجاد الوسائل المبتكرة للوصول للناخبين أسرع من غيركم، يساندكم في ذلك رصيد هائل يشهد بإنجازكم العظيم، وهناك أمر آخر حاسم لمصلحتكم لا يقل أهمية وهو أن الناخبين ملّوا من تلك الوجوه التي لم تتغير ولم تقدم أي شيء يذكر عبر عشرات السنين، ولتعلموا أن الخير كل الخير فيكم أنتم يا من صنعتم حاضر مصر ومستقبلها. المزيد من مقالات حسام كمال الدين