الصورة التي نعرفها عن المثقف اختلفت في السنوات الأخيرة, وربما من سوء حظي انني وجيلي قرأنا عن دور المثقف ما لم نشاهده في الواقع, فقد عايشنا صورة مختلفة تماما ومغايرة, ولعلي لا أتجاوز إذا قلت ان الغالبية من المثقفين لعبت دورا بغير وازع من ضمير تجاه المجتمع, فقد كان المشهد في مجمله عبارة عن تجميل للصورة مع بعض من رتوش للنقد المعاون علي ذلك, وليس الفقر الجارح الكاشف لواقع مؤلم وصورة قاتمة. ولا أبالغ ان قلت ان دور المثقفين كان بمثابة المخدر إلا قليلا ممن عفا ربي, وتمتعوا بضمير يقظ وادركوا دورهم الحقيقي في رفض الواقع المؤلم, وعدم الخضوع لسيف المعز وذهبه, وانتموا بحق إلي مجتمعهم وأرادوا له الخلاص, ورفضوا الوضع المخزي لمصر الذي يمثل نشازا لحضارتها ودورها عبر كل العصور والتاريخ والذي وصفه وبحق الراحل العظيم د.جمال حمدان في مصر.. عبقرية المكان. وأحد هؤلاء المثقفين المخلصين لمجتمعهم وعبر بصدق عن همومه وتطلعاته, الراحل الدكتور محمد السيد سعيد الذي ظل يراودني بفكره وأنا احتفي بثورة25 يناير, وعلي الرغم من أن سعيد لم يعش حتي يشاركنا نشوة الخلاص من النظام والواقع المتدهور.. إلا ان دوره لا يمكن ان يتجاهله منصف في المطالبة بحق المجتمع ومصر في واقع ومستقبل أفضل يتماشي مع تاريخها وحضارتها وتطلعات المجتمع, ولم يضع في حساباته مصالح وتطلعات شخصية زائلة لا شك, لم تضر أصحابها قدر ما أضرتهم وألحقت بهم خزي الضمير وخيانة المجتمع. ولم يقتصر دور سعيد عن رفضه للواقع المخزي علي صفحات الجرائد فقط, بل انه أعلنه صراحة في لقاء الرئيس السابق مع المثقفين في افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ سنوات, قبل ان يري مبارك أن هذا اللقاء لا فائدة منه إلا وجع الدماغ بسب هذا الحوار الذي فرضه وأصر عليه الراحل بأن مصر تستحق دستورا جديدا وليس فقط تعديل بعض مواد الدستور الحالي, وهو ما لاقي استهجان الرئيس السابق وسخريته, عندما طالبه المفكر الراحل بأن يكون هو صاحب مبادرة وضع هذا الدستور ليدخل التاريخ, وكان رده معبرا عن ديكتاتوريته عندما قال له أنا لا أريد أن أدخل التاريخ ولا الجغرافيا. ولم يكن رد فعل أحد رجالاته المقربين بعيدا عن هذا حيث تساءل رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي. من دعا هذا الرجل ابن... حسبما نشرت بعض الصحف في حينها. ولان محمد السيد سعيد لم يكن في حساباته مغنم فلم يأبي وواصل معركته ضد النظام والواقع والفساد. لا شك ان هناك كثيرين من المثقفين الذين انحازوا بضمائرهم لمجتمعهم وكان لهم نصيب في ارهاصات الثورة, وكانت لمبادراتهم دوي الرصاصة الاولي في قلب النظام, والدكتور محمد البرادعي هو أحد هؤلاء دون شك, فقد آثر الرجل منذ اللحظة الاولي التي ترك فيها منصبه الدولي المرموق, وآثر أن يكرس جهده من أجل النهوض ببلده واستعادة حقوق مجتمعه في حياة ديمقراطية وليبرالية ونهضة اقتصادية. المزيد من مقالات خليفة أدهم